كلمة العدد الخامس

 

خطاب الثقافة .. خطاب السلام والحرية

 

                              في بحر الشهر الذي انقضى , قدّم الدكتاتور صدام ذريعة على طبق من ذهب  لقوات تحالف دولية تقف على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا, لكي تجتاح بلادنا في حرب أتت على ما تبقى بعد عدد من حروب الدمار والكوارث التي أشعلها ضد شعبنا في سابقة خطيرة لم تحصل في التاريخ أنْ يستخدم حاكم أسلحة دمار شامل على شعبه وضد بلدان الجوار ومنها حربه مع إيران وغزوه دولة الكويت الشقيقة.

إنَّ  الشعوب لا يمكنها إلا أنْ ترفض جوهر الحروب لأنَّ  ذلك الجوهر لا يمكن إلا أنْ يكون معادِ ِ  للوجود الإنساني ولمعطيات التحضر ؛ فالحرب خراب وتخلف ودمار  والتمدن والثقافة بناء وتقدّم وازدهار لا ينمو ويتطور إلا في ظل السلام والاستقرار وبعيدا عن الحروب وأسبابها.

                                ومثقفونا أبناء الحضارة ومجتمع السلم والحرية , في وقت رفضوا الانصياع لمطالب الدكتاتور في خوض حروبه الكارثية وغادروا بلادهم مضطرين, يشدّدون اليوم على رفض الحرب التي تعصف بشعبنا ووطننا .. مؤكدين على حق وادي الرافدين في أنْ ينعم بالسلام والعودة إلى مسيرة الإعمار وإشادة الحضارة الإنسانية التي ما فتئ أبناؤه يسهمون في رفع رايتها في مختلف بقاع الأرض .. ولن يتحقق ذلك بالتوقف عند رحيل الطاغية إلى غير رجعة, وإنَّما يتحتم أيضا رحيل جميع القوات الأجنبية فشعبنا يمتلك خزينه الستراتيجي في علمائه وأكاديمييه واقتصادييه وسياسييه ومن ثمَّ في قدرته على إدارة نفسه بنفسه وعلى العودة لمواصلة مسيرة التمدن.

                                إنَّ خطابنا اليوم هو خطاب السلام والأمن والاستقرار كما كان دائما خطاب الثقافة والمثقفين في بلادنا  مشاركا تطلعات مثقفي العالم وشعوبه أجمع في التمسّك بمسيرة الإبداع والتقدم , وفي رسم معالم مدنية اليوم فاضحة سلوك الهمجية وتكشيرها عن أنياب الحرب ومؤكدة على سلوك التطور السلمي شرط الإنسانية وحياتها ووجودها. لنقف سويا من أجل عراقنا, عراق الحضارة والثقافة والسلام.. ولنحمل لواء الحرية والديموقراطية  لبلادنا ولعالم شعوب المعمورة.

 

 

 

 

 

 

 

كلمة العدد  السادس

 

قـُبَيل مؤتمر رابطة بابل للكتّاب والفنانين العراقيين في هولندا: المزاجية والضرورة

في

العمل الثقافي

 

 

                  بُنيَ العمل الثقافي, ومنجزاته كذلك, على استجابته للشروط الحضارية التي انتمى إليها ودخل في لبنات بنائها ونهض بمسؤولية إشادتها والدفع بها نحو مراحل وحلقات أكثر تقدّماَ َ وأرقى مستوى. ولم يندرج طوال مراحل المنجز الثقافي في تاريخ البشرية أيّ من تلك الأعمال التي جاءت على هامش المرحلة أو ما يمكن أنْ نقول عنه تلك المنجزات التي تنتمي إلى مزاجية انفعالية وإلى روح فردي متمرِّد على مفهوم الانتماء بمعنى آخر شاذ على قاعدة الانتاج الثقافي بوضعه العام. إذن كان المنجز الثقافي قائماَ َ على حالة من الاستجابة لدواعي الضرورة التاريخية وحتميتها أو بقول آخر مشروطاَ َ بمحيطه وقوانين ذلك المحيط.

                    من هذا المنطلق بالتحديد نهض المثقفون دائماَ َ باستشراف حركة الواقع المختفية عن أنظار الإنسان العادي من جهة وشخَّصوا اتجاهات تطوره مساهمين بعمق في التأثير على تلك الحركة من جهة أخرى؛ فحرَّكوا جوهرها عبر إبداعاتهم التي ظلّت باستمرار خالقةَ َ للأمل ومحدِّدة للأهداف والمسارات الحضارية التي توجهت إليها البشرية. ومن هنا يتطلَّع العراقيون إلى مثقفيهم في هذه اللحظات الحرجة من تاريخهم لكي ينهضوا بمهمات تستجيب لما تفرضه وتحتمه الضرورة التاريخية القائمة.

                    على أنَّ من أخطر ما نجابهه اليوم هو كثير من الأمراض التي وردتنا أما من ضغوط المرحلة القاسية ـ التي خرجنا للتو منها ـ حيث نشطت الدكتاتورية على قتل كلِّ ما هو إيجابي في حركتنا الثقافية العراقية؛ وأما  تأتَّت من اختلاط مع ثقافات أخرى فأخذت إلى جانب الإيجابي والرائع, الردئ والهامشي المرَضي المنتمي إلى إفرازات أمراض النُظُم الاستغلالية. ومن ذلك نشير إلى المزاجية في العمل والفرْدَنَة التي تُعنى بالتعبير عن الذاتي المحدود في الوقت الذي تختاره لتحرِّك فيه نوازع تلك الذات المنغلقة المتراخية وليس في الوقت الذي يستدعيه الواقع وتفترضه الظروف المحيطة. والمزاجية في تداعياتها تسجّل خيارها لموضوعها [أو حتى كما يعبِّر مثل هؤلاء اللاموضوع إذ لا يعترفون للمنجز الثقافي وللإبداع بمضمون أو محتوى أو موضوع] استجابة لذاتية منغلقة شديدة الحساسية لتأكيد عزلتها عن الواقع وما يتطلبه ذلك الواقع وما يريده من الثقافة والمثقفين.

                      إنَّ واقعنا اليوم يحتِّمُ فعلاَ َ ثقافياَ َ يفتح نوافذ الأمل في غد مشرق وحاضر نيِّر, ويحدِّدُ معالم اليوم والغد وتفصيلاتهما متلمّساَ َ أفضل السبل لاختزال آلام نجمت عن أمس معقد ورهيب في حياة الثقافة العراقية.. وهكذا فإنَّ كثيراَ َ من الضرورات تنتصب أمام قامة المثقف العراقي العالية. ولعلنا كنا قد قرأنا سويا بعضاَ َ من المهام العاجلة التي ينبغي النهوض بها على مستوى عراقيي الداخل والخارج وتكافلهما وتعاضدهما في معالجة تلك المهام.

                       ومن جملة ما ينبغي علينا في الأيام القريبة المقبلة ضرورة إنجاز مناقشة أوراق مؤتمر الكتّاب والصحفيين والفنانين والمفكرين الذي تأجل لتداخلات وظروف أصبحت معروفة.. لكننا اليوم لا يمكن أنْ نقبل لأنفسِنا التراخي وترك أعمال مؤتمر رابطتنا جميعاَ َ أنْ تجري بمزاجية وانفعالية أو حتى لا تجري؟! وجميع أوراق المؤتمر منها التي تقرأ تجربة الدورة الأخيرة ومنها التي تضع أمامنا مهام المرحلة المقبلة هي بين أيدي الأعضاء وغير الأعضاء وقد يكون ممّن يقترحون على المثقفين تصورات نافعة محرِّكة من غير المثقفين ولكن من الذين تعنيهم حركة الثقافة وعلى صلة غير مباشرة بها ولكن فاعلة ومؤثرة.. وكلُّ هؤلاء ندعوهم للمساهمة الجدية ولأبعد فعل وأعمقه وأقواه, وبأوسع مشاركة بخاصة لأولئك الذين تحدثوا عن ضرورة الانتقال نوعياَ َ استجابة للمرحلة الجديدة التي نحياها ونعيشها عندما طلبوا تأجيل المؤتمر بغية مشاركة جموع أكبر...

                       إنَّنا بانتظار تلك المساهمة وتلك المشاركة وبانتظار فعل إيصال الدعوة لأكبر عدد من الأعضاء ولحضور المهتمين بشأن الثقافة العراقية ومشاركتهم في قراءة جمهور الثقافة ومستهلكي انتاجنا الإبداعي المتنوع لمسارات مثقفينا وليقولوا ما يشاؤون من تصورات سيتخذ المجتمعون بصددها المعالجة المناسبة ويقدِّموا إجاباتهم عنها.. لا مجال لإضاعة الفرصة تلو الأخرى ولا مجال للقعود على الرصيف ورفع العقيرة في القربة المقطوعة لننزل إلى ميدان الثقافة ميدان العمل ولنُنحِّي جانبا شأن المزاجية الوقت لن ينتظر أحداَ َ قاعداَ َ والضرورة ستعقبها ضرورة مختلفة جديدة ولات ساعة مندم! فليس من لقاء بين المزاجية والضرورة.. ولسنا من هوامش الحضارة وفعلها ولسنا من طوارئها وفضلاتها بل مثقفنا وثقافتنا ضاربة الجذور في عمق التاريخ الإنساني, هي (ثقافتنا) جوهر مسار الحضارة بالأمس واليوم وغداَ َ, وهو (مثقفنا) عمودها وطودها الأشمّ.

 

رئيس التحرير 

 

 

 

 

كلمة العدد  السابع

مزاج التحدي والعمل الثقافي المثابر

         بُعَيْدَ مؤتمر القرارات الصعبة, مؤتمر وضع الستراتيج الجديد لعملنا الثقافي في المهجر, حيث نستقر مكاناَ َ بعيداََ عن فضاءات ثقافتنا داخل بلادنا نجد أنفسنا ملزمين  بتحدي الذات التي كثرما خضعت لتشنجات الغربة وأمراضها وسلبياتها؛ تحدي الذات في اغترابها وحتى انفصامها أحياناَ َعن التفاعل والاندماج مع طبيعة واقعنا الثقافي العراقي الجديد.

          ومنطلق هذا التحدي يكمن في ما يُطرَح علينا من أسئلة الواقع الجديد والدور المُناط بالمثقف العراقي وهو يعيش في بلاد المنفى الملكوت! ويكمن فيما يلزمُنا من عمل مثابر ينتظرنا فيه كثرة كاثرة من أبناء شعبنا في الداخل وهم يعلّقون أمل دعمنا لإعادة إصلاح المخرَّب وبناء ما دمّرته عقود الظلام والتجهيل ومعاداة نور الثقافة وطمس معالم الحضارة ..

           وهكذا فنحن بمجابهة عمل تواصلي دائب على إعمار ذواتنا وإعادة الحيوية إليها عبر ذاكرةِ ِ ترتبط بغير انفصام مع رحم الحياة المشدود إلى بغداد الحكمة وبصرة العلوم ونينوى الفن وكوفة الفقه وكلّ مدننا وشواهدها من منارات الحياة المتحضرة.

             وتأسيسا على ذلك نجدها فرصة مؤاتية لدعوة زملائنا من المثقفين والمبدعين كافة لتجاوز ما مضى وولَّى إلى غير عودة والانخراط في ميدان العمل والابداع ونحن على غاية من التأكُّد من أنَّ جذوة العطاء عند أبناء الرافدين لم ولن تنطفئ على الرغم من كلِّ العواصف الهوجاء المحيطة. إنَّها دعوة للتقدم بمشاريع البناء مشاريع الإعمار والتعاون مع زملائنا وشعبنا .. فاللحظة التاريخية اليوم لا تسمح لنا بالتقاعس أو التلكؤ وواجب المثقف يتقدَّم على واجبات كثيرين غيره لما يُفترَض فيه من توضيح طريق قد يلتبس على بعضهم وليس غير المثقف المتنور مَنْ يرسم معالم المستقبل القريب والبعيد. وليس غير مبدعنا مَنْ يبدع الجمال وجنان الحياة...

             نحن في رابطة الكتّاب والصحفيين والفنانين الديموقراطيين العراقيين نثق بأنكم ستتقدمون للعمل المبدع المثابر ولتحدي الذات وتجاوز الواقع المريض وخلق الحيوي الجديد.. وهذا الموقع بين أيديكم ومجلة ألواح بابلية معاصرة رهن ما تبدعون ونشرة الرابطة وهي أوليات صغيرة الشأن إذا ما تحدثنا عن واجب الوقوف بقوة بمجابهة إدانة جرائم دفن الأبداع كما حصل بالأمس مع مدرسة الموسيقا والباليه العراقية ببغداد..

             وإنَّا لسويّاَ َ في ميدان العمل والإبداع وليس ميدان الانتظار فما عاد وقت للانتظار والضياع..

رئيس التحرير

 

 

1