نحو عالم متحد ضد الفساد وبعض رؤى في قراءة الظاهرة وجانب من وسائل معالجتها والتصدي لها

نحو عالم متحد ضد الفساد وبعض رؤى في قراءة الظاهرة وجانب من وسائل معالجتها والتصدي لها في ضوء تكريسها ببعض البلدان العراق نموذجاً كونه دولة افتُرِض أن تنتقل من الدكتاتورية إلى الديموقراطية فوقعت بمصيدة التجول إلى الكليبتوقراطية وتعمقت المعضلة لتحتمي بالقمع الفاشي الدموي.. فهل من حل؟ وهل من تعقيدات فيه؟ وكيف السبيل لفهم الظاهرة.. محاولة لوضع لمسة ربما تساعد في قراءة الظاهرة وتدعم وضع الحلول الأنجع بدل الوقوع بين براثن الجريمة المافيوية والعصابات المنظمة وأسلحة زعماء الحرب الطائفية وأدوارهم في تكريس الاقتصاد الريعي أرضية تكوينية للفساد.. فلنتفكر ونتدبر

اليوم الدولي لمكافحة الفساد (A/RES/58/4) كانون الأول/ديسمبر09

نحو عالم متحد ضد الفساد 

كما كل الأيام الدولية نجد للفساد منصة تكافحه، وتضع بالملموس وسائل تلك المهمة عبر اختيار اليوم الدولي لمكافحة الفساد. ودخولا بتعريف هذه الظاهرة التي أصابت مجتمعاتنا المعاصرة بصورة استثنائية فاضحة فادحة، يمكن القول: إن الفساد ظاهرة مرضية تصيب المجتمعات والأفراد سلوكيا بانحراف يمارسون به المخادعة أو النصب والاحتيال باستغلال ظرف بعينه ينطلق من استغلال النفوذ أو السلطة أو الصلاحيات. ويُفهم السلوك الفاسد من انتقال من النقاء والسلامة إلى الانحطاط أو الانحدار نحو منطقة التعفن والانحلال حيث نجد الظاهرة في بيئة تدمير وخراب أو هلاك.

وبهذا فالفساد جوهرياً أن يرى الفاسد نفسه في حلٍّ من كل التزام بما يفعّل عنده انفلاته من العقاب ومنح الأخطاء و\أو الخطايا سلامة أو تخفيف وطأة وإذ يضع الفاسد ونهجه المفسد موضع السلطة وقمتها ينتفي القانون وسلطته عليه ليصير هو القانون المنظم للحياة والعلاقات…

بهذا يتم تشييء الوجود بكليته وتصير القاعدة الأساس فيه تخضع لعلاقات البيع والشراء ومنظومتها القيمية التي ربما تبدأ بالرِّشى والنصب والاحتيال ولكنها لا تنتهي حتى ببيع شيء أو علاقة أو قيمة؛ مثلما تباع هنا الالتزامات والشروط القيمية الإنسانية المحددة للعلاقات لتتبقى علاقة وحيدة للتملّك وفرض سلطة مطلقة أحادية الفعل واتجاهه.

وبهذا أيضا، تصل الحال التراكمية للرّشى ولأشكال المخادعة والاحتيال إلى مستوى التحول الأشمل والأعمق ومتعدد مختلف المفاهيم ووسائل الوصف ومخرجاته، لتصيب العلاقات الاجتماعية السياسية بالمعنى الأوسع للمصطلح، بمفارقة المنظومات القيمية الإيجابية عندما تصير في فهم فئة كبيرة على أنها مثلبة ونقص في الجرأة والإقدام على أمر أو آخر أو يُنظر إلى كلفتها على أنها باهضة أمام وسائل الفساد التي تصير ذكاء وشطارة في تجاوز تلك الكلفة وفي تسهيل الحصول على مكسب من دون تلك التكاليف ومصاعبها؛ وهنا تتسلط القيم السلبية غير الأخلاقية وهو ما قد يتسبب بمسمى الوضع الأكثر فشلا أو دخول الدول مرحلة وصفها بالآيلة للسقوط والانهيار كونها الدولة الفاشلة وإن لم يكن ذلك شرطا حتميا لمآل كل دولة تصاب بآفة الفساد على وفق نسبه وآثاره بدءاً بما أشرنا إليه العلاقة السببية بين عدم الوفاء بالأمانة وخيانة العهود حتى تلك المتسببة بسقوط النُظُم والدول.

