نــظــرة قــانــونــيــة مــراحــل: الــعــمــلــيــة الأنــتــخــابــيــة

   د. فــلاح أسماعيل حاجم البديل (2 - 2 )

     كنا قد اشرنا في الجزء السابق من المقالة الى ان العملية الانتخابية تتألف من سلسلة من المراحل التي تبدأ بتحديد موعد الانتخابات وتنتهي بفرز الاصوات واعلان النتائج النهائية؛ واشرنا ايضا الى ان التشريعات عالجت مسألة الاشراف على سير العملية الانتخابية حيث انيطت مهمة التحضير ومن ثم اجراء الانتخابات واعلان نتائجها باجهزة تختلف نسبة استقلاليتها باختلاف الانظمة السياسية؛ اذ تتمتع تلك الاجهزة باستقلالية تامة؛ شأنها في ذلك شأن السلطات القضائية؛ في ظل الانظمة الديمقراطية.  في حين تكاد تكون تابعة للسلطة التنفيذية والحزب الحاكم في ظل الانظمة الشمولية والدكتاتورية. واستعرضنا كذلك المراحل الاولى من العملية الانتخابية والمتمثلة بتحديد موعد الاقتراع و  بتقسيم مساحة الدولة الى دوائر انتخابية واقامة المراكز الانتخابية في تلك الدوائر.  ولابد من الاشارة الى ان كافة مراحل العملية الانتخابية مترابطة  بعضها ببعض ويؤدي الاخلال ببعضها الى الاخلال بكامل العملية.                                                                    

     تعتبر عملية تسجيل الناخبين واعداد الجداول الانتخابية  واحدة من الحلقات الرئيسية في العملية الانتخابية   اذ يتوقف على دقتها نجاح الحلقات التالية وتحقيق مبدأ  العمومية الذي يعتبر واحدا من المبادئ الانتخابية الرئيسية. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الاعداد المسبق لجداول الناخبين سيغني اللجان الانتخابية عن التدقيق عند حلول موعد الاقتراع  في احقية او عدم احقية المواطن المساهمة في الانتخاب.  ان كون المواطن بالغا وكامل الآهلية لا يمنحه الحق بالمساهمة الكيفية في الانتخابات؛ اذ ان  واحدا من الشروط التي تضعها التشريعات لمزاولة ذلك الحق هي ان يكون المواطن مسجلاً في احدى القوائم الانتخابية. ويعرف القانون الدستوري نظامين لتسجيل الناخبين هما:                                                                         

       1- النظام الطوعي- ويعني هذا النظام ان التشريع الانتخابي لا يدخل مهمة تسجيل الناخبين ضمن اختصاصات الاجهزة المسؤلة عن اجراء الانتخابات (سواءا الاجهزة الحكومية او اللجان الانتخابية المختصة) بل تركها للناخب ذاته الذي عليه ان يراجع الجهات المختصة لاضافة اسمه الى جداول الانتخابات؛ وتنحصر مهمة الاجهزة المختصة هنا  بالتدقيق في صلاحية المواطن المساهمة في الانتخابات او عدم استيفائه للشروط المطلوبة. ويمكن العثور في التشريعات الانتخابية على صنفين من التسجيل الطوعي هما التسجيل الدائم والذي يعني تسجيل الناخب مرة والى الأبد(الولايات المتحدة الامريكية)؛ والتسجيل الدوري حيث ينبغي على الناخب اعادة  تسجيل اسمه بشكل دوري؛ وفي كثير من الاحيان قبل كل دورة انتخابية (في اغلب

دوّل امريكا اللاتينية).                                                                                                                        

2- النظام الاجباري- بخلاف النظام الطوعي يفترض النظام الاجباري اعتبار مهمة تسجيل الناخبين من الواجبات الاساسية للاجهزة الانتخابية او اجهزة الدولة؛ وخصوصا تلك التابعة لوزارة الداخلية او اجهزة الحكم المحلي؛ وتشير دراسة التشريعات الانتخابية لمختلف الدوّل الى وجود نوعين من  قوائم الناخبين ايضا؛ هما القائمة الدائمة والقائمة الوقتية (او المتغيّرة)؛  حيث تتم مراجعة وتعديل الاولى خلال فترات زمنية محددة؛ كل سنة مثلا ( في فرنسا  وايطاليا و والمملكة المتحدة و اليابان).  اما القائمة الوقتية فتتميّز باعداد القوائم  قبل كل دورة انتخابية ويتم ابلاغ الناخبين خطيا بامكانية ممارسة الحق الانتخابي؛ وقد وجد هذا النوع تطبيقاته في المانيا الفيدرالية وبعض الدوّل الاخرى.                                                                     

      ان واحداً من الاشكالات  التي طالما واجهت الاجهزة الانتخابية؛  وخصوصات في دوّل الديمقراطيات الناشئة؛ هي امكانية التزوير عن طريق التصويت في اكثر من مركز انتخابي؛ مما يعتبر اخلالا بالمبدأ الانتخابي المعروف (صوت واحد لناخب واحد) لذا عادة ما تقوم الاجهزة الانتخابية بتوزيع هويات خاصة  يتم ختمها عند استلام الناخب لورقة الاقتراع.                                                                           

     ولا تقل اهمية عن المراحل السابقة مرحلة تسجيل المرشحين لشغل المقاعد البرلمانية او مقاعد المجالس البلدية وغيرها من اجهزة الدولة المنتخبة؛ وتتم المعالجة القانونية لهذه المسألة اما في التشريعات الانتخابية او في القواعد والانظمة الاخرى (المراسيم؛ القرارات؛ الانظمة الداخلية.....الخ). ويعتبر المواطن الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة مرشحا لخوض المعركة الانتخابية حال ضمه رسمياً لقائمة المرشحين. وتعرف التشريعات الانتخابية جملة من اساليب الترشيح منها:                                                                      

