محدِّدات العمل في ظلِّ الديموقراطية

2 - 4

[أنْ يشعرَ الإنسان بقيمتِهِ ودورِهِ في الحياةِ العامة!]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي محلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003 / 10 / 27

TAYSEER1954@naseej.com

 

                            متى شعر الإنسان بقيمتِهِ وبصيانة مشاعرِهِ واعتقاداتِهِ وكرامتِهِ الشخصية وجدَ نفسَهُ  تندفع ناشطة في تفعيل إنجازية العمل المشترك مع الآخر وإعلاء شأن هذا البناء التوافقي وصرحِهِ. ومتى ما شعَرَ بكفالة احترامِهِ واحترامِ تصوراتِهِ كان ذلك أدعى لثبات بنيان الوحدة والتكافل والتعاضد.

                            إنَّ هذه الحقيقة تظلُّ أسَّ شروط العمل في ظلِّ الديموقراطية فبغير احترام الآخر وصوتِهِ , لا يمكننا أنْ نزعم إيمانا صادقا بديموقراطية أللهم إلا إذا كانت ادعاءات فارغة القصد من ورائها التبييت للوصول إلى موقع سلطة أو قوة نسود فيها على الآخر بالعنف والإكراه! أما الديموقراطية التي نريد فهي قوة مصداقية ورسوخ ثقة وتبادل اعتراف وسماع تام كامل للصوت الآخر ولرؤيته الحياتية ..

                            وفي حياتنا كثرما تجاوزت القيم اللاديموقراطية السلبية على هذا المبدأ ولطالما شعر الإنسان العراقي (المواطن) بأنَّه بلا قيمة جدية في الحياة فلا رأي له في مسار دولته وعمل مؤسساتها ولا تأثير في منحى سياساتها وتفاصيل برامج توجهاتها ومن ثمَّ لا قيمة لرأي إنسان اُستُلِبَ حقوقه كافة حتى منها حق الحياة. وتأسيسا على هذه الحقيقة يمكننا تفسير أسباب انهيار دولة كاملة بالترافق مع هزيمة مغتصبيها! إنَّها ليست دولة الإنسان العراقي ولكنَّها رمز ووجه آخر لمن احتقر وازدرى العراقي في وجوده وقيمه..

                             اليوم نحن نبتغي تأسيس دولة تحترم هذا الوجود وتقيم الوزن الحقيقي لقيمِهِ واعتقاداتِهِ ورؤاه. لأنَّ محدِّدات الديموقراطية أولها تبادل الاحترام والثقة بمصداقية فعلية لا ادعاء فيها. وإذ نستخدم كلمة محدِّدات لمفهوم الديموقراطية فبعض ذلك يعود إلى القول بأنَّنا لسنا بصدد (الانفلاشية) والحريات التي تسمح بتبادل الاعتداءات والتجاوزات والتقاطعات وإنّما بصدد ديموقراطية حقيقية؛ نعم هي غير خاضعة لتوصيف يستلبها جوهرها ويفرّغها من معطياتها ومبادئها الأساسية بل هي في الوقت ذاته تندرج في  توصيف موضوعي يفعّلها ويقوّيها ويحميها ..

                      وشعور الفرد بقيمته وبدوره في الحياة العامة يجعله مشاركا فاعلا فيها فمن دون تلك المشاركة الموصَّفة بالفاعلية لا يمكننا القول بصحة الممارسة الديموقراطية .. فالفرد ينجذب إلى فعل يجد فيه نفسه أو يجد فيه اعتبار لدورهِ وهو ينسحب من المقام الذي يتضاءل فيه دوره ومن ثمَّ قيمته.

                        فجزئية العمل الديموقراطي الصادق في وضع التقدير الحقيقي لدور الفرد في الحياة العامة.. وفي تشجيعه على المشاركة بوضعه في خطوط المواجهة الفعلية وليس الاكتفاء بالتنبيه على ما يمكن افتراضا أنْ يلعبَهُ فيما لو شارك أو وُضِعَ هنا أو هناك من مواقع العمل العام. وعلى الدولة الديمواقراطية أنْ تتكفّل بسد النواقص والثغرات المحتملة في أول الطريق بوسائل سلمية وبالإقناع والتفاهم والإرشاد ..

                      وعليه فإنَّ باب الدِّربة والتطوير مهمة ديموقراطية وباب توظيف الطاقات مهما صغر شأن معرفتها مهمة ديموقراطية وباب تقدير وتثمين الإنجازات مهمة ديموقراطية وهي جميعا صورة من إشعار الفرد بقيمته وبأهمية دوره في الحياة العامة وهي جزء من عملية تفعيل كل الطاقات ومشاركة المجموع في بناء الحياة الإنسانية لمجتمعنا العراقي الذي يتلمس اليوم خطاه وسط أدغال من أمراض الأمس التي أهملت بتعمّد أهمية الفرد وقيمة دوره في بناء حياته.. ألمْ يكن الطاغية وأذنابه هم الذين يرسمون وهم الذين يسوقون الناس إلى سوح الواجبات المفروضة على وفق تصوراتهم المريضة؟ ماذا يتغيَّر إنْ لم يشعر المء حقيقة أنَّه معني برسم الأهداف وبتنفيذها والتمتع بخيرات عمله الفاعل؟

                       على أنَّ هذه المسألة إذ تتشكل من عمل دائب طويل وصبر وأناة ينبغي في الوقت نفسه أنْ يكفلها الدستور والقوانين المفسِّرة له وخطط  مؤسسات الدولة الديموقراطية التي نحن بصدد إشادة صرحها. وكفالة ذلك ستكون بالنصِّ عليه في فقرات الدستور ذاته وتوضيح الأمر في التفسيرات القانونية بجعل روح النصِّ هي السلطة العليا التي تتعامل مع قدسية مشاعر الإنسان وإحساسه بقيمته العليا في الحياة العامة لمجتمعه.

                            وممّا يقع في إطار تعزيز شعور الفرد بأهمية دوره ضمان حق العمل وكفالة هذا الحق \ الواجب بوصفه وسيلة أكيدة للبرهنة على الوجود الشخصي للذات الإنسانية الفردية (ومن ثمَّ الجمعية على مستوى الفرق والجماعات والطوائف والقوى السياسية والاجتماعية) .. وبتوفير حق العمل سيجد المء نفسه أمام خيار الأداء والفعل والمشاركة من جهة وأمام حقيقة دوره المعترف به على أساس أهمية دخول مساهمته جوهريا في عملية البناء العامة .. وتلك آية الديموقراطية ومقصد توظيفها منهجا للحياة الإنسانية المعاصرة.

                                  

 

                       

 

1