رسائل العيد وتهانيه: تواصل أمنياتها لوقف سطوة الوحشية وعدوانية قوى الظلم والظلام متطلعة لثمار ربيع التغيير من أجل الخير والسلم والحياة الحرة الكريمة  

تيسير عبدالجبار الآلوسي*

ها هو عيد الفطر يعود على جموع المؤمنين الذين صاموا رمضان تمسكا بنبيل القيم ممثلة بقمتها حيث التسامح وإشاعة أجواء العفو والإحسان وخطوات الألفة والإخاء بعمقها إذ  يكظم الإنسان ما قد يمور من  انفعال أو من ردّ به قسوة أو جفاء. ويسمو بروحه بكف هوامش ما قد يتسبب بأذى أو ألم لأخيه فتصوم الأنفس والألسنة عن كل ما يقع في محظور؛ فتجد الصائم لا يحصر صيامه بالإمساك عن طعام حسب بل عن أمور عديدة فيغتني بقيم سلوكية  يعززها ويُعلي منها ويفعِّلُها؛ وفي حذره قد تراه منقطعا عن الكلام أو قليله تجنبا لخطأ السهو أو زللــِه... حتى يأتي العيد فيكون تاجا لهؤلاء ممن صام قيما وسلوكا واحتسابا في إيمانه لا في طعامه.. ويكون العيدُ قمة اللقاء ينعقد بين الجميع فرحا في نجاح امتحان قيمي سلوكي أخلاقي بعمقه الإنساني حيث الإخاء والوفاء والتسامح والألفة، فهل أغنى من حياة تنتعش بهذي القيم الصادقة التي تُشيع المسرات وتمنح بني البشر فرص الاحتفال فرحا وغبطة واستذكارا لكل معاني الإيجاب في وجودهم ومحو كل الأخطاء وسهو التجاوز بالغفران والعفو والتصافي وتبادل علاقات الجيرة والصداقة وصلات الرحم؟

إنّ الدين النصيحة. وخير الدين الوسط والاعتدال فلا غلو في الدين الحق.. والدين الموعظة الحسنة.. والدين خطاب القدسية الإلهية في كل ما يقع في خير الإنسان وإكرامه ومنحه الحياة حرة كريمة لا اعتداء فيها على حقه وليس المقابل المطلوب من بني البشر سوى أن يعملوا ليعمِّروا الأرض التي اُستُخلِف عليها الإنسان ليحيا فيها بجنات ما يبني ويشيد...

فمن وجد خلاف هذه الدعوة  فعليه أن يكون متيقنا من أنّ الداعي ومن وراء تلك الدعوة هم على خطأ وضلال.. إنّ العيدَ هو أيام احتفالية تؤكد آدمية البشر وترتفع وتسمو بإنسانية المعاني وقدسيتها.. وعلى المؤمن وعلى الإنسان البسيط أن يحتمي بقدسية جوهر الأديان جميعا وجوهر الشرائع والقيم والأعراف التي توجب أن يمضي في ألفة وإخاء وفي تفاعل من أجل مسيرة يدعم فيها الإنسانُ أخاه بكل ما يؤهلهما لبناء حياة سعيدة..

فمن وجد إماما أو قائدا أو مرجعا أو رجل دين أو فردا يدعو لغير هذا ما تبعه لأنَّ منطق العقل يرفض تمزيق المجتمع ووضعه في تقاتل أيا كان السبب المفتعل المختلق. ومن وجد من يدعو لظلام الرأي تضليلا واستغلالا لجهل أو سذاجة فينبغي أن ينير الدرب لألا  يقع أخوه في محظور قيمي يتعارض ووجودنا معا وسويا في بناء حيواتنا..

ألا إنّ الأعياد لا تكون أعيادا ولا يكون الاحتفال بلا جمع يؤلّف بين القلوب جميعا سواسية متآخية.. ولا تكون الأعياد بأفراح غامرة ومسرات ما لم تكن بهذا الجمع وبصفاء القلوب.. ولننظر كيف كانت الفرحة عميمة غامرة عميقة من القلب يوم كان الأخ لا ينقطع عن أخيه والجار عن جاره والقريب عن قريبه والصديق عن صديقه فوق ثلاث من الأيام وكان الوصل يعني التخفيف من ألم والتعميق في فرحة وكان البِشْر يطغى على المحيّا بلقاء فما بالنا وأعيادنا تأتي إلينا فيخجل منها بعضنا...؟ لن تخجل منّا أعيادنا مادمنا بمحبة ووئام وألفة  وسنعيدها عامرة بالفرح والمسرات برفضنا من دخلوا علينا بحكايات من نسج خيال الوهم والمرضى به من أدعياء الزيف والرياء والاعتداء على الدين والدنيا لمأرب في أنفس نحن من يعالجها...