1 - الترشيح من قبل الاحزاب والمنظمات السياسية -  لقد بات هذا الاسلوب الاكثر انتشارا في العالم في الوقت الراهن؛ حيث تتميّز به الدوّل التي اخذت بنظام التمثيل النسبي وخصوصا لانتخاب مجلس النواب (المجلس الاسفل في البرلمان). ومن بين الدوّل التي اخذت بهذا النظام المانيا وفنلندا واليابان والمكسيك  واسرائيل وغيرها الكثير. ولتأمين الفوز باغلبية اصوات الناخبين تسعى الاحزاب السياسية الى اقامة التحالفات وخوض الانتخابات بقائمة واحدة (الانتخابات الاخيرة للمجلس الوطني العراقي المؤقت).          

2- ترشيح الافراد لأنفسهم- حيث يتطلب ان يقوم الشخص الذي تتوفر فيه شروط الترشيح بتقديم طلب خطي موقع؛ وتشترط بعض  التشريعات ان يتضمن الطلب توقيعين لشاهدين (كفيلين) يقومان بتزكية مقدم الطلب؛ بالاضافة الى ذلك اشترطت الكثير من التشريعات الانتخابية ان يكون طلب الترشيح مرفقا بتأمين مالي محدد تتم اعادته في حالة فوز المرشح بالانتخابات او في حالة حصوله على عدد معين من الاصواتحتى وان لم يفز؛  اما في حالة انسحابة او عدم حصوله على العدد المحدد قانونيا فتتم مصادرة التأمين او التصرف به في المشاريع الخيرية(المادة 21 من قانون الانتخبات لمجلس الامة الكويتي) . ويرى اغلب المختصين في القانون الدستوري ان الهدف من ذلك هو تقليص عدد المرشحين وقطع الطريق على الترشيحاتغير المؤهلة.         

 3- الترشيح من قبل هيئة الناخبين – حيث يقوم الناخبون بترشيح من يودون ان يمثلهم في اجهزة السلطة المنتخبة. وقد اختلفت التشريعات الانتخابية في تحديد العدد الادنى للناخبين (في فرنسا ناخب واحد؛ في كندا وبلجيكا ليس اقل من ناخبين اثنين؛ وفي كل من بريطانيا وايرلندا واستراليا ما لا يقل عن عشرة ناخبين اما في بلغاريا فيشترط القانون على ان لا يقل العدد عن 500 ناخب).                                                    

4- الترشيح من قبل عدد من اعضاء البرلمان والاجهزة التمثيلية الاخرى- ويتبع هذا الاسلوب في الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية في فرنسا ورئيس جمهورية مصر العربية وغيرها. وقد عرفت دوّل النظومة الاشتراكية اسلوب الترشيح  عن طريق المجاميع العمالية الكبيرة وذلك لتزكية مرشح الحزب الى الانتخابات البرلمانية وانتخابات اجهزة الادارة الذاتية (السوفيتات).                                                                

      ان تصفح التشريعات الانتخابية  للكثير من الدول يوّضح ان الاغلبية منها  يسمح باعتماد الاساليب الواردة مجتمعة وذلك لتوسيع دائرة المنافسة الانتخابية وبالتالي اشاعة الديمقراطية.  لكن ما مكتوب في القوانين لا يتفق ؛ في كثير من الاحيان؛ مع الواقع المعاش  حيث تسعى الاحزاب الكبرى في المجتمع الى الاستئثار باغلبية المقاعد البرلمانية وتأمين الفوز في الانتخابات اللاحقة حتى وان تطلب ذلك استخدام ماكنة الدولة البيروقراطية ذاتها؛ كما تشير اغلب التجارب.                                                                   

     تتوج المراحل الآنفة الذكر بالتصويت الذي يثبت موعده؛ كما اشرنا في الجزء الأول؛ في التشريعات الانتخابية التي تقوم بتناول هذه العملية بالتفصيل لمنع تأويل القواعد القانونية المنظمة للتصويت. وعادة ما تقوم الدولة والاحزاب المشاركة بالعملية الانتخابية بتحويل يوم التصويت الى كرنفال للفرح وذلك لتشجيع الناخب على الادلاء بصوته؛ لكن تزايد خطر الارهاب في السنوات الاخيرة جعل من حراسة المراكز الانتخابية واحدة من المهمات الاكثر تعقيدا وقلل بشكل ملموس من اندفاع الناخبين للمساهمة بعملية الاقتراع مما يدفع الاجهزة الانتخابية المختصة الى اللجوء لتمديد ساعات التصويت لأكتمال النصاب المطلوب لأعتبار الانتخابات شرعية. وقد ذهبت الدوّل المختلفة الى استقدام مراقبين دوّليين للتأكد من سلامة سير العملية الانتخابية والتزام الاجهزة القائمة عليها (العملية الانتخابية) بالقواعد المتعارف عليها دوّليا؛ كما يتيح الكثير من التشريعات امكانية اشتراك ممثلين عن الاحزاب السياسية المتنافسة في مراقبة سير عملية التصويت.          ان ما  ينتظر التجربة العراقية الناشئة في مجال الانتخابات ليس بالقليل؛ واعتقد ان مهمة اجتياز التجربة الوليدة  بنجاح يتوقف على مدى مصداقية وجديّة القوى التي تزمع المساهمة بالانتخابات القادمة؛ وفي جميع الاحوال فان الكلمة الفصل تعود الى شعبنا الذي تحمل الكثير في سبيل تحقيق ما يصبوا اليه وهو جدير به دون شك.