رسالة إلى صديقي "وطن"؟

إيفان تيسير

2005-08-18

 

عزيزي وطن، أنت الآن في عراقنا الجميل، العراق الذي توجهت إليه كلّ الأنظار واتجهت نحوه القلوب والأفكار..  وها هي مفردات رسالتك تصف لي عراقا يتدمر ويُغتصب ويُهدم ويُنفى عن وجودنا وأحلامنا...

وطن، أيها الصديق العراقي المظلوم مهضوم الحقوق مسلوب الحرية مرة أخرى ومهمَّش لا في أصقاع الأرض بل حتى في بلادنا الحبيبة..

 

ما رأيك يا وطن لو أنَّ بابك طُرِق يوما ففتحته لترى كهلا حنى الزمان ظهره وأغلقت عتمة الأزمان عينيه!؟ أفلا  كنت ستنجده وتؤثره على حالك الفقير البسيط ولو للحظة أو برهة زمن؟ أفلا كنت ستنجده بكأس ماء ومكان في القلب! بلى يا صديقي؛ أعرفك كنت ستفعل كل ذلك وأكثر وستصغي لحكاياه وتصدق أقواله وتقول إنه مندوب الرب لإنقاذك من وضعك!!!

 

أعرفك جيدا كنت ستعطيه وسادتك النحيلة ولحافك المهترئ  لينام هو ويرتاح وتسهر أنت محاولا سماع دعواته التي لن تسمع منها شيئا منتظرا؛ متمنيا بركات سيجيبك الله الكبير القدير الجبار الرزاق الكريم في زمن تجبَّر فيه أناس وتكبَّروا وشحوا عليك وعلى عراقنا المنهوب...

صدقني أخي الصديق "وطن" إنني أنا نفسي كنت سأصغي للشيخ وأنحني أمامه؛ ولكنني يا صديقي ولو أنني لم أره، أشعر بريبة مما وراءه!!

 

أخي وطن؛ أدري أنك كنت ستستيقظ مع ذاك الشيخ في الصباح التالي مبكرا لتتحدث إليه وتبوح له بأسرار الزمن الصعب الذي قضيناه سويا هنا في غربتنا وفي الوقت عينه ستتعرف إلى أسرار خبراته ومعارفه؟ ولطيبة منك ستواصل الحديث من دون مقاطعة لكلماته حتى تعود حلكة الليل وعتمته التي يصارعها ضوء القمر لينير ما حولك وبعضا من ظلمة عراقنا الجديد...

وما هي سوى سويعات حتى تجده يبدأ مطالبه وأوامره ونواهيه! ذاك الشيخ المتلفع بعباءة داكنة والمقنَّع بعمامة سوداء؟! سيقول أنت يا ولدي طيب صادق فلا تعصَ أمر "الله" وأول أمرك أن تمنع بنت الجيران ولو بضربها وهي التي بلغت للتو  العاشرة من عمرها؛ عليك أن تمنعها من الخروج ببنطرون الجينز والشعر المكشوف.. وها هي أوامر الشيخ الدخيل بلكنته غير العراقية وأفكاره الغريبة تبدأ من حيث لا ترغب عمله؟!!!

ولكن هل أنت هذا يا وطن؟ نعم أنت كريم طيب وصادق ولكنك لست ساذجا ولا أحمق.. أنت لست مجرما ولا تؤمن بأن الله يدعوك لارتكاب الجرائم من أجله!!! لذا بالتأكيد سترفض أوامر هذا الشيخ الدعي حتى لو خرج من بيتك ليتهمك بالكفر وليحاول مع جارك الآخر ليوقع بينكما...

 

وطن يا رفيقي تخيَّل الآن أن بابك يُطرق من جديد وعندما تفتحه ترى رجلا وسيما رفيع القامة مبتسما ويبدو عليه غناه مالا وقوة صحته.. ها هو يدعوك لغداء فاخر في أحدث الفنادق وأفخمها وكما ترى فسرعان ما يبادرك الحديث في أحوالك المادية وشعورك في عدم الأمان والقلق من يومك وغدك. وسيقترح عليك أن يساعدك في بداية مشروع سيخرجك من كل الأزمات المادية والمعنوية والأمنية التي أنت فيها. با وطن سأفرح أكثر مما تفرح به أنت لو كان الأمر كذلك...

ولكن السيد المحترم رفيع القامة أنيق المظهر إنما يحتاج مساعدتك لتنفيذ كل ما وعدك به من توّه فهو يريد في الحقيقة أن يأخذ منزلك القديم المهدم وهو السقف الوحيد الذي تحتمي به وأهلك... أتدري أنه ينوي جعل بيتك متجرا له أو كما يحلم أفضل مجمع تسويقي في البلاد كلها...

السيد الأنيق الذي يخبرك أن جارك إرهابي يحاول القضاء عليك فسلّمه للــ FBI  وليس المنتهى هنا ولكنه قد يلعب مع ذاك الجار لعبة أخرى!! ولكنني أثق بأنَّك مثلما عرفت من يكون ذاك الشيخ المعمَّم قد عرفت من يكون هذا الوسيم الأنيق.. يا صديقي وطن.. هل تسمعني عبر كلماتي هذه هل وصلك ندائي؟

هل عرفت بالضبط ما يريدان منك؟ إنَّهما يريدان تعريتك ومحو هويتك بل إزالتك من الوجود بعد أن ينتهيان من مطالبهما وسباقهما العنفي... هذا ما يريدان أيها الطيب حد السذاجة يا وطن ياصديقي لا تبق هكذا فتصير أحمق سخيفا تخسر وجودك ونخسر حياتنا كاملة ووجودنا سويا...

لست أدعي أني مثالي أو أني أحد أبطال فلم هندي لأنتصر لك من وراء آلاف الأميال وأستطيع تدمير أعدائك هكذا بصراخ الكلمات! ولست بالفيلسوف الذي أنشأ لنا الأكاديمية الأولى وضحى بوجوده ولست ممن يموت من أجل ماله أو ملكه،  أنا مثلك يا وطن طيبة وعفة وما زلت كما تركتني عندما سبقتني في العودة لبيتنا الكبير وكما عهدتني ما زلت بغيرتي على ابنة الجيران وحرصي عليها أختا غالية ولم أنسَ حبي لبيتنا الذي بناه لنا أجداد عظام من عشرة آلاف عام من الخير والشدائد....

فإذا ما زلت مثلي على عهدنا باقِ ِ فلا تسكت للعجوز ولا للوسيم وانهض من جديد ولا تبتئس واطرق الحديد وخذ قلمك لتعيد كتابة قانون خطه الأجداد وتكتب الدستور المكتوب من عشرة آلاف عام .. ولا تنسَ أن تحرك يدك وتبني من جديد ما شاده أباؤنا وتأكد من أنني سأكون جنبك وأنت تبني البيت العراق ويومها ليس من وقت لتحتضن أخاك تحية وسلاما عليه لأننا سنكون لحظتها منشغلين بالعمل والبناء وأنت سيد البنائين ...

هل تذكر يوم كنت ترفع بوابة الحديد وسدودا من حجر لتمر المياه إلى حقلنا؟؟ أنا ما زلت أذكر.. وما زلت أثق بأنك أنت الوحيد القادر على وقف قرع كؤوس الدم على طاولة مفاوضات تزعم تمثيل بيتنا العراق وهي تشرب من دمائنا!!! سنبني عراقنا نحن ونرسم بيتنا الجميل ونعيد أيام كرنفالنا السومري الخالد سويا يا "وطن" يا أخي العزيز سويا لاتنس ذلك............................