نجد في عراق اليوم ويلدان بالمنطقة ما يُسمى مجازا حماية الأحياء والضواحي من ميليشيات وعصابات مسلحة ولكنه ليس سوى ذريعة لفرض الأتاوات بالإكراه مقابل تلك (الحماية)! ونجد الاختطاف والاغتصاب وتمشية الأمور بحلول طائفية أو عشائرية كما نجد ممثلي تلك الأجنحة المسلحة وسط الدوائر الحكومية والخاصة تفرض سطوتها وبلطجتها ونجد التزويج لوكلاء القداسة بأي تسمية جاء على أن يبقى عابرا مؤقتا هو بالحقيقة ارتداء عباءة القدسية لتمرير فساد بعينه.. ونجد الرشى الإلزامية لكل معاملة تمر بموظف ونجد بلطجة على المستثمرين وتحاصص بميدانها ونجد البنوك تشتغل بفتاوى سياسية لإرسال المقسوم إلى جارةبعينها وولايتها التي تنتهك السيادة مثلما نجد كل ما يعطل الاستثمارات ويضع أموالها بين يدي أطراف معلومة.. والفساد منظومة بلا منتهى سوى بالتغيير

إننا بهذا الخصوص ندرك ما لاختلاف الظروف باختلاف الثقافات والقيم الاعتبارية بين الدول والمجموعات ما ينعكس على أية فرصة لتشخيص حالة فساد بعينها؛ لكن توحيد أسس الفهم ووضع القواسم المشتركة بخاصة مع صدور منظمات قانونية أممية سهَّل اتخاذ الموقف أو غيره بشأن قضية أو أخرى؛ على أنّ القضية لا تقف عند حدود صياغة القوانين وموادها وقواعدها بل تذهب إلى حيث منظومات التعليم وقدرتها على خلق أرضية وعي مشتركة لقراءة قيمة سلوكية أو أخرى بمنطق القواسم المشتركة ومن هنا وجدنا النُظُم التي تنتهكها بنيويا قيم الفساد تخرّب من بين ما تخرب، التعليم ونُظُمه وقيمه أو تشوهه وتثير المشكلات المعقدة العصية بوجهه..

ويمكننا بالخصوص الإشارة إلى أنّ مجتمعا كان قد بدأ باستساغة الرشى والتلاعبات والخدع، لابد له أن يتجه إلى تحوّل منظومة الحكم في بلاده من نهج يحاول التقدم باتجاه الدمقرطة نحو اتجاه معاكس باتجاهه وثيماته ورؤاه حيث الكليبتوقراطية وتمترسها وحمايتها بخطاب قمعي فاشي..

لابد من إعادة تسجيل تلك الأفعال الفاسدة المفسدة بصيغ تلبي المنطق القانوني للتشخيص من دون تجاوز تعددية الثقافات ومرجعياتها القيمية.. ومن ذلك:

  1. الرّشى المستعملة في تمشية الأمور بالقطاعين العام والخاص.
  2. السرقة والاختلاس وكل ما يُنهب من القطاعين العام والخاص.
  3. أشكال استغلال النفوذ وأساليبه.
  4. صيغ استغلال المسؤولية الوظيفية.
  5. مستويات وحالات الإثراء غير المشروع.
  6. جرائم غسيل الأموال ومستوياتها وطرائقها.
  7. التستر على كل أو بعض ما ورد في أعلاه و\أو عرقلة العدالة بشأن محاولات الكشف عنها ومنعها.

إنّ ثقافة بعينها قد تبيح فعلا فاسداً مفسداً يمس الخطاب القانوني وإجراءات العمل السليمة من يتعارض والخضوع للشفافية والمساءلة أو الاستجابة لسيادة القانون وهذا يكسر القواعد الأممية ويوجد فرصاً فضفاضة لمآرب الفساد والمفسدين لكنهم يفلتون بخلفيات من قبيل ادعاء التدين أو مزاعم وجود منظومات أخلاقية يتمسك بها مجتمع أو آخر والحقيقة ليست هي في الغالب سوى مما يحفر ويؤسس للفساد ويحميه وعند ذاك لا يمكن للتدخل الأممي وقوانينه أن يُحدِث نتيجة فعلية مناسبة…

فقضايا تعود للقطاع الخاص أو الائتمان واستغلال النفوذ أو المسؤولية ستبقى أداة لاختراق الشفافية والامتناع على المساءلة بخاصة مع عبارة تحتفظ بقدسية بعينها وسط مجموعة دينية أو مذهبية بينما يجري سرقتها عيني عينك وبوضح النهار لكن الآلية المنسوبة للتدين تحميه مثلما التصرف بواردات المقامات والمراجع الدينية بصورة أو أخرى…

