ما وسائل حماية الديموقراطية؟

وهل للديموقراطية أسلحة بالمعنى التقليدي للأسلحة [*جديد]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\11\18

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

                    

                                في البدء  ينبغي التساؤل عن الكيفية التي تلزمنا للتأسيس للديموقراطية .. وهو ما يعني تأكيدنا على تلك الشروط والمحدِّدات التي تشير إلى أهمية المعرفة والثقافة في استنهاض وعي الناس فضلا عن أوّليّة متغيرات البنية الاقتصادية الاجتماعية في البلاد وهو ما يقوم على إدخال مفردات المجتمع المدني الصناعي وترسيخه في الحياة العامة وجودا وفلسفة أخلاقية.. ومن تلك القيم التي نشير إليها في هذا الإطار قيم الممارسة السياسية وبالتحديد الديموقراطية وفلسفتها...

                                 وبوصفنا اليوم نمرّ في تجربة الحريات العامة [وإنْ ترافقت مع خصوصية غير طبيعية تتمثل في وجود قوات أجنبية (مؤقتاَ َ) في البلاد] مستندين إلى إجماع القوى الشعبية الأساسية على اتخاذ نهج الحياة الديموقراطية طريقا ليومنا ولغدنا .. بهذا الوصف نضع أنفسنا بمجابهة استحقاقات ضرورية بل حتمية لإدامة هذا التوجه ومنهجه.

                                  أما الاستحقاق الأكيد فهو التأسيس الصحيح لديموقراطية غير عرجاء أو شوهاء كما ديموقراطيات [تفصال علمرام كما يقول المحكي العراقي] أيّ بمقاسات وشروط وحدود لا تنتقص من الديموقراطية بل تلغي وجودها الجوهري بخاصة وهي تؤخذ بجزئيات انتقائية على طريقة هذا يصلح لمجتمعنا وذاك لا يصلح للأغلبية الفلانية مع بعض التحسينات التي تغطِّي التدخل الفظّ في مسار العملية الديموقراطية.. وبجملة أخرى فنحن بحاجة للتفاعل مع التجاريب الإنسانية الأخرى والإفادة منها ومن تفاصيل التطبيقات بكلّ معطيات استدعاء إيجابيات وسلبيات المسارات التي انقضت بآلام في ظروف أخرى يمكن بمنعالجتها موضوعيا تجنّب تلك الثغرات التي حصلت عند غيرنا وهم يجرّبون لأول مرة ...

                                  فالديموقراطية فلسفة متكاملة المنهج وإنْ تنوّعت تطبيقاتها من جهة التفاصيل طبعا وليس الجوهر. أما تكرار التشديد على جوهر المفهوم ومعطياته التأسيسية ومبادئه الأولية فبقصد الذهاب نحو حقيقة تلازم الديموقراطية مع مبادئ المساواة العدل واحترام الرأي الآخر وحقوق التعبير والتزام أخلاقي بعدم مصادرة فئة أخرى وإنْ شكَّلت الأغلبية في مرحلة أو مسافة زمنية حتى إذا امتدَّ الزمن بهذا التمثيل .. وكلّ هذه المفردات والمبادئ لا تتحقق إلا في ظروف طبيعية من الاستقرار في الحياة العامة.

                                    فكيف للعدل أنْ يكون في ظلال الحرب.. هل في ما يطالنا منها من كوارث؟ وكيف للمساواة أنْ توجد في ظلها .. هل في القتل المتساوي أم التدمير المتبادل المتساوي؟ وكيف لحق الإنسان في التعبير أنْ يكون مكفولا في ظلال  لغة الرصاص ومصادرة الحياة نفسها؟ وكيف لقوة أنْ تدعي احترام الرأي الآخر تحت تهديد السلاح وسلطة طوارئ توقف كلّ شئ (من أجل المعركة)؟

                              في الحقيقة لا تستقيم قيم الديموقراطية في ظلال أيّ انحراف في ظروف الحياة العامة ومسارات العمل السياسي والاجتماعي فيها. بتعبير آخر الديموقراطية تتضمن  مبادئ  لا يمكنها جوهريا أنْ تحيا تحت أية حالة من حالات التهديد أو المصادرة أو انعدام الاستقرار أو فقدان الأمن أو سيادة حالة طوارئ .. إنَّ جوهر الديموقراطية لا يمكن لأحدِ ِ تطبيقه أو ممارسته ومن بعد ذلك حمايته بغير سيادة السلام بكل معطياته وتفاصيله...

                                  إذن فنحن في مجريات تأسيسنا للديموقراطية يلزمنا بشكل جوهري توطيد السلام سياسيا واجتماعيا وتدعيم أركانه, فليس من سلاح للديموقراطية غير نزع السلاح .. أو بالأحرى ليس من حماية لمسارها غير السلم الوطيد. وعليه ففي يومنا هذا سيكون أفضل شعار لفئات مجتمعنا هو [ديموقراطية وسلام] إنَّهما وجهان لحقيقة واحدة.

