الديموقراطية الحقة.. أنْ نعمل سويا!

إيفان تيسير

 

في مدخل لموضوعي هذا أتخذ من زاوية من عالمنا صورة لقراءة بعض ما يجري ولآخذ لكم عالمِ الغربان والحيتان من مصاصي الدماء ليس للإنسان من خيار غير أن يكون قويا.. ففي عالم اليوم للقوة معانِ ِ كثيرة تتوزع بين مفهوم العنف والدموية وبين الهيمنة الاقتصادية والسيطرة على فكر الإنسان إنْ كان هناك من منطق وموازين....  في هذا العالم المرسوم بقلم [رصاص] وبلا تقاطيع أو حدود هناك الظالم ومعه كل ذرائعه وحججه الواهية جوهرا، الطاغية المبهرة شكلا..  وهناك المظلوم وهذا الأخير ليس له سوى الساعي في الحق مدافعا عنه أو الله  المتربع بعيدا في سمائه العلية...

لقد عرف مفكرونا الحكماء منذ وُضِعت أولى لبنات تراث الإنسانية في وادي الرافدين أنْ ليس لهذه اللوحة ما يكللها  برايات بيضاء من دون محاولة جدية تعزف سمفونية السلم والحرية.. وها نحن نتبع خطى هؤلاء العمالقة من القادة والمصلحين لتغيير ما انحرف وأخطأ في مسار عالمنا الإنساني عامة وما يجري في عراقنا الذي تركته مكرها وأنا ما أزال بعد في صباي!

إنَّ الحكمة تقضي بألا يحيا العراقيون إلا في وحدةِ ِ،  يحيون من خيراته ويشربون من نبعه الصافي سويا بكل أطيافهم وألوانهم ومشاربهم... والحكمة السومرية العراقية تقول: إنَّ شجر هذا الوطن ينمو على الرغم من أشواك تحيط به وسيعطي ثماره قريبا وهي الحكمة نفسها التي تتصور سماء العراق صافية بلا دخان الأزمات والبراكين المفتعلة مهما اندفعت الغيوم السود...

ولم يُخطئ من رأى هذه الصورة. فقد عاش وطن الرافدين أقسى اختبارات الزمن وأسوأها، ولكنه واصل رحلته حتى يومنا ماخرا عباب بحر عظيم بسفينته وصاريتها الملونة التكوين.. ولقد تعب في بناء أسوار قلعته المدنية وتعمير ما كان يُهدَم وزرع أرضه بعد إحياء صحرائها فكانت منجزاته جبالا هدَّت الصعاب حتى شارفت سماء الحضارة...

لقد عاش على أرض الرافدين وينابيعها شعب ظل يرفض الحروب والآلام وكل شؤم من أفعال أشرار مروا وانتهوا مهزومين دوما... ولقد قاوم أهل الرافدين بلغاتهم  وأطيافهم ولكن مسيرتهم دوما كانت براية واحدة هي راية العراق والعراقيين.. وتلك هي الراية التي ستعتلي ساريتها باسم (العراقية الوطنية) قائمة الوحدة الوطنية وإلغاء الطائفية وأمراضها..

لقد أغفلوا بلادنا وشعبنا أكثر من خمس وثلاثين سنة؛ وأنزلوا بنا النكبات المتوالية وأشاعوا التخلف وهو ما يجعلنا نعرف كم هي الصِعاب التي ستمر بها الديموقراطية التي اخترناها طريقا.. فطريق الديموقراطية سيكون وعرا وصعبا ومعقدا بل لم يكن موجودا له تأسيس في ظل الأمس المهزوم؛ ومع ذلك فمنذ سقوط النظام القمعي الفاشي الصدامي  حمل الكبير والصغير معاول بناء الديموقراطية... وهذا ما نريد حيث وجب أن نعمل ولا نكتفي بالتمني وأن يكون عملنا سويا ولا نقبل بتمزقنا فرقا وشيعا وأحزابا.....