كما إنّ الفساد بأحجام وحدود فردية ضئيلة صغيرة أو هامشية سيساعد الفساد المهول حجماً عندما يجري مساءلة حالات فساد هامشية وكشفها أو فضحها وادعاء مكافحة الفساد عبر تلك الأعمال التي تطاول الصغار وظروف عيشهم فيما لا تنهي أو تجد من فساد بخاصة منه نظام الفساد المتحكم بالسلطة الاجتماعية والسياسية ما يتطلب هنا الانتباه على تلك الحقيقة. والسر في محاصرة بعض حالات هامشية وإمكان كشفها ومطاردتها هو استعمال النخب القيادية بالإشارة إلى قادة النظام وماسكي أركانه لتلك الآلية للتسريب والتنفيس والتظاهر بمكافحة الفساد باستغلال سلطتهم على أعلى مستوى مؤسسي للدولة والتحكم بمقدراتها فيما هم بالحقيقة يكرسون ذاك الفساد نظاما وآليات عمل مشرعنة…

لقد شهد ما يسمى مجلس نواب الدولة في العراق كثيرا من التشريعات التي كرست فرص الإفساد والتحول به إلى نظام حكم وإدارة عامة.. ويجري استكمال تلك الشرعنة من قبيل إصدار قوانين هي فلتر أو غربال لتوكية عناصر أحزاب بعينها وممالئين لزعامات بعينها.. كما جرى ويجري تكميم الأفواه بقوانين وإجراءات قانونية ليست من الشرعية التي يثبتها القانون الدولي أو الشرعة الأممية الدولية ومن أبسط تلك الأمثلة أنه صار من يمارس النقد بقصد تصويب مسار أو تنقية أجواء وفرص عمل مجرماً والقضية بالأساس هي حماية لمؤسسات فساد أو أخرى تتخذ من منصتها ما يساعد الفساد ومؤخرا صدرت أحكام بالخصوص تكشف تلك الحقيقة المسيسة لصالح منظومة قيمية ونظامها الفكري السياسي والاجتماعي الاقتصادي أكرر مثال حيدر وموقفه النقدي مما اُرتُكب ومثال الآلوسي وموقفه النقدي فيما المصادرة لحرية الرأي السياسي والحوار فيه بينة صريحة جرى ويستمر تطويعها لمآرب بعينها في الصراع الدائر…

وكثرما يحدث في إطار مثل هذا النظام الذي عادة ما يكون ريعيا أحادي الفعل الاقتصادي باعتماده على بيع سلعة مختلف أشكال الفساد المافيوي بأعلى مستوياته.. وتنهار هنا أية حال للفعل (الديموقراطي) بتفريغ وسائلها من فحواها وجوهرها وإلغاء كل فرص التغيير بوضع واجهة لماعة للتبديلات المنافقة لتمرير رد فعل أو آخر يمكنه التنفيس المؤقت ومخادعة الرأي العام بخاصة عندما تتشوه فيه مسارات التعليم وبناء الوعي وثقافته فتنهار القيم والمبادئ لصالح التلاعب والتزوير والتشويه. وبات الشعب العراقي اليوم يدرك سطوة واجهات يسمونها أحزابا سياسية بزعامات مافيوية ميليشياوية تلتحف القدسية الدينية فثار في أكتوبر 2019 ومازال يحاول بقصد التغيير وإسقاط نظام المحاصصة والاقتصاد الريعي بوصف هذا الاقتصاد مُتحكَّم به عبر سياسة تستطيع البيع والشراء فيه وتقديم الإغراءات التي تجعله يخدم نوازع الفساد ومنظومتها وهو بتلكم الطريقة الممنهجة في فعل الإفساد بمقابل التهامه أولئك الساسة بإغراءات الرشى بأحجامها المهولة…

أذكّر هنا بأنّ ادعاءات الوازع الديني الأخلاقي كفيلة بالتصدي للفساد تتستر على حقيقته وهو النظام ومخرجاته من منظومة قيمية مخادعة مراوغة.. ولننظر لحجم الفساد وسط طبقة الكربتوقراط الديني من أفغانستان وإيران مرورا بالعراق وحتى تركيا وغيرها من بلدان تُطلق مزاعم أولوية الدين والقيم الدينية الأخلاقية فيما الحقيقة بمنطقة أخرى خارج جلباب التدين الزائف…

إننا بمجابهة مع منظومة اقتصا سياسية تتبادل الأثر كما أشرنا للتو ومنظوماتها القيمية لا تتجدد بمقاسات تتستر بمنطقة الخصوصية الوطنية لأنهم بالجوهر ض\ الوطني وضد الإنساني ما يتطلب موقفا أمميا كلّانيا شاملا بشأن المعالجة الحازمة والحاسمة..