ليكن العيد حيث نعود الثكالى ونربّت على أكتاف المصابين ونحتضن مكلومي الأفئدة  ليكن العيد بأن نصل جائعا في الصومال أو مريضا في العراق أو مصابا بليبيا أو سوريا أو سائلا في بلدته أو قريته أنى كانت فنعوّض عما فقدوه وعمن فقدوه وافتقدوهم في سوح نضالات الشعوب وكفاحها في مسيرة البناء والتعمير وليكن العيد عامرا بمرتجى ربيع التغيير في بلداننا جميعا حيث التطلع بأمل كبير و ببوابة الأماني المتفتحة خيرا للجميع..

إنّ من ضحى لم يكن قربانا لمناحات ودوامات أحزان ومقاتل تستعبد الناس مدى الدهر.. بل ستطيب أرواحهم بهلاهل الشهادة من جهة وبأن تزهر بساتين رووها بدمائهم لا أن نتركها سرادق عزاءات أبدية يريدها لنا أعداء الدين الحق وأعداء القيم الإنسانية وحياة تكريم الإنسان في وجوده كما  يلزمنا النص الديني المقدس أن نتمسك به..

والعيد يأتي ليذكرنا بأننا لا نحيا لعويل ونواح وصراخ حرمتها الأديان كافة وأوجبت إعلاء احتفال الإنسان بالفرح والمسرات وإدامة الحياة خيرا وهناء وبهاء ونورا لا عتمة وحزنا وظلاما...

هكذا العيد يأتي لنحتفي بوجودنا الجمعي يشاركنا فيه متنوع الجنس البشري من كل لون وجنس ومعتقد.. العيد لأرق المشاعر الإنسانية وأصفاها وأنقاها وأبهاها..

العيد لفرحته واحتفاليته ولمسراته فانثروا البسمات بين الجموع تكونوا الأقرب إليهم والأصدق في أداء مناسك وشعائر هذا الاحتفال المبارك المقدس...

عيدكم جميعا الأسعد والأبهى .. ولتفرحوا وتحتفلوا بطيب رمضانكم صوما عن كل ما يؤذي ويؤلم الناس جميعا فيأتي بخاتمة تزهو بفرح غامر بانتصار الصوم للقيم البهية  وللفرح جماعة معا وسويا

ليكن عيد كل مجموعة دينية مناسبة تضيف لأعياد المجموعات الدينية جميعا فرصة أخرى للفرح والمسرة.. وليتسابق الجميع في تقديم معاني القيم السامية بصفاء القلوب وبعامر مشاعر التسامح والغفران وصنع المودة.. لنبدأ من وجودنا أفرادا وعوائل وخلانا وأصدقاء وأطياف دينية ومذهبية وجماعات  ومنظمات ودولا وشعوبا وباتساع وجودنا الإنساني..

ألا لنمحو محاولات التفرقة والتشظي والتمزيق والاستعداء والتخالف والمخالفة والتقاتل... ولنكن عائلة التحابب والتآلف.. ألا لنمحو مطالب الثأر ومفردات خطاب الانتقام ولنعمد لما سما به أسلافنا من شيم الكاظمين الغيض من الكرام.. ألا لنحتفل مع من يحتفل اليوم ونهنئه بعيده مثلما نحتفل ونهنئ من يحتفل في غد.. ولا تكونن اختلافات من يشهد الهلال سببا في اختلاف احتفال بل لتكن سببا في توكيد تمسكنا باحترام هوياتنا بتعدديتها وبانتماءاتها واعتقاداتها فذلكم ما يدعم صدقيتنا وبأن كل خيار جاء ويجيئ عن طيب خاطر وحسن نية وصدق اعتقاد...

 ولنجعل من أيام العيد منبرا للتنادي بما يؤنسن وجودنا فيقضي على وحشية قوى الظلم والظلام ويُنهي عدوانتيهم لا بعنف بل يقضي بقوة الألفة ويُنهي بقوة الغفران ويعلو بقوة التصالح ويسمو بقوة التسامح ويسود بقوة السلام...

ليغفر لي ويعفو عني من قرأ لي ما لم يرُق له وليصلني من رأى فيّ خطأ أو غلطا  أو غلظة أو مثلبة أو من وجد له عندي مطلبا يأخذه في عيدنا هذا فيكرمني بما أبدى من إحسان تسامحه وكرم وعظه وطيب مطلبه..                                                                                              وعيدكم مجددا ودوما  الأسعد والأبهى  وكل عام وأنتم بخير

 

* رئيس جامعة  ابن رشد في هولندا  \ رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر \ رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان