حول بعض قوانين اللجوء في بلدان أوروبا والمتغيرات الجديدة

قراءة بشأن اللاجئ العراقي

                                           نشرت في سايت( Site) المعهد العراقي للدراسات المستقبلية     

 

شهد العالم متغيرات دراماتيكية خلال العقد الأخير من القرن العشرين.. نجم عنه صراعات من نمط جديد , فرض تفجرات غير طبيعية كان منها مشكلة المجاعات والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والانقسامات الدموية الخطيرة والحروب على جبهات اختلطت فيها الأوراق أهدافا ووسائل.. ولعل من أبرز ما يجابهه المجتمع الإنساني اليوم - نتيجة كل تلك المتغيرات- هو ظواهر الهجرة والاغتراب واللجوءبأشكاله السياسية والإنسانية ... فصرنا نلاحظ مخيمات اللجوء الإفريقية والآسيوية تضم مئات ألوف بل ملايين البشر بكل قسوة ظروف تلك المخيمات والمعاناة الإنسانية التي تجثم تحت كلكلها ؛ حيث لا تكفّ المنظمات المسؤولة عن استصراخ الضمائر للمساعدة وما انفكت الأمور تسير نحو تعقيدات غير مأمونة العواقب.

وفي موضع آخر يصل أوروبا سنويا عشرات ألوف طالبي اللجوء بأنواعه .. ليجابَهوا بمواقف هذه الدول الساعية لتصنيف الحالات طبقا لقوانينها الخاصة. وهنا بالتحديد تدور مناقشات متصلة بحسب تطورات أوضاع اللجوء وتعقيداتها المستجدة... وبقراءة هذه المعضلة تاريخيا نجد اتفاق المجتمع الدولي على وضع ضوابط أو مبادئ عامة لحقوق الإنسان أقرتها تلك الدول التي استقرت فيها مؤسسات الديموقراطية ..انسجاما مع الخطوط العامة لمستوى التطور السياسي والاجتماعي فيها. لقد عُدَّ إقرار وثيقة حقوق الإنسان خطوة تاريخية مهمة في مسار الصراع بين عالمين: عالم يستلب الإنسان حقوقه الأساسية لمصالح ضيقة و عالم ينادي بالمساواة والعدالة والحرية حيث إلغاء الاستلاب وكل أشكال الاستغلال...

غير أن واقع الحال ظل حتى يومنا هذا ينطوي على قائمة مفتوحة من الاعتداءات الهمجية على حقوق البشر حتى صرنا نحيا في حقيقة الأمر عصر ( العبودية والرق) من جديد..كما تجري عليه الأحوال في ظل ديكتاتوريات الطغاة مطلقة الإرادة في إرهابها , فهي تقرر حيوات الناس ومماتهم وقتما شاء سلطان بلدان التخلف...

فإذا عدنا لقوانين الهجرة واللجوء وتلك الراعية لحقوق الإنسان , فإننا نجدها قد أُقِرت تحت وطأة صراعات وتوازنات هي بنت مرحلتها التي غذّت معطيات الحريات الأساسية والدفاع عنها. على أن مثل تلك القوانين التي فازت بها البشرية بعد نضالات عنيدة قد بدت اليوم في حالة من التراجع أو المناقشات التي تخضع لمصالح التوازنات العالمية الجديدة التي تأخذ بنظر الاعتبار متغيرات عالمية ليست في جوهرها إلاّ خذلانا لأبسط قواعد احترام حقوق البشر. وهكذا طفت على السطح أنماط من التعاملات السلبية التي تحطّ من قدر اللاجئ وتعتدي على حقوقه الأساسية بدءاََ من أشكال الاستهانة والتحقير وتوجيهات التأثيرات المطاردة أو التي تستهدف خلق أجواء إعلامية تحدّ من أَعداد طلبات الهجرة واللجوء .. ومرورا بشؤون تتعلق بالإسكان الإنساني اللائق وحقوق التملك والعمل ... ومن الجدير بالذكر فإن هذا الصراع لا يجري دائما لمصالح معادية لحقوق الإنسان .. إذ أقر المجتمع الدولي سلسلة من الاتفاقيات الإيجابية المتطورة المتعلقة بجرائم الإبادة و جرائم ضد الإنسانية واتفاقية ضد التعذيب وغيرها..

كما أن المحاكم العليا في عدد من البلدان قد حكمت لصالح مطالب اللاجئين وحقوقهم المشروعة المكفولة في القوانين والدساتير المتحققة بنضالات الشعوب وكفاحها المشترك , مثال ذلك قرار المحكمة العليا في ألمانيا لصالح اللاجئين العراقيين...

وفي إطار هذا السجال تعرًض اللاجئون عامة والعراقيو خاصة لأشكال من التمييز ما وضعهم في مآزق حياتية خطيرة وهي في الوقت الذي تخلق أنماطا من الإنفصام والتجافي في المجتمع الإنساني سواء بين الجاليات والمجتمعات المضيفة أم بين الشعوب , فإنها - في الوقت ذاته - تحضِّر أو تعدّ لتقاطعات أو حروب مستقبلية أو تشوهات بعيدة التأثير في العلاقات الإنسانية المستقبلية...