إن العدالة الاجتماعية وتلبية شروطها اقتصاديا سياسيا اجتماعيا هي المسلك الأنجع مما يوفر فرص العمل والأجور المناسبة العادلة وحظر كل شكل لاستغلال البسطاء وعامة الناس من المواطنات والمواطنين.. وهو ما سيرتقي بوعيهم وإدراكهم للأسباب الجوهري العامة لاستغلالهم ولملامح الفساد التي تسيء إليهم جميعا.. وسيكون وضع الشخص الكفء المناسب بالمكان والمسؤولية المناسبة سببا لتجاوز إمكانات اختراق الفساد للأوضاع العامة والخاصة..

وسيكون تعظيم المصلحة العامة واستعادتها بخاصة وهي ليست على حساب المصلحة الشخصية بل لتعظيمها في ضوء منظومة سليمة، سيكون فرصة جد مهمة لاستعادة الاتزان ودحر الخروقات البنيوية التي منحت تعظيم المصالح الشخصية فرصا مهولة على حساب المصلحة العامة المشتركة للمجتمع برمته..

ونشدد على أهمية الشعور الجمعي المسؤول بما يحفظ النظام ويرفض الفوضى والاضطراب ويؤكد الاستقرار المجتمعي مع كبح مظاهر الفقر والفقر المدقع لأنهما دافعان خطيران نحو الفساد ومثلهما كبح البيروقراطية والصلاحيات غير المحدودة لموظفين بيروقراطيين بما يمنع فرص فساد لهذا السبب..

إننا أمام مستويات وأفعال فساد بلا نهاية في ظروف نظام كليبتوقراطي بامتياز ومن هنا كانت الرشى والمحسوبيات وحالات فرض جهلاء على حساب الكفاءة واستغلال الأملاك العامة والبيع والشراء فيها ومشكلات من قبيل عدم الالتزام بمواعيد العمل أو حتى وجود الموظف الفضائي مع تهاون بتطبيق القواعد والقوانين الملزمة كلها تدفع للفساد باختلاف أشكاله..

لكن ثقافة مختلفة نوعيا تستند إلى تعليم سليم النهج متمسك بالعقل العلمي لا بالخرافة ودجلها مع مراقبة قانونية مركبة بسلامة الأداء الإجرائي ومبادرات وطنية تتكامل مع الأممي ستكون مهمة للتغيير…

إن الفساد كما يُفهم وأشرنا إليه هنا هو ظاهرة اقتصا اجتماعية سياسية مركبة معقدة اشمل بتأثيرها جميع البلدان والمجتمعات والأفراد. والفساد كما نراه بالتجربة العراقية يذهب أبعد ما يكون في تقويض المؤسسات الديمقراطية كما يعرقل فرص التنمية والتقدم ويساهم في إثارة الفوضى وتبادل التأثير معها بما تنعدم فيه حال الاستقرار وتسهل حالات الصراعات المحتقن المتفجر.. من هذا المنطق توجهت الأمم المتحدة لاختيار احتفالية اليوم العالمي لمكافحة الفساد لهذا العام 2022 وتسليط الضوء على الصلة الوثيقة بين مكافحة الفساد وبين تلبية شروط السلام والأمن والتنمية وبناء شخصية الإنسان الجديد عبر تعليم نوعي يتناسب والعصر ووعي خطى مساره بسلامة وبكفاءة ومن بين مهام بناء الشخصية سيكون تمكين المرأة والشبيبة من العمل المنتج والتأثير في البيئة مسارا مهما في التغيير وفي التصدي لمعضلات الفساد..

لنتفكر ونتدبر ونراجع المجريات كي لا يستمر الفاسدون في جريمة هي من أخطر جرائم العصر في تهديد وجودنا الإنساني والوطني بكل معطياته ومساراته..

 

***************************

المقال في موقعي الفرعي بالحوار المتمدن

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=776739

أعتذر من قرائي في الحوار بسبب ظهور بعض أخطاء طباعية في النص المنشور

***************************

اضغط على الصورة للانتقال إلى الموقع ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *