عراقيو المنفى والمهجر وما ينتظر هم ؟!

دعوة لاهتمام جدي واتخاذ الإجراءات المناسبة[*جديد]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  11\ 19

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

                                    

                                          عاش ملايين العراقيين في المنفى الاضطراري طوال العقود الأخيرة وكثير منهم استقرَّ مواطنا في البلدان التي استقبلتهم وأكثر من هؤلاء ما زالت ظروفهم معقدة غير مستقرة في العلاقة مع تلك الدول على الرغم من مرور سنوات طويلة على عيشهم في ذاك المنفى. وهكذا فهُم يجابهون مشكلات جمة يتعلق بعضها بمسألة الإقامة والاستقرار والآخر بمسائل العلاقة بالوطن والكيفيات الممكنة لخدمته بالطريقة الفاعلة حيث يمكن استثمار وجود تلك الجاليات الكبيرة لتشكيل اللوبيات السلمية المناسبة التي تمتلك تصورات دعم إعادة بناء الحياة الجديدة في عراق جديد.

                                           ولكن من أوليات الأمور إدراج إشكالية تلك الملايين على جدول الأعمال الرسمية للحكومة ولمجلس الحكم الانتقالي والاهتمام بتكوين الهيئات الضرورية وتفعيلها عبر الدعم الكافي لمعالجة تلك القضية الجوهرية الكبيرة. وإلا فإنَّنا سنواجه في القريب وليس في البعيد من الزمن مشكلة خطيرة تعمل دول كثيرة من تلك التي تستضيف المنفيين العراقيين على الدفع بهم خارج أراضيها وإنهاء إقاماتهم من دون النظر إلى تبعات الإجراءات المعنية على أولئك وعلى بلادهم الخارجة جريحة منهكة مخربة بعد عقود دمار الدكتاتورية وسنوات الحصار الدولي.          

                                             ومن هذه الدول نجد الاتحاد الأوروبي لم يقصِّر في متابعة كيفيات الإبعاد وإنهاء وجود المنفيين والمهجّرين العراقيين من دون أنْ يلتقي بشكل جديّ بممثلين عن الطرف العراقي. وإذا كان هذا مقبولا في الظروف السابقة حيث الدولة العراقية لا تُعنى بمواطنيها فإنَّه اليوم لا يمكن أنْ يكون مبررا في ظروف الدولة الرعاقية الجديدة في مساراتها وتصوراتها. وعليه سيكون من الجريمة إهمال هذه القضية بوصفها واحدة من محاور السياسة العراقية ومستهدفاتها.

                                             وعليه فلابد أولا من الاسراع بفتح الممثليات العراقية أو السفارات حيثما أُتيحت الظروف والتعجيل بإحصاء العراقيين الموجودين في مختلف الدول, لتسهيل عملية الاتصال والنظر في المشكلات التي يجابهونها وتزويدهم بالأوراق الرسمية الضرورية التي تساعدهم على حلِّ تلك المشكلات. كما على مجلس الحكم وقد سجلت الأمم المتحدة رسمية تمثيله السيادة (أو السلطة) العراقية أنْ يواصل الاتصال مع ممثليات المنظمة الدولية المختصة لتشكيل الضغط المناسب من أجل وقف عمليات الإبعاد غير القانونية للعراقيين في الخارج.

                                               وعلينا إصدار قرار صريح واضح يوجَّه إلى الدول المعنية يقول إنَّ مسألة التعامل مع المنفيين العراقيين أمر يجب أنْ يتمَّ بالتداول بين الأطراف كافة ومنها بالتحديد الطرف العراقي لكي لا يُستَلَب العراقيون حقوقهم ولكي لا تُفاجأ الحكومة العراقية وشعبنا في الداخل بعودة جماعية تكون مشكلة خطيرة فوق المشاكل المتراكمة التي تجابهنا في الظرف الحالي. فلا الاقتصاد العراقي المنهار في يومنا بقادر على استيعاب تلك العودة ولا الظروف الاجتماعية والسياسية بقادرة على احتواء المشكلات الناجمة عن إعادة جماعية كثيفة كما تخطط كلّ دولة أو كل مجموعة دولية لتنفيذه حسب إجراءات تأخذ بنظر الاعتبار أوضاعها الخاصة وتُغفِل بشكل تام أيَّ حق للإنسان العراقي الذي ذاق الأمَرّين بالأمس وطوال مدة الاستضافة بكيفيات التعامل معه وما رافق حياة المنفى والغربة المعقدة ليذوق اليوم مرارة أشدّ بإعادة لا تنظر إلى ما ينبغي توافره لها قبيل البدء بها.

