المسرح العراقي في المهجر
و دوره المنتظر في التأثير على الخطابين الفني والسياسي في الداخل
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \ 29

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

المتابع لتاريخ المسرح العراقي لا يقف في قراءته النقدية عند مساحة التطورات في خطابه الفني الراقي, إذ لا يستطيع تجاوز ذلك الدور المميز الذي لعبه المسرح العراقي طوال أكثر من قرن في التأثير على مسارات الخطاب السياسي وتحريك جمهوره تحريكا إيجابيا فاعلا في الحياة العامة.. ففضلا عن دوره في تطوير الذائقة الفنية وجماليات التلقي التي تدخل في بناء الشخصية وهويتها الحضارية كان له أبلغ الأثر في تحريك الوعي السياسي عندما انخرط في معالجة القضايا الوطنية الكبرى معالجة فنية بمضمون بنّاء ملتزم..

وطوال سنوات الغربة والمنفى الاضطراري عمل المسرحيون العراقيون على التواصل مع تلك الجذور السامية ولم ينفصلوا عن مناقشة هموم الوطن وأوصابه في أعمالهم المسرحية.. وكان ذلك واحدا من خطابات الوعي العراقي للآخر وجذبه للتضامن مع القضية الوطنية ومع شعبنا المبتلى بنظام الدكتاتورية المعادي لكل قيم الإبداع والتمدن..

واليوم تولد مهمات جدية كبيرة نحن متأكدون من إمكان مسرحيينا النهوض بها.. تلك هي عملية إغناء مسرح الداخل بالتجاريب المتراكمة لديهم من تفاعلهم مع المسرح العالمي بكل تنويعاته وتجاريبه الأوروبية والأمريكية والآسيوية والأفريقية وبمدارسه الفنية المتنوعة..

فقد يكون مسرحنا في الداخل عانى من اختزاله فيما سُمِّي المسرح التجاري الهابط وقد يكون خضع للحصارين الداخلي والخارجي.. ونحن اليوم الجزء الحيوي المهم الذي يحمل رسالة التلاقح الحضاري الفني الإبداعي والإفادة من الآخر ومن تجاريبه الفنية .. ونحن نملك أحيانا فرصة توفير الدعم عبر القيام بزيارات لتقديم عروضنا في محافظات وطننا كافة ومنها بغداد بالطبع..

ومن اللازم التأكيد على أهمية الاستزادة من التجارب الفنية التي نعايشها وعلى التفاعل معها واكتساب القيم الجمالية التي نرى إمكان تبنيها وتطويرها ومفاعلتها مع خصوصية تجربتنا وهويتها الإبداعية المتقدّمة.. ولدينا مَن يدرس ومن يعمل في المؤسسات المسرحية للبلدان التي يحيا فيها مبدعونا..

وسيكون من فائدة هذه الزيارات تقديم الدعم المادي عبر التبرع بالعوائد المادية هناك لفرق الداخل ومسارحها العريقة.. وتوفير فرص اللقاء مع جمهورنا الحقيقي والتفاعل مع حاجاته الفنية و غذائه الروحي والتعرّف إلى رؤاه النقدية المتقدّمة المعروف بها جمهورنا العراقي وذائقته .. كما إنَّ تلك الزيارات ستوفر فرص دعم روح التمدن والتنوير التي تتعرض اليوم لهجمة ظلامية كبيرة, وذلك بعض من الموقف الفكري السياسي لمسرحنا في الخارج حيث تجاربه الفنية التي تحمل رسائل الحضارة الإنسانية المتفتحة وهو ما ينتظره ليس مسرحيونا في الداخل حسب بل أبناء شعبنا متلهفين لمثل هذا اللقاء بعد انفصام واغتراب..

لذا ينبغي على الفرق الفنية العراقية وهي كثيرة وعلى مخرجينا وكتـّابنا وفنانينا المبدعين رسم مشاريع زيارة الوطن كلّ بعمله الفني الخاص.. ويمكن تطوير الفكرة بتوقيت الزيارات ببرنامج زمني متتابع وباحتفالية سنوية كبرى متزامنة, يتم اختيار التوقيت المناسب لها بالتداول مع مسرحيينا في الداخل ومع وزارة الثقافة بما يفعِّل تلك التظاهرة الوطنية التي تستمدّ من إمكانات الدعم المتاحة لفرقنا في الخارج فرصتها لتلك التظاهرة..

كما ينبغي لنا هنا التوجه ببرامجنا إلى تفعيل دعوات فنية لفرقنا من الداخل في المهرجانات الدولية والإقليمية عبر اتصالاتنا المتاحة والعمل على تقديم المستوى الراقي المميز لمسرحنا العراقي.. وتسليط الضوء على فنانينا بما يقدمهم ويكسر حاجز العزلة التي فُرِضت عليهم طويلا ...

ويمكن للجمعيات العراقية العاملة في الخارج القيام بهذه المهمة اليوم على خير وجه بعد أنْ صار أمر الاتصال والتواصل مفتوحا على مبدعينا.. وعلينا أنْ نستبق الزمن وظروفه المعقدة المتداخلة اليوم من ضيق الإمكانات المتاحة لمبدعي الداخل..

وليس من الصائب التعذر بضيق الإمكانات الحالية لتلك الجمعيات فظروف الداخل أعقد وأصعب ولابد لنا من أولويات.. فماذا نختار لأولوياتنا؟ وهل نترك شعبنا في ضائقة حصار جديد سواء المادي منه أم الفكري إذ تقوم خفافيش الظلام بمهاجمة نوافذ النور .. إنّ مسؤولياتنا جد كبيرة تجاه هذه الأوضاع  ومثلما حملنا الأمانة بالأمس يمكننا حملها بإبداع أبعد اليوم...

 

 

1