تفاقم أزمات فقراء العراق مع انهيارات وتذبذبات بسعر صرف الدولار

هذه معالجة تتضمن محاور عديدة متنوعة لكنها تصب بإشكالية واحدة هي تلك التي تتعلق باشتعال أسعار صرف الدينار العراقي تجاه الدولاروما نجم وينجم عنه من معضلات بات يتحملها المواطن.. وفي ضوء استعصاء المشكلة المعضلة لم يكن من حل سوى أن ينزل المواطن إلى الشارع ليوجه باتجاه إرادته وما يراه من حلول كفيلة بضمان حياة حرة كريمة تنتمي إلى التغيير الأشمل في النظام ومساراته وخطاه حيث مغادرة الترقيعات المضللة فماذا نقرأ معا في تفاصيل محاور أسغار صرف يريجون عبرها التهام ما تبقى للفقراء!!؟

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

تتفاقم نسب الفقر في العراق مع استمرار أزماته البنيوية الاقتصادية والسياسية وانعكاساتهما الاجتماعية. فمع تزايد نسب البطالة والتلكؤ بحل المعضلات الاستراتيجية واستمرار التمترس خلف نهج تهيمن عليه قوى مافيوية من طبقة الكربتوقراط المحمية بسلاح الميليشيات ونهجها القمعي الأدخل في الطابع الفاشي، لا تشهد ساحة الحياة العامة في العراق أية فرصة للتحسن و\أو المعالجة ..

فها هي الحكومات المتعاقبة، بوصفها واجهة سلطة تأسست بتشوهات ما بعد 2003 لا تمتلك سوى نهج المخاتلة والطمطمة على جوهر المشكلات فيما تحاول متوهِمةً أنه يمكنها أن تذر الرماد في العيون عبر إجراءات لا تشكل أكثر من مناورة باتت مفضوحة.. فالدولار يتذبذب بقرارات لا تطال إلا ذيول الكارثة من صغار المتعاملين فيما رؤوس الحيتان الكبيرة لا تصلها عواصف لا تخرج من فنجان الجكومة…

لقد بدأت المشكلات المركبة المعقدة من نهج الاقتصاد الريعي وأحادية اعتماده استراتيجيا على موارد بترولية فيما كانت عبثية الميزانيات التشغيلية تسطو على المشهد يعمق منها أوجه فسادها، فيما يُزعم من ميزانيات استثمارية لا تشهد أية نسبة تنفيذ، حدّاً انحدر لما لم يتجاوز أرقاما متدنية من قبيل ما هو أقل من 10% والمدور عادة ما ذهب لجيوب الفاسدين من طبقة كربتوقراط تتحكم بكل شيء وغير هذا وذاك آلاف المشروعات الوهمية بمسمى استثمار وهي ليست سوى أشكال تزوير كان منها تلك العقود الأخيرة الواقعة بموازنة استيراد كل شيء وأي شيء يقع في التغطية على تمرير العملة الصعبة [الدولار مثالا] وإيصالها إلى أطراف إقليمية محاصرة دولياً!

وكلما زادت أزمة نظام طهران المستفيد من الجريمة، وكلما تشددت دول العالم في محاصرة أنشطته القمعية لشعبه والابتزازية لشعوب المنطقة والعالم، تفاقمت جرائم تهريب الدولار ونهمه لارتكاب تلك الجريمة تعويضا لنظام الإرهاب الدولي من طرف صنائعه المتحكمين بإدارة الاقتصاد العراقي وثرواته.. وهكذا شهد سعر صرف الدينار العراقي تراجعا أمام الدولار فوق أزمات الاقتصاد العراقي المزمنة وهزال إدارته تأتي جرائم تسديد فواتير وهمية هدفها دعم النظام الإيراني! فلطالما فُرِض على العراق شراء سلع استهلاكية بالتعارض مع المنتج المحلي وكذلك ادعاء الحصول على الغاز الإيراني والطاقة الكهربائية وغيرها وبأغلب الأحوال لا تصل الطاقة ولكن الدفع بالدولار اضطراري يضخ الحياة في اقتصاد إيران المتهالك تحت ضربات الحصار؛ لكنه كما تؤكد الحقائق المستفيد لإنعاش وجوده من سرقة دولار لقمة عيش العراقيين..