                                  ومن أفعالنا المطلوبة هي نزع أسلحة الميليشيات وتحديد ظاهرة امتلاك الأسلحة برخصة وبغيرها.. ومن ذلك ما شهدناه من انتشار كلّ أنواع الأسلحة بيد القاصي والداني بُعَيد انهيار النظام الدموي وبعض أسباب هذا مقصود متعمَّد.. وفي الخطوة التالية تعزيز الأمن واستقرار حياة الناس وأمانهم ومنع الجريمة بأشكالها وقطع الطريق نهائيا على أنواع التهديد والاعتداء على حياة الإنسان المواطن وكبح جماح الانفلات وتسيِّد منطق البقاء والسلطة والحياة للأقوى.

                                    وكلُّ تلك الخطوات السلمية تستند إلى إشاعة القوانين واحترامها وسيادتها على أيّ خطاب آخر خارج عليها مخترِق لانسجامها في وحدة هي نواة السلم الأكيد, سلام مفروض بالوعي وبمنطقه المتعارض مع العنف ووسائله. إنَّ ما ينبغي أنْ يتصدر دستورنا الجديد ولزمن طويل قادم هو التأكيد الملزِم للجميع على حقيقة خطيرة الشأن هي السلام والسلام والسلام بحيث تكون عقوبة اختراق هذه الحقيقة مضاعفة وكبيرة جدا .. فلقد عانى الإنسان عندنا من تربية وتوجيه إجباري طوال حقبة غير قصيرة بل طويلة جدا من التخريب والدفع به إلى الحروب وأشكال العنف الدموي. فإذا كانت لحظة كافية للتخريب لا يجابهها إلا زمن طويل جدا للبناء فكم سيكون زمن بناء ما خرّبته كلّ تلك الحقبة الطويلة؟!

                                       وعلينا إذن التوسع في قوى حفظ الأمن وقى الخدمات المرافقة لهذا الهدف.. بينما علينا الابتعاد بشكل قاطع عن كلّ مظاهر تنشيط ذاكرة العنف الدموي. ولكن ذلك لا يحتاج إلى أسلحة تقليدية من نمط الدبابات والمدرعات والمدفعية والطائرات.. فليس من أي من هذه الأسلحة سلاح واحد له علاقة بالديموقراطية. ولا توجد ديموقراطية واحدة جوهرها تلك الأسلحة الفتاكة.

                                     وبالقطع لا توجد قوانين غير محمية بقوات الشرطة أو بغيرها.. ولكن الأضمن والأكثر تأكيدا لاحترام تلك القوانين وتنفيذها هو أعلى درجة من المسؤولية الاجتماعية التضامنية لأنَّ احترام الآخر يبدأ من احترام عقدي الاجتماعي معه, وأوسع عقد اجتماعي هو القوانين السائدة في الدولة ومقدار عمق المسار الديموقراطي هو في احترامنا لتلك القوانين بما يعني احترامنا للآخر واحترامنا لأنفسنا ولوجودنا الإنساني الراقي المتحضِّر. أما قوات الدَّرَك فهي لحالات طارئة أو شاذة بتعبير أدق. وهي مع ذلك اليوم حاجة قصوى في المرحلة الانتقالية على نُخضِعها للقوانين ولوائحها.

                                وما نخلص إليه من قراءة ما ينتظرنا اليوم وغداَ َ في طريقنا نحو الديموقراطية نحتاج للتأكيد إلى حقيقة التربية بثقافة السلام وتعزيزها وتمتين أسسها والتعاطي مع حقيقة السلام بوصفه الوسيلة الأنجع للحياة الإنسانية الصحيحة القويمة. ولاستقرار الديموقراطية ونجاحها. إنَّ السلام هو الحماية وهو السلاح بغير أسلحة العنف والدمار فالأسلحة بمعناها التقليدي المتعارف عليه تصلح لكلِّ تخريب وتدمير وليس فيها من فائدة بناء واحدة فإنْ دعت لوجود بعضها في مرحلة مؤقتة حاجة ما فيجب حتما أنْ تخضع تلك الأسلحة لضوابط قوانين السلام لا الحرب بمعنى خضوعها لحكمة العقد الاجتماعي المتواضع عليه من مجموع فئات الشعب لا لردود أفعال فرد أو فئة ضئيلة مهما كانت حكمتها ومهما كان موقعها في الحياة العامة ولذا كانت مسألة إعلان الحرب مثلا تحتاج للعودة إلى البرلمانات في أقل تقدير في دول الديموقراطيات التقليدية ... فكيف ونحن نريد لأنفسنا الحاجة الأكيدة لنموذج ديموقراطي متقدم يخلو من المثالب والعيوب؟!!    

                                   وبعد فحكمة العاقل في قبوله الآخر وإفادته منه والتبادل معه في الرؤى والأفكار.. وفطنته في الاستجابة للطبيعة الإنسانية السليمة في حالة التوحد مع هذا الآخر والتفاعل معه.. فهل لشئ من هذا ما يقع في غير الديموقراطية والسلام؟؟                            

 

 

1