مناهضة الحرب ليست مناصرة للدكتاتورية [من الإرشيف]

انطلقت في أرجاء العالم تظاهرات عبرت عن رؤية ملايين البشر في رفضهم الحرب وسيلة لحل المشاكل التي تجابه المجتمع الإنساني .. ذلك أنّ الحرب فضلا عما تحدثه من خراب ودمار ومن أضرار بالغة في المناطق التي تشملها , فإنها فضلا عن ذلك لا تملك في جوهرها سوى ترسيخ منطق البقاء للأقوى, ولمصادر استمرار نظم الاستغلال المعادية لمصالح البشرية في بلدان الرأسمال, كما في أمريكا ومؤسساتها الصناعية العسكرية والنفطية, صاحبتي المصلحة القائمة في الحرب المحتملة على العراق.. فإذا نظر [بعضهم] إلى الحرب بوصفها وسيلة الخلاص من نظام دكتاتوري لا توجد حسب تصوراتهم وسيلة بديلة لزواله ـ غير الحرب الأمريكية ـ فإنّ نظرتهم تلك تستند إلى ما هو أبعد من حسن نية بأهداف الحملة الأمريكية ومصالحها في خوض حرب يَفترِضُ أولئك الحالمون أنها ستتوقف عند حدود خسائر مادية وأخرى بشرية هي أيضا حسب افتراضاتهم لن تكون أكثر من الخسائر التي أوقعها الطاغية في الشعب العراقي طوال مدة حكمه؟ والحقيقة لا يمكن لأية حسابات سياسية أن تُقرأ بهذه الشاكلة الرياضية البسيطة! فالنظام الرأسمالي عمل قرونا على خلق أرضية يمكنه أنْ يستند إليها في أي قرار يتخذه على المستوى المؤسساتي [الأمم المتحدة ومجلس الأمن مثالا] كما يحصل في قضية الشرق الأوسط التي وضعها في خانة المعيار المزدوج الذي ما عاد يخفى على محلل .. إنه يعمل على استصدار قرارات على وفق صياغة منطقية في إطارها الخارجي ولكنها تظل في جوهرها وسيلته للاستمرار في سياساته المعادية لمصالح الشعوب والممثلة لديمومة نظم الاستغلال الطبقي السبب الحقيقي لكل مظالم الإنسانية وعذاباتها. وفي ضوء ذلك فإن الموقف السليم من الحرب هو رفضها بشكل مبدئي ثابت والعمل على خلق الأرضية المقابلة لما بَنَتْه تلك النُظُم وقد يأخذ منّا ذلك سنوات طويلة لكن الممكن الحالي هو هذه العملية التحضيرية لتأسيس وعي ناضج يشكل القاعدة المتينة للقرارات الإنسانية المصيرية بما يبعدنا عن الاندفاعات العشوائية القاصرة التي تتوسل التغيير بالعنف ومنطق الحرب والحقيقة الواضحة الأكيدة هي أن هذا الطريق (الحرب) قد يحقق تغييرا جزئيا هنا أو هناك ولكنه طريق لاستمرار الخراب والألم والخسارة للإنسانية عامة, على المدى البعيد .. ولن يكون يوما  طريق السلام والديموقراطية مارّاََ عبر الحرب وسفك الدماء بل أعمق روح سلام. وفي الوقت الذي تخوض فيه الشعوب حربها التحررية الوطنية المفروضة عليها فإنها تناضل في الوقت ذاته من أجل السلام والحرية حيث لا لقاء بين حروب التحرر وحروب القوى الاستغلالية التي تستند إلى هذه القاعدة الذهبية ـ الحرب ـ في تسريب مشكلاتها عبرها سواء الحروب الكونية السابقة أم الحروب الإقليمية التي تفتعلها في بقاع مختلفة من العالم اليوم. إنّ حلّ مشكلنا الوطني يأتي بنضالنا الوطني وبالاستناد إلى أعمق تضامن أممي من حركات التحرر وشغيلة البلدان الصناعية المتطورة وبالتعامل مع وقائع الصراع بين قوى الظلام والحروب نفسها بما يخدم مصلحة حسم قضايانا إيجابيا من دون أن نغفل أن الانقسام التناحري في المجتمع الإنساني يستدعي نَفَسَاََ طويلا وليس أعمال المغامرة  أوالمقامرة التي تحاول عبثا الوصول إلى أهدافها من غير حساب جدي لمنطق الصراع وآليات الحلول التي تستجيب لمصالح الشعوب ومطامحها.

في ضوء هذا العرض نؤكد أنْ لا تعارض بين الوقوف ضد منطق الحروب العدوانية من جهة وبين منطق تعزيز نضالنا ضد الدكتاتورية بغية إزالتها نهائيا من بلادنا وإشاعة السلام والحرية والديموقراطية مستندين في ذلك لعامل التضامن الشريف والمخلص لكل القوى الخيِّرة في العالم ومستثمرين أيِِّ من أنواع الصراع التي قد تقع بين القوى التي تتحكم اليوم بمصائر الشعوب ومصالحها بطريقة تقلِّل في أقل تقدير ما يمكن أن يقع من خسائر بشرية ومادية...

                                                   نُشِر في البيت العراقي  عدد  25 

 

www.geocities.com/Modern_Somerian_Slates Website:

TAYSEER1954@naseej.com E-Mail: 

 

 

 

 

 

1