إذن، فدائرة الأزمة تبدأ من زوابعها المفتعلة بأدوات أو عناصر عراقية لمآرب غير وطنية بما يخدم أسياد القوى المتاجرة بحيوات العراقيات والعراقيين وليس قوتهم فقط.

ووسط هذا الضجيج والعجيج فإن استمرار التذبذب بسعر الصرف لا يقع بمنطقة الادعاءات الجديدة بكون بعض الصيارفة هم من يضارب بالأسعار ولكن الحكاية تكمن في أولها بدءاً بالأصفار الثلاثة وما يحدد القيمة الحقيقية للعملة العراقية لتستمر مروراً بنهج البنك المركزي في التغطية على بنوك افتضح تعاملها الإقليمي ومقاصده وأبعد من ذلك ما حدث من تصفية حكام البنك المركزي ممن رفضوا الخضوع لمطالب رؤساء حكومة سابقين ويومها جرى تعيين عناصر فرضت نهجا خطيرا على جهود البنك المركزي حتى أفرغته لولا توالي وصول ما عوض الاستنزاف النقدي الخطير، من أسعار النفط في الظروف الدولية القائمة..

واليوم تستمر اللعبة بإعادة من كان مرفوضا في إدامةٍ لعبثية تغيير الوجوه فيما يستمر النهج التخريبي ذاته في عمل جوهرة الوجود الوطني وهويته بالإشارة إلى البنك المركزي!

إنّ ما يضاعف الأزمة النوعية وانعكاساتها على حيوات الناس يتجسد فيما ذكرناه من تعويل الاقتصاد على النهج الريعي ومن ثمّ على استيراد (كل) شيء من خارج البلاد ما يضع الأسعار بحركة تصاعد خطيرة فكلما انهار سعر صرف الدينار وجدنا تفاعلا سلبيا أخطر بمزيد تضخم وصعودا استثنائيا للأسعار تفرض عجزا فعليا على المواطن عن سد حاجته الضرورية بتراجع ما لديه من قدرة شرائية وبأشكال التضخم والمضاربات وأشكال التحكم بالسوق..

والمشكلة تستمر بالتفاقم مع وصول أسعار الصرف إلى مستويات قياسية وهي لا تنتهي عند تذبذبها أو انخفاضها النسبي بصورة مؤقتة، إذ لا تعود الأسعار إلى سابق عهدها، لأنها تتعكز على ذرائع شتى لتبرير استمرار الصعود المريع حتى أعلى من سعر الصرف بالسوق الموازي؛ ما لا تتحمله ليس الفئات الهشة ولكن عموم الطبقات الفقيرة باتساع وجودها في مجتمع مشروخ البنى.

ومن جهة مقابلة نشاهد حال انعدام الثقة بين القطاع الخاص الوطني والحكومة بخلفية قراراتها ونهجها ما يُبقي على الأوضاع مرتبكة ويستولد قطاعا خاصا أسوأ من الطفيلي بجانب ما نرصده من توجه هذا القسم لإدامة اهتزاز أسعار الصرف من جهة وهو من جهة أخرى ما يوفر أسبابا ودواع لعدم تمكن التاجر الملتزم من تحديد الأسعار المناسبة بين أطرافها، ما يخلق تلكؤ المواطن عن الشراء وربما يدفع ذلك لخوانق لا مخرج منها من قبيل اصطناع ركود اقتصادي و\أو شلل اقتصادي خطير بتأثيراته على الفقراء وعلى حيواتهم الاجتماعية ما بدأ بتشكيل مشاعر غضب واحتجاج عميقة ربما تصل مستوى الانفجار غير المسيطر عليه…

وفي محور مرتبط بقضايا السياسة النقدية وسعر الصرف، لابد من التذكير أن التعامل بالعملة الوطنية مع بعض الدول سيبقى استعجالا غير محسوب مسارات الأداء لأن العراق يجابه سياسات اقتصادية مشروخة الفعل بسبب طابعها ونهجها. ولن يحل هذا (حاليا) أزمة سعر الصرف والقدرة الشرائية بل ولن يحتفظ بالعملة الصعبة واحتياطيات البنك المركزي بل سيخلق فرص استنزافه ونهبه بوضوح بخاصة مع شبهات تلفّ بعض المنافذ من مصارف، سواء منها المجازة أم غير المجازة أو التي لا تمتلك في أدائها أي التزام بقوانين العمل الدولية المتعارف عليها بهذا الميدان ومع الحاجة لمزيد منافذ قانونية فإن الأجدى مع هذا التوجه هو ضبط الأداء التخصصي من جهة والتحول من الدكاكين وجهالتها في ميدانها إلى بنوك محترفة وبحجم واف يمكنه التهوض بالمهام من جهة ويبتعد عن التعامل خارج ضوابط العلاقات الدولية من قبيل الإشارة للحصار على نُظم الإرهاب الدولي كإيران..

وبهذه الإشارات يمكننا القول: إنّ الحل الراهن سيعجز ولن يكون أداة فعل علاجي من دون الاشتراطات التي تصل بالعملة إلى خدمة المستهلك والاستجابة لحاجاته الفعلية بتنوعاتها ما يتطلب الانتياه على تخصصات بعينها عند منح الإجازات كي لا تكون تلك التخصصات خارج إمكانات توفير العملة وممارسة قوانينها بسلامة بخاصة في ميادين التجارة الخارجية بما ينعكس بموضوعية على صغار التجار مثلما كبارهم: وبودي هنا التذكير بمخاطر استغلال الكبار منهم والصغار في التحكم بالسوق وبالعملة ومن ثمّ بطريقة استغلال الموقف لمآرب المستفيدين الكبار من مزوري اللعبة برمتها لمصلحة نهب العملة الصعبة بأسرع ما يمكنهم..

بالمقابل لا مجال لإجراءات الحكومة في ضبط أسعار الصرف من التذبذب وفي محاولة زرع الثقة ما لم تأخذ بالحسبان وسائل الاستجابة لمطالب المحتجين من الفقراء منهجيا عبر الدخول (المخطط) على العملية برمتها بصورة متكاملة شاملة بالتحديد في الميزان التجاري بسبب منطق وجود الدولة في امتلاك الدولار وفرص التحكم بموضوع استيراد المواد الضرورية الأساس وتوفيرها للطبقات الكادحة الفقيرة ربما عن طريق بعض المنافذ المناسبة لقوانين معمول بها حاليا.

إن استمرار الوقائع على ما هي عليه بات يدفع أكثر فأكثر نحو احتقان مجتمعي مؤداه حركة احتجاجية ستصل حد الثورة الشعبية حيثما انحدرت الأوضاع السيئة لتمس لقمة عيش المواطن مع إدراك الجميع ضعف الثقة بين الشعب والحكومة وقوى السلطة المتحكمة، ومع حال الترقب لإجراءات لا يبدو أنها كافية أو قادرة على استعادة المنهوب ومنافذه المرضية كما في سرقة القرن وعبثية أحكام تفضح ظاهرة تمرير السرقة كما حدث مع سابقاتٍ بحجمها أو أكبر!!

إنّ إدامة تكرار الوعود والعهود الرسمية في ظرف استجابةٍ أو فعلٍ لا يلبي الحاجة الكبيرة من تشغيل اليد العاطلة عن العمل ولا يستطيع ذر الرماد في العيون تجاه مكافحة الفساد نظرا لممارسات قضائية غير قانونية من قبيل الاكتفاء باستدعاءات مع إطلاق سراح في ضوء لعبة تسديد وهمية مجتزأة أكره الشعب على تسديد الثمن لوحده وسيواصل هذه الجريمة ومعطياتها..

وإذ أشير هنا إلى المعالجات العرجاء الإيهامية فإنني أضرب مثلا بالتضخم الذي مررنا عليه لنقرأ تفاقمه منذ 2020 ولكننا نتأكد أكثر فأكثر من عقم التعكز على العامل الخارجي في قراءة الظواهر السلبية ارتباطا بالحرب في أوكرانيا مثلا وغيرها من ذرائع لتبرير التبدلات في الصرف وأسعاره والحقيقة تكمن في بنى وفعاليات ممنهجة تطعن المسيرة الاقتصادية بمواصلتها منح منافذ التهريب فرصها المضافة المفتوحة بوصف تلك الجريمة من أخطر منافذ الاستنزاف والسرقة، طبعا بمعطياتها التي تضع أحمالها على كاهل الشعب وهو ما تتأكد القوى والحركات الشعبية وفقراء الشعب أنفسهم مما بات يفرض ةاقعا مريرا ومن ثمَّ التوجه نحو التزام بنداء متجدد للاحتجاج والثورة بوصفهما الحل الأخير الأكيد

