لماذا النظام الانتخابي النسبي هو الأفضل للعراق؟

د. شاكر رحيم حنيش

 

في بلدان العالم الديمقراطية  يختار الشعب ممثليه عبر الانتخابات العامة لكي يمثلوا مصالح الشعب.. وكل الديمقراطيات اليوم هي في الحقيقة ديمقراطيات تمثيلية، بدل ان تكون ديمقراطيات مباشرة كما كان  في أثينا الإغريقية..

 

وهناك طريقتان رئيسيتان لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي "البرلمان" الجمعية الوطنية، المجلس الوطني.. الخ.. الطريقة الأولى هي طريقة الدوائر الانتخابية أو المقاطعات الانتخابية ويطلق عليها في البلدان الديمقراطية "الرابح يأخذ الكل Winner- takes-all"، والثانية هي نظام التمثيل النسبي Proportional Representation  وهي السائدة في بلدان أوربا والعالم، وهناك اشكال مختلفة لكل من هاتين الطريقتين.. طبقا لنظام  الدوائر الانتخابية، ووفقاً لها يقسم البلد الى مقاطعات أو دوائر انتخابية، وفي كل دائرة يتنافس عدد من المرشحين، وأي مرشح يحصل على أعلى الاصوات فانه سيمثل تلك المنطقة في السلطة التشريعية، كأن يحصل على 51% او 31%  مادام الذي يليه حاصلاً على نسبة اقل. وبذلك تهمل كل الاصوات الاخرى أي لا يُمثَل في المجلس.

 

اما نظام التمثيل النسبي فيمكن ان يكون البلد دائرة انتخابية واحدة كما في هولندا، او عدة دوائر، كما في عدد من دول اوربا وامريكا اللاتينية.. وفي كلتا الحالتين يكون لكل دائرة انتخابية عدة ممثلين بدلا من واحد فقط، يكون عدد مقاعد المجلس بتناسب مع عدد الأصوات التي يحصل عليها هذا الحزب أو تلك المجموعة.. فمثلا اذا حصل حزب ما على 30% من الأصوات فإنه يحصل على 30% من مقاعد المجلس التشريعي، وهكذا..وفي نظام التمثيل النسبي يصوت الشعب على لائحة مرشحي حزب معين، والفائزون يكونون الأوائل في تسلسل قائمة ذلك الحزب حسب نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب.. وهناك شكل  معين لهذا النظام يسمى "القائمة المفتوحة" وفيها يسمح للناخبين باختيار مرشحيهم المفضلين من القائمة.

 

إما نظام الدوائر الانتخابية فهو متبع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واستراليا وفرنسا والهند والفلبين، كما كانت اليابان ونيوزلندة تتبع هذا النظام قبل إن يغيروه إلى النظام النسبي.

 

النظام النسبي هو الأفضل للعراق للاسباب التالية:-

 

1- هو أكثر تمثيلا لرغبات وتلاوين الشعب ولذلك فهو أكثر ديمقراطية، لأنه يمثل كل تيارات الشعب، وحسب تأييد الشعب لها، مقارنة بنظام الدوائر " الرابح يأخذ الكل".. في نظام الدوائر الانتخابية من الممكن لحزب لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين ان يحصل على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي وهذا ما حصل في فترات مختلفة في بريطانيا.. فالمحافظون حصلوا على 42% من الأصوات، بينما استحوذوا على 61% من مقاعد مجلس العموم.. وهذا يعني ان حزبا أو مجموعة لا تمثل أغلبية الشعب تقرر مصيره عبر هذا النظام.. ومثال آخر حصل في نيوزلندا.. اما في الولايات المتحدة فقد فاز بوش على منافسة غور في انتخابات عام 2000، في الوقت الذي كان غور متقدما بأكثر من نصف مليون صوت على بوش.

 

2- نظام  التمثيل النسبي يسمح بتواجد كل الآراء في المجلس، من أقصى اليمين الى أقصى اليسار وحتى خارج هذا التقسيم، وحسب تأييد الشعب لهم، في حين ان نظام ألدوائر الانتخابية يؤدي الى بروز حزبين رئيسيين كما في الولايات المتحدة.. وبذلك تهمل بقية الآراء ولن يكون لها حظ في الفوز بأي مقعد في البرلمان حسب نظام "الرابح يحصل على الكل"

 

3- تؤكد الدراسات، ان البلدان السائرة على النظام النسبي تكون نسبة الاقبال على التصويت فيها اكبر من نظام الدوائر الانتخابية، إذ يتيح التمثيل النسبي فوز الخيارات المختلفة بينما تهمل أصوات الناخبين التي لم تستطع الفوز في نظام الدوائر الانتخابية.

 

4- في نظام الدوائر تحدد الأحزاب الكبيرة حدود الدوائر الانتخابية وبما يتيح لأحزابهم الفرص الكبرى  بالفوز الانتخابي.. لكن في النظام النسبي فليس هناك حاجة لهذا التحديد حيث هناك عادة دائرة واحدة للبلد.

 

5- في بلد مثل العراق، والذي يتميز بتعدد القوميات والأديان والطوائف.. الخ يكون نظام التمثيل النسبي أكثر واقعية وتمثيلا من نظام الدوائر الانتخابية، حيث سيعكس المجلس التشريعي كل تلاوين المجتمع العراقي القومية والاثنية والفكرية والعشائرية والدينية.. الخ وعلى هذا الأساس، فإن النظام النسبي يتيح لممثلي المجاميع والقوميات الصغيرة كالكلدان والآشوريين والتركمان والصابئة وغيرهم وصول مرشحيهم الى المجلس.

 

بعد ان غيرت نيوزلندة نظامها الانتخابي الى النظام النسبي، حصل وان وصل الى البرلمان لأول مرة ممثلي السكان من أصل آسيوي وسكان جزر المحيط الهادي، كما تضاعف تمثيل السكان الأصليين "الماوي" في البرلمان الى ثلاثة اضعاف.. اما في الولايات المتحدة وبسبب استخدام نظام الدوائر الانتخابية فإن السكان الملونيين (السود ومن اصول لاتينية وغيرهم) نجد نسبة تمثيلهم في المجالس المختلفة ضئيلة جدا قياسا لعدد السكان.

 

6- يكون تمثيل النساء في مجالس التمثيل النسبي "الدول الاسكندنافية" أكبر مقارنة  بمجالس الدوائر الانتخابية "أمريكا وبريطانيا".. حيث يتم اختيار المرشحين في نظام الدوائر الانتخابية اعتمادا على مقاييس ومواصفات تقلص فرصة حصول النساء على هذه الترشيحات.. بينما في النظام النسبي يمكن ان يزج الحزب الفلاني أو المجموعة الفولانية بعدد اكبر من النساء الكفوءات في مقدمة القائمة الانتخابية.

 

7- النظام النسبي يسمح ويشجع ظهور وتشكيل  أحزاب سياسية، ويمكن للأحزاب الصغيرة ان تصبح كبيرة أو لها فرصة الاشتراك في الحكومات الائتلافية، وهذا صعب التحقيق في نظام الدوائر الانتخابية "الرابح يحصل على الكل" حيث يهيمن حزبان أو أحزاب قليلة على الحياة السياسية.

 

هذه هي أهم الأسباب التي تجعل من نظام التمثيل النسبي في الانتخابات هو الأصلح لبلد مثل العراق والكثير من البلدان الأخرى.. وبهذا يمكن الرد ومحاججة الآراء التي تطرح وتدافع عن نظام الدوائر الانتخابية.