ولكن هل لنا أن نتساءل لتعزيز مسيرتنا تلك: أي الطرق ينبغي لنا أن نسلكها بديموقراطيتنا؟ سؤال سهل الطرح ولكن الإجابة صعبة معقدة.. إذ كما قلت للتو: فلا الاكتفاء بهتافات الديموقراطية وشعاراتها ولا الجلوس على مقاعدها البرلمانية كما مقاعد ديموقراطية سقراط وبراح أمكنتها الأثينية هي المنتظرة عندنا. وربما بصيرتي ليست قوية بما فيه الكفاية لكي أرى ما هو قادم في السنوات القادمة ولكنني قادر على أن أقول: إني أرفض هذه التراكمات التي توجدها أفاعيل الطائفية والعنف والتهديدات ولغة المصادرة المتخفية بـِ طاقيّة الدين مرة، وزيفا بـِ طاقية الديموقراطية مرة أخرى؛ وقد يُقال أني راديكالي أو حتى غير ديموقراطي بلغتي القاسية أو المتصلبة هذه ولكنّي أبصم بالعشرة أنْ ليس لعراقنا الجديد غير وجوب وجود قوة تنبع من وحدة قواه وأطيافه في ظل راية الديموقراطية ولكن بحراسة قوانينه ورؤاه وأفكاره المتحضرة النيِّرة وقوة تحميه من داخله.. فلن يكفي هتافنا للديموقراطية ولن نصل بالهتاف وحده إلى نهاية روايتنا العراقية بسلامة...

وبعد

فلست بكاتب خبير أو محلل سياسي أو باحث ولكني أكتب لكي يبادر جاري وينطق صديقي ويحكي صاحبي وينادي هذا ويصرخ ذاك....

أكتب هذه الكلمات ليس لأقدم حلاَ َ لمسألة رياضية أو قضية العصر الفلسفية بل لأساهم بجهدي البسيط البسيط ويليتتابع كل عراقي وعراقية في التفكير والمساهمة بجهده بطريقة صحية صحيحة ولن أقول أو اشير إلى اي طريقة بالتحديد هي الصحيحة للجميع فربما يغضب بعضهم أو يوافق بعض قليل آخر أو يتردد طرف ثالث.. ولكن لتنطلق السجالات والحوارات كي نصل للطريقة الحل سويا ولعل ضمانة الحوار هي الديموقراطية الحقة وحماتها ولعل هؤلاء الحُماة في خيار (العراقية الوطنية 731)... وأيّ ممن ترونهم إلا أن يكونوا طائفيين أو عنصريين أو فئويين فقد طفح الكيل معهم ومع تضليلهم وضلالهم وظلامهم وآلام هم السبب فيها....

وموجز قولي أن ليس غير الملايين تحسم صوتها لتجد المستقبل الذي تريده.. ولن يكفينا ويوصلنا التمني والانتظار أن يحل مشاكلنا أحد غيرنا. فلن يحل الدعاء أوضاعنا وأزماتها ولا مزيد أنهار الدم والعنف ولا مزيد الهتافات لزعيم أو حكيم! هو ما يأتي لنا بمستقبلنا المؤمل.. بل الحل فينا فإنْ تغيرنا تغير هذا البلد الكريم...

ولا أريد أن أطيل مؤمِّلا أن أقرأ كل من يريد أن يكتب أو ينطق أو يدلي بصوته من أجل الحل، وآمل ألا أبقى وحيدا في رأيي هذا وفي نفسي ما يؤكد لي أني لست وحيدا يتمنى أن يغادر مثيرو الغبار أو يتغيرون وأن نمضي للبناء ومن أجل إشادة صرح الغد الأفضل وأن نسمع حتى من لا يكتب لندخل سويا عالم تسجيل عراق العراقيين الجديد في أرحب محفل للفكر النيِّر والديموقراطية الحقة...