                                   وعلى مجلس الحكم والقوى العراقية السياسية والاجتماعية أنْ تبدأ بصياغة مشروعها الخاص وتضعه على الفور بين يدي الأمم المتحدة لتقوم هي بدورها بمساندة اتصال الحكومة العراقية بالدول المعنية في إطار رسم مسألة عودة العراقيين الذين لم يحصلوا على قرارات الإقامة الدائمة في بلدان العالم المختلفة. إنَّ التأخير في وضع برنامج عراقي أمر ستكون له عواقب وخيمة على مجتمعنا يوم نكون في وسط حريق المشكلة.. فلِمَ نتأخر ولِمَ ننتظر؟

                                      ولتنفيذ ذلك على الأطراف المعنية وقد يكون منها مؤسسات مجتمع مدني عراقية في الخارج من جمعيات وروابط واتحادات ومنظمات أن تقوم بدورها في اقتراح مفردات وشروط تلك الإعادة بخاصة لتماسّهم مع الوقائع اليومية ولتعرفهم إلى المشكلات الحقيقية ومثلهم يمكن للحكومة العراقية النظر في القدرات الاستيعابية وينبغي ألا يُحدَّد التزام مطلق بل اشتراط تحقق تقدم في الوضع العراقي الداخلي لكي تتم الإعادة وأنْ يرتبط ذلك بتقارير الأمم المتحدة وليس بقرارات قد تكون سلبية بمقدار ارتباطها بخصوصية ما تريده بعض الدول من عملية الإبعاد التي لا تحترم قوانين حقوق الإنسان بالمرّة.

                                      وللبدء بهذه المسألة ينبغي عدم التوقف مع إشكالية جزئية من إشكاليات المنفيين أو المهجرين كما هو حال مسألأة فئة مُبعدة بدولة مجاورة ولكن ينبغي لمنظمة عراقية بل لمجلس الحكم العراقي أنْ يطلِق دعوة مناقشة الأمر ومعالجته وطلب رؤى التجمعات والقوى العراقية في خطوة من أجل استصدرا القرار المناسب .. ومن المناسب هنا التذكير بقرار ممثلية المنظمة الدولية بهذا الشأن بخصوص طلبها تأجيل الترحيل والإعادة.. وكذلك قرار بعض الدول في منح إقامات مؤقتة لمدة سنوات ثلاث وما شابه انتظارا لما تنجلي عنه الأمور داخل العراق.. ولكن حتى بعد انتهاء هذه المهل ما الذي ينبغي أن يحصل عليه العراقي المنفي من حقوق إنسانية ثابتة سواء في خيار العودة والبقاء أو الإقامة في بلد الضيافة أم في شروط الإعادة نفسها وما يلحقها من متطلّيات؟

                                        لا أرى في هذه الإشكالية إلا واحدة من الأولويات النابضة خطرا وألما مما نحتاج إلى التعامل الجدي والتعاطي مع حجم إشكالية كبيرة جدا متعاظمة يوما بعد آخر في مردودها إنْ لم نتخذ الإجراءات المناسبة والعاجلة اليوم قبل الغد فهل من ملبِ ِ لدعوة هي صوت من صراخ طفل وألم من امرأة عراقية حامل وتضحيات من شبيبة تعتصرها الغربة ومن رجال يقفون في حالة تحدِ ِ من سنوات وعقود فلماذا يستمر وقوف هؤلاء جميعا بعد أنْ افترضنا عودة الدولة العراقية لتمثلنا ولتحمي مواطنيها ولتدافع عن الحقوق الأساسية للإنسان العراقي في الداخل والخارج على حد سواء..  

 

 

1