 

[2]

 

إنً من أمثلة ما يجري من نقاشات بصدد طلبات اللجوء وإخضاع القرار لمتغيرات جديدة هي تلك التي بصد د الإقرار والصدور في (هولندا) بشأن إعادة العراقيين كافة من مختلف انتماءاتهم العرقية والقومية والسياسية .. عربا وآشوريين وكلدانيين وتركمان , فضلا عن الأكراد إلى منطقة كردستان بحجة كونها منطقة آمنة. وهو (تبرير) أو مقدمة لإجراءات قد تتعارض في جوهرها مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان من جهة ومع الدساتير الديموقراطية وآليات عملها في بلدان أوروبا الغربية بالتحديد ومنها هولندا من جهة أخرى.

ومثل هكذا قرار ينبغي أنْ يُدرَس بعناية قانونية دقيقة تستند إلى أسس وحقائق موضوعية دقيقة.. لا أنْ تُقرَا الحالة المعلنة قراءة سريعة أو مجتزأة ؛ فكردستان العراق تضم تحت ترابها ملايين الألغام التي تتفجر يوميا تحت أقدام أبنائها من دون حلول سريعة ونهائية ضمن الإمكانات والظروف المتاحة؛ وهي مخترقة من عدد من الجهات التي تخلخل أوضاعها الأمنية بشكل جوهري,فمن جهة نجد مخابرات النظام الدموي وتوغل قواته أو تهديدها المستمر بغزو المنطقة وهي بدورها تدعم بشكل مباشر وغير مباشر قوات ال( ب ك ك ) وأعمالها الحربية وهذه الأخيرة تشكل ذريعة للقوات التركية في عبورها الحدود باستمرار والقيام بفعاليات عسكرية غير محمودة العواقب على المدنيين وحيواتهم , هذا فضلا عن عدم انتهاء الصراع بين حكومتي الإقليم من الناحية العملية ناهيك عن صعود نجم الإرهاب بشكل حادّ وخطير بعد دخول قوات العرب الإفغان من (جند الإسلام أو غيرهم) وأولئك المتطرفون الذين يرشون النساء بالمواد الكياوية الحارقة أو يلاحقون التنورين بالموت بذرائع التكفير وغيرها...

ولا يمكن القول إن الأجواء لا تخلو من جهود التهدئة والتوجه نحو واقع السلام والأمان .. ولكن ذلك دونه جهود إنسانية مضنية طويلة لن تتكلل بالنجاح الحقيقي والجوهري من دون تغيير النظام الحاكم في بغداد مصدر التهديد المستمر للأمن والاستقرار.

ومن جهة أخرى فالوضع الخاص بالإقليم لا هو محمية دولية توفر أمنا ولو جزئيا ولا هو بممتلك لشروط الدفاع عن وجوده وأمن ساكنيه ؛ وأدلة ذلك كثيرة منها استمرار التفجيرات الإرهابية , وبقاء حقول الألغام من دون إمكانات إزالتها.. ومن المشكوك فيه انتهاء الأعمال الحربية أو القتالية في الساحة الكردستانية في المدى المنظور إنً مثل هذه التعقيدات لمسألة عَدِّ كردستان (منطقة آمنة) أمر ليس سهل الحسم والاستناد إلى تصريحات رسمية من بعض أطراف الإدارة الكردستانية ينبغي التدقيق في معالجته وعدم الاستعجال في اتخاذ قرار قد يخلق مشكلات إنسانية جديدة لا تساعد على حل المسألة بقدر ما تعقّدها ؛ والمطلب الآن لا يقوم على المقارنة بين ما اُتخِذ في المحكمة العليا بألمانيا أوغيرها تجاه القضية نفسها بل على مناشدة المحكمة العليا والجهات المسؤولة لمراجعة جدية تستند إلى ما عُرِف في القضاء الهولندي من عدالة وروح إيجابي يستند إلى موضوعية المعالجة وهدوئها واستنادها إلى حيثيات دقيقة في قراءاتها , و لا تغفل مصالح جميع الأطراف وتحقيقها على وفق منطق العدل وحقوق الإنسان .. وهو المنطق الذي سيخدم آنيا حل مشكلة اللاجئ العراقي ومسائل التفاعل بين الجالية والمجتمع وعلى المدى البعيد يوفر مناخ الصداقة والعلاقات الإيجابية بين الشعبين ويكسب القرار عميق الاحترام من أوساط المجتمع بخاصة والعراقيون هنا يتطلعون لدعم مشروعهم في محاكمة صدام ونظامه الدموي أمام محكمة العدل بلاهاي وليس تسهيل مهمة مطاردته لمعارضيه من أبناء الشعب العراقي حاملي ألوية السلام والديموقراطية , بما يصبّ في إحكام قبضته الهتلرية على شعبنا الأعزل أمام أسلحة الدمار الشامل التي تمادى في تكرار استخدامها ولا يوجد رادع أو متغير يمنعه من استخدامها مجددا ...

و يُفترَض بهذا الخصوص دعوة جميع الأطراف ذات العلاقة لأنْ تدلي برأيها.. بخاصة جمعيات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني بغية التوصل للقرار الأكثر صوابا وخدمة موضوعية لحل هذه المشكلة بروح العدل والتسامح.

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

نُشِر المقال في جريدة المؤتمر فبراير2002

website:www.geocities.com/Modern_Somerian_Slates 

Email:TAYSEER1954@naseej.com

1