حقوقُ الإنسانِ العراقي في ظلِّ الاحتلالِ

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي محلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003 / 10 / 31

TAYSEER1954@naseej.com

 

{1   -   2}

 

[[تثير أعمال العنف الدائرة في ميدان حياة شعبنا العراقي اليوم استياءَ َ بالغا في أوساطنا النزيهة المخلصة, ولكنَّ بعضا ممَّن يركبون مركب السياسة اليوم يقعون تحت تأثير تشوشات رؤى سلبية خطيرة تلتقي كلّها في إيذاء شعبنا في حقوقه الإنسانية التي طال حرمانه منها وامتد بعيدا. وأول تأثيراتها انغلاق تفكيرهم في حدود سؤال واحد وإجابته وهو هل القوات الأجنبية الموجودة في بلادنا قوات احتلال.. وبُعيد الإجابة يقولون: إذن فكلّ ما يجري هو ضد هذه القوات وهو مشروع لأنَّها قوات احتلال.. هنا نحاول أنْ نتناول هذه الإشكالية ونعالجها على وفق قراءة شعبنا وغالبية حركاته السياسية والاجتماعية للوضع في بلادنا...]]

 

                            يتساءلُ بعضُ القراءِ  وأولئك الذين تتفاعلُ مشاعرُهم الوطنية المخلصة, ما إذا كانت كلّ تلك الأحزاب السياسية العراقية الثورية منها والليبرالية قد تخلَّت عن مبادئها وبرامجها اللصيقة بحياة الشعب والوطن باشتراكها في مجلس الحكم من جهة وبمفاوضة قوات الاحتلال من جهة أخرى وهي قوات ممثلة لأكبر مراكز الرأسمال العالمي... ويسألُني بعضُهم لماذا أكتبُ في كلِّ ما يخصّ الإنسان العراقي وأعالجُ همومَهُ من دون أنْ  أخصِّصَ مقالة منفصلة َ َ بشأنِ تسمية الاحتلال احتلالا. ولا ضير من حماسةِ هؤلاء ولا خطيئة فيما يستهدفون من غاياتِ ِ بعيدة كونها مع حسن النية تصبّ في حرصِهم على مستقبل الوطن واستقلالِهِ.

                           ومن غير (لكن) ومن دون استثناء ينبغي طمأنةَ َ للانفعالات الصادقة أنْ نقولَ الآتي: البديهي أنَّ الشعوبَ لا تخون وأنَّ الجماعات والطبقات والأحزاب بكليَّتِها لا تتغير أو تنتقل من موقع إلى آخر الفرد هو الذي يحصل معه ذلك؛ فإذا قلبنا الأمر فإنَّ مثلَ هذا التفكير الساذج يستخدمُه أصحابُ المصالح المريضة عندما يقولون أنَّ شعباَ َ قد خان قائدَهُ وغدر بهِ؟!! وهو شرّ البلية وهو ما يجعلنا نضحك بمرارة عندما نسمع مثل هذه الأفكار وهي تُطلَق على شعبنا العراقي على أنَّهُ تخلى عن قائدِهِ الهُمام!!! كما يُعجِب بائعي الكلمة بالدولار وبالدينار من مأجوري الأمس الذين لم يكفِهِم ما فعلوه على حساب دماء أبناء شعبنا في ظلِّ سيّدهم المهزوم الطاغية الهمجي ...

                              وعليه فليس من المنطقي اتهام كلّ تلك الأحزاب الوطنية العراقية بأنَّها تخلَّت عن مبادئها وهادنت الاحتلال وتحالفت مع قوى الاستغلال الممثِّلة للشركات فوق الجنسية... إنَّ كلَّ هذه الرؤى إنَّما يمكن قراءتها بوصفها حالة من اثنتين فهي:

 أما التباس في التحليل السياسي للوضع وفي قراءة أولوياته في ظرف يمرّ شعبنا بكارثة إنسانية لا يضاهيها سوى حالة الإبادة الجماعية زمن النظام المنهار.. بل نحن نجابه حالة من الموت الذي سيشمل ملايين الأبرياء من نساء وشيوخ وأطفال أو بشكل أدق ممن تبقى من هؤلاء من العراقيين...