وعليه فإن تفعيل دور القضاء وسلطة القانون تبقى بحاجة لسلطة  بالمعنى الاصطلاحي الأوسع للسلطة إذا ما تحررت من قوى الفساد والعنف الميليشياوي لتكون حرة مستقلة تحترم وسائل العمل البنيوي السليم حيث مهام إعادة هيكلة السياسة النقدية بما يخضع لاستراتيجية ناضجة تتمتع بالثبات في أداء مفرداتها وتتأسس على تكافل بين الاقتصادي والاجتماعي حيث لا تترك مجالا لآثار الفقر ومخرجاته تلك التي تعني مطالبها الأعمق تجاه حال التوازن بين القدرة الشرائية وكبح التضخم والسيطرة على أسعار الصرف وتأثيراتها على مستوى العملة وقدرتها..

إننا نتحدث هنا مجددا عن القيمة الحقيقية التي تعني قدرة المواطن على سداد أثمان غذائه ودوائه وحاجاته الضرورية وليس عن ترليونات الدنانير بمعطياتها التشغيلية ونهج توظيفها الذي سمح دائما بالنهب والسرقة ومن ثم عدم وصولها إلى مستحقيها بذات الوقت التي حجبت الميزانيات الاستثمارية وقدرات التوجه إلى المشروعات الاستراتيجية المطلوبة للتنمية، إن هذا يتجسد بمسمى النظام الزبائني الذي يوزع الفتات فيما يحتفظ كما اؤكده التجاريب ونؤكده هنا بقراءة دقيقة تفضح كون القسط الرئيس الأبرز يقع تحت إرادة لصوصية مفضوحة.!

ونتحدث هنا أيضا عن جرائم سيادية من قبيل الصمت أو عدم الالتفات إلى عشرات ترليونات الدنانير المزورة التي تُطبع في دولة المرجع الديني (السياسي) بحقيقة وجهه الكالح وهي مخصصة تخريبيا لنهب العملة الصعبة واختراق السوق بتزويرها أي إسقاط العملة العراقية المستهدفة وقيمتها وتهديد الأمن القومي العراقي في عصبه الرئيس للحياة كما نتحدث عن تكريس فعل منع ولادة صناديق تنموية بالإبقاء على النهج الريعي المستفاد منه في خدمة ذاك النظام..

وحيث نشدد على مسؤولية النظام وحكومته عما يجري نذكر بمخاطر من قبيل اعتماد معدلات سعرية للنفط تتجاوز المتوسط المقبول بتوقعات الخبراء دع عنكم معاني استمرار إهمال الصناديق التنموية التي أشرنا إليها للتو لصالح موازنات تشغيلية مشوهة وهو إهمال آخر بجانب إهمال الاستثمار في الغاز الذي يستمر حرقه! وطبعا مجمل تلكم الفعاليات الكارثية ستضاعف الدَّين الذي يشكل ثلث الناتج المحلي ما يساهم في استنزاف آخر لا يجوز إغفاله بشأن أسعار الصرف ووضع العملة ومستويات أدائها..

كما يمكن الحديث اليوم عن أزمات مرافقة من قبيل التناقض بين إغراق السوق بالعملة المزيفة وبين نقص يجابه الحكومة في توفير الدينار وسداد المرتبات في ظروف التحديد الدولي بخاصة الأمريكي منه على اشتراطات العمل وتدقيق سلامته وتأمين صحة الإجراءات…

وبانتظار معالجات المتخصصين لهذه القضية السيادية بامتياز فإننا بعد كل حالات انهيار بيئة العملة ونهج إدارة ظروف أدائها لا نجد حلا سوى بأن يأخذ الشعب زمام المبادرة  بنفسه حيث وحده من يمكنه الرد واتخاذ خطى المعالجة وهو ما أكد ويؤكد رؤيتنا فيما سيتم من نزول الجموع إلى الشارع ليس بحركة مطلبية محدودة بل بعميق شعارات التغيير الأكثر جوهرية

 

***************************

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *