نــظــرة قــانــونــيــة :

مــراحــل الــعــمــلــيــة الأنــتــخــابــيــة

( 1 - 2 )

      د. فلاح أسماعيل حاجم - البديل                                         

 بتحديده التأريخ التقريبي لاجراء الانتخابات العامة في العراق (كانون الثاني من العام القادم) يكون قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية قد أذن ببدء المرحلة الاولى من مراحل العملية الانتخابية والتي ينبغي العمل الجاد من اجل انجاحها وذلك من خلال الاسهام في دعم الجهود الرسمية المتمثلة في نشاطات الأجهزة الأنتخابية ( المفوضية العليا للانتخابات ) وكذلك من خلال المشاركة ودفع الآخرين للمشاركة في الانتخابات المرتقبة. ان العزوف عن المساهمة في هذا الحدث المهم يعتبر تنفيذا لرغبة الكثيرين من اؤلئك الساعين لافشال التجربة الديمقراطية في العراق حيث سيؤدي الاخفاق في انجاح الانتخابات القادمة الى فشل   كامل التجربة العراقية في الاصلاح السياسي والذي تتطلع اليه الاغلبية العظمى من ابناء الشعب العراقي  بقلق مشروع.                                                                                                                 

     يجمع علماء القانون الدستوري على تعريف العملية الانتخابية بأنها " مجموعة الخطوات التي تبدأ بتحديد موعد الانتخابات وتنتهي  بالاعلان الرسمي عن نتائجها".  اذن هنالك ثمة مراحل لابد من اجتيازها لاعتبار الانتخابات قد أُجريت فعلا؛ وان تجاوز تلك المراحل قد يفضي الى افساد العملية الانتخابية بالكامل. على ان عدد تلك المراحل يبدو غير متطابق في جميع الدوّل وفي جميع الاوقات؛ فهناك من التشريعات ما اكتفى بتسمية ستة مراحل (تحديد موعد الاقتراع؛ تحديد الدوائر والمراكز الانتخابية؛ تسجيل الناخبين؛ الترشيح؛ اجراء الاقتراع؛ اعلان نتائج الانتخاب بعد عد الأصوات)؛ وهناك من اعتبر القيام بالدعاية الانتخابية مرحلة مستقلة  في حين ذهب آخرون الى اعتبار اجراء دورة اضافية في حالة عدم فوز العدد المطلوب حلقة اضافية في سلسلة العملية الانتخابية؛ اما في الدوّل التي تعتبر فيها وظيفة الاجهزة الانتخابية ذات صفة مؤقتة فقد احتل تشكيل تلك الاجهزة مرحلة اضافية ايضاً.                                                                          

     وفي جميع الاحوال يبدو واضحا من التعريف السابق ان تلك العملية تبدأ من الاعلان الرسمي عن موعد اجراء الانتخابات:  وقد اخذت الدوّل باساليب مختلفة لتحديد موعد البدء بالاقتراع. ففي الدوّل التي لا تكون فيها الحكومة مسؤلة امام البرلمان وحيث الرئيس لا يملك حق حل السلطة التشريعية (في الجمهوريات الرئاسية) تم تحديد فترة زمنية محددة يتم خلالها اجراء الانتخابات؛  سواءاً الرئاسية منها او البرلمانية؛  ويمكن تغيير الموعدد المحدد لاجرء الاقتراع فقط في حالة اعلان حالة الطوارئ في البلاد. ففي الولايات المتحدة؛ على سبيل المثال؛ يتم اجراء انتخاب الرئيس ومجلس النواب واعادة انتخاب ثلث اعضاء مجلس الشيوخ في اول يوم ثلاثاء بعد يوم الاثنين الأول من شهر كانون الأول كل اربعة سنوات.  اما في الجمهوريات البرلمانية (ايطاليا؛ الماني؛ ملدافيا؛ لبنان...الخ) وكذلك الملكيات البرلمانية (بريطانيا؛ السويد؛ اسبانيا؛ الدنمارك...الخ) فان الانتخابات البرلمانية تجرى بنهاية فترة صلاحيات برلمان البلاد او قبلها بفترة يحددها الدستور او قانون ألانتخابات.  فالمادة 61 من الدستور الايطالي مثلا  تنص على ضرورة اجراء الانتخابات البرلمانية قبل 70 يوما من انتهاء فترة البرلمان القائم؛ معنى ذلك ان على الرئيس الايطالى اصدار مرسوما جمهوريا يعلن فيه عن موعد اجراء الانتخابات البرلمانية خلال تلك الفترة. الا ان التأريخ المحدد عادة ما يخضع للتعديل لفترة وجيزة ( في الدوّل ذات الانظمة الديمقراطية طبعا ) لان اغلب الدوّل دأبت الى اجراء الانتخابات خلال عطلة نهاية الاسبوع والتي قد لا تتوافق تماما مع التأريخ المحدد دستوريا (او قانونيا) لاجراء الانتخاب؛ اما في الدوّل الشمولية فأن فترة تأجيل الانتخابات قد تطول لسنوات وحتى لعقود طويلة من السنين حيث تخضع مسألة تحديد موعد الانتخابات (البيعة) لمشيئة الحاكم – الدكتاتور. اما المرحلة الثانية في العملية الانتخابية والتي تعتبر واحدة من اهم المراحل فهي مرحلة تحديد الدوائر الانتخابية؛ اي تقسيم البلاد الى دوائر انتخابية محددة وانشاء مراكز انتخابية؛ صغيرة نسبيا؛ داخل تلك الدوائر وذلك لتسهيل عملية اقتراع الناخبين؛ وتعتبر الدائرة الانتخابية المساحة التي ينتَخب منها ممثل واحد او اكثر لتمثيل سكانها في المجلس التمثيلي. وقد ذهبت الكثير من الدوّل الى تقسيم الدوائر الانتخابية بما يتفق مع التقسيم الاداري للدولة (مقاطعات؛ محافضات؛ بلديات...الخ) فيما ذهبت اخرى الى اجراء التقسيم بشكل دوري وقبل كل دورة انتخابية. اما في الدولة الفيدرالية فعادة ما يتم اعتبار كل طرف في الفيدرالية دائرة انتخابية في الاقتراع لأجهزة الدولة الفيدرالية (المركزية).                                  

 ان من المسائل التي اثارت جدلا واسعا في اوساط المختصين بالشأن الانتخابي هي مسألة تقسيم مساحة الدولة بالشكل الذي يؤمن تمثيلا عادلا ويحقق مبدأ المساوات في تمثيل السكان في اجهزة الدولة المنتخبة.  نظرياً يُفترض  اجراء التقسيم بما يؤمن التوزيع المتساوي لعدد السكان؛ اما من الناحية العملية فأن تشريعات اغلب الدوّل تسمح بالتجاوز ؛ وان بنسبة قليلة؛  على مبدأ المساوات ذلك لأنه من غير الممكن توزيع السكان بالتساوي في جميع الوحدات الادارية (الدوائر الانتخابية للدولة)؛ ومن بين الدوّل  تلك التي اجازت التجاوز بنسبة 25 % (المملكة المتحدة) وحتى 33% (المانيا). ان اهمية تقسيم الدولة الى دوائر انتخابية تكمن في  امكانية التلاعب  بتلك الدوائر  بالشكل الذي يخدم السلطات القائمة واحزابها وخصوصا في تلك البلدان التي  يكون فيها الجهاز الانتخابي المركزي تابعا للسلطة التنفيذية واجهزتها الامنية (كما في اغلب البلدان النامية) او في حالة اعتبار مهمة التقسيم من الاختصاصات الحصرية لوزارة الداخلية حيث تقوم تلك الاجهزة بتقسيم الدوائر الانتخابية ذات الكثافة السكانية الى دوائر اصغر في حالة تنامي حجم المعارضة  فيها مما يؤدي الى  تشتيت المعارضة وتقليص عدد ممثليها في اجهزة الدولة التمثيلية٭.  وهنا لابد من الاشارة الى ان  ممارسات تلك الاجهزة تعتبر مشروعة من الناحية الشكلية؛  ذلك لأنها تستند الى التشريعات التي تؤمن لها تلك الممارسات.                                                                                                                       

     عند الحديث عن الدوائر الانتخابية لابد من الاشارة ايضا الى انواع تلك الدوائر؛ حيث ذهب العلماء الى تصنيفها الى ثلاث انواع هي:                                                                                                

1- دائرة النائب الواحد( او الدائرة الفردية )  والتي يتم فيها انتخاب مرشح واحد من بين مجموعة من المرشحين؛  وقد وجد مكانه في الدوّل التي تأخذ بنظام الاغلبية بجميع انواعها (المطلقة والنسبية والموصوفة) مثل الولايات المتحدة الامريكية والهند وكندا والهند وغيرها. ومن الجدير بالاشارة هنا الى ان التشريعات الانتخابية للدوّل الديمقراطية لا تجيز  اجراء الانتخابات في حال تقدم اقل من مرشحين اثنين؛ أي انها  تحرم الفوز بالتزكيّة.                                                                            

 2- الدائرة الممثلة بمجموعة من المقاعد البرلمانية؛ وقد وجد هذا النوع انتشاره في البلدان التي اخذت بنظام القوائم الانتخابية؛ حيث تتنافس مجموعة من الاحزاب او الكتل الانتخابية للفوز بالمقاعد البرلمانية المخصصة لهذه الدائرة او تلك. ومن بين الدوّل التي اخذت بهذا النوع  فنلندا و السويد

 3- الدائرة الواحدة وهو من الانواع قليلة الانتشار في الوقت الراهن؛ حيث ينتشر في الدوّل الصغيرة التي تأخذ بنظام التمثيل النسبي؛ اذ تتحول مساحة البلاد  بكاملها الى دائرة انتخابية واحدة ويتم انتخاب جميع  النواب دفعة واحدة. وقد وجد هذا النوع مكانه في جنوب افريقيا واسرائيل والغابون وجزر الملاوي وانتخابات مجلس الشيوخ في الاوروغواي.                                                                                

       ولتسهيل مهمة الناخب في الادلاء بصوته ومهمة اعضاء الاجهزة الانتخابية في انجاح الانتخابات واحصاء عدد الاصوات  تقوم الهيئات المخوّلة بتقسيم الدوائر الى وحدات اقل حجما؛ عادة ما تطلق عليها  تسمية المراكز الانتخابية و التي تأخذ من المدارس والمؤسسات العامة مقرات للقيام بمهماتها. وتنظم التشريعات وملحقاتها المسائل الفرعية للعملية  الانتخابية مثل المسائل المتعلقة بالتعريف بنوع الانتخابات وحقوق الناخب وعناوين المراكز الانتخابية.....الخ؛ وتقوم الاجهزة الانتخابية  بنشر كل ما يتعلق بالانتخابات بالصحافة الرسمية وصحافة مؤسسات المجتمع المدني حيث تقع على الاخيرة مسؤلية كبيرة في انجاح العملية الانتخابية.                                                                                                                         

٭- في بداية السبعينات من القرن الماضي قامت سلطات البعث بفصل المركز الانتخابي لقضاء السماوة انذاك عن الدائرة الانتخابية للواء الديوانية وذلك لرجاح كفة قائمة الحزب الشيوعي العراقي في الانتخابات المهنية للمعلمين.