وأما تبيِّيت للإيقاع بحركة شعبنا وتضليل مواطنينا والشعوب المتضامنة معه برؤى سياسية المقصود من ورائها إعادة عجلة الزمن إلى الوراء مستهدفة عودة نظام الدكتاتورية وامتهان مصير شعبنا من جديد وإنْ بلبوس أخرى!

                                 أما نحن أبناء الفراتين وحركاتنا السياسية المخلصة فإنَّنا نقرأ  ما نمرّ فيه من دون وجل ولا استحياء مما نفعل في ظرفنا القائم .. نحن نعرف مع مَنْ نتعامل اليوم ومع مَنْ تضطرنا أوضاعنا المأساوية للقاء, وعلى أية أرض تمشي قوات أجنبية بعد أنْ أخرجها شعبنا قبل عشرات عقود من مسيرته المعاصرة.. وعليه فالقوات الموجودة هي قوات احتلال وهي تنتقص من الوجود الرسمي لشخصية  الدولة العراقية الجديدة وهي تنتقص من السيادة إذا شئت التسمية الدقيقة وهي على أية حال جملة وتفصيلا قوات تغتصب منَّا السلطة.

                                    ولكنني أتساءل أنا الآخر للمقارنة أية سيادة كانت لشعبنا العراقي ـ في ظلّ نظام البعث الصدّامي المقبورـ وهو لا يملك من أمرِهِ أبسط الحقوق وأضعف الحريات وأقلّها شأنا بل لم يكن عراقي يملك حقَّه في الحياة ولم تكن تلك الانفعالات طيبة النية موجودة. وهل جور (ابن الدار) مقبول مسموح مطلق اليد في شرف نسائنا وكرامة رجالنا وأعراض بناتنا وحيوات أبنائنا؟؟  وهل كان  ذلك في رأي [هؤلاء] ليس ممثلا لأبشع استغلال تعرفه البشرية ؟! وما الفرق بين مستغِل خارج الدار (أجنبي) وآخر من (أهل!) الدار؟ أيهما أرحم كما تبدي صور الوقائع؟!

                                     كلّ ما أشرنا إليه من  استغلال يدفعنا للتعاطي مع تساؤلات ورؤى.. فالسياسة تفترض في الحصيف استخدام ما يراه مناسبا لتجنيب أبناء جلدته تعقيدات الصراع وآلام الطريق المتجه إلى تحرير الإنسان وبالتأكيد معه تحرير الوطن.. والتحرير هو التخلّص من الاستغلال بكلِّ أشكالِهِ  سواء كان داخليا أم خارجيا. وعليه فليس وجود قوات الاحتلال إلا مظهرا آخر من مظاهر الصراعات السياسية..

                                      فإذا كان من المقبول في الصراعات التي تجري على المستوى الوطني الداخلي اتخاذ التكتيكات السياسية المتنوعة المختلفة بحسب توازن القوى, فلماذا سيكون غير صحيح اتخاذ المعالجات المناسبة في الصراع مع قوى دخيلة بخاصة في ظروف متغيرات المرحلة التاريخية التي تمرّ بها البشرية؟ وهي مرحلة تقترب من حالة عولمة نجحت فيها ما نسميها عولمة الرأسمالية وقواها الاستغلالية فيما لاتزال عولمة تضامن الشعوب وحركاتها السياسية دون مستوى مجابهة قوة العولمة الأولى أو ما قد نسميه الأمركة نسبة لسطوة الرأسمال الأمريكي وشركاته على المشهد العام للمرحلة..  

                                       لكن الـ [هؤلاء] يصرون على سؤالهم الذي يريدون الإجابة عنه بنعم أو نعم وليس غير:  إنَّه سؤال هل تلك هي  قوات احتلال؟ ولا يريدون بعد ذلك أيَّ مفردة ولا أيّ تعليق؛ فهم في غنى عن الباقي لأنَّ إجابة نعم تعني عندهم وتكفيهم  لشرعَنَة أعمال التخريب الدائرة في بلادنا بقوى خارجية..  وطبعا لا يقولون عنها قوى خارجية أو أجنبية! على الرغم من تأكد القاصي قبل الداني من هذه الحقيقة وعلى الرغم من كلّ الويلات التي جلبتها معها هذه العناصر الإرهابية الأجنبية الدخيلة بكلّ ما لديها من أمراض ومن ضرب لكلّ ما هو عراقي مفيد فضلا عن الإنسان العراقي نفسه!

 

 

1