الإحصاء السكاني  بين الداخل والخارج؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  06 \ 20

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

ماذا يُراد من الإحصاء السكاني؟ ومن هم المستهدفون به أو ما ميدانه؟ وما المستهدف من وراء الإحصاء السكاني العراقي المنتظر قريبا؟ وكيف يمكن تحقيقه على المستوى الوطني؟ أو كيف يمكن أنْ يشمل العراقيين جميعا في الداخل والخارج؟

في الحقيقة وقبل الإجابة عن أسئلة الإحصاء لابد من التأكيد على كون مثل هذه العملية تظل ضرورة ملحة لأي تخطيط علمي موضوعي يستهدف قراءة آلية التحرك إلى الأمام لشعب بعينه... والإحصاء السكاني من حيث هو عملية تعداد وحصر نوعي كمي لمجموع الأفراد وتصنيفهم على وفق محددات متنوعة مختلفة يبقى الأساس للتطور والتقدم ولمعالجة مشكلات الواقع وتناولها موضوعيا...

ولكننا على أية حال اليوم بصدد تسجيل العراقيين انتخابيا بشكل جوهري أي أن المستهدف المباشر من الإحصاء هو تحديد المشاركين من العراقيين في الانتخابات المقبلة وإنْ كان يمكن الإفادة منه في مجموع أمور كثيرة غير مسألة الانتخابات ما يستدعي استكمال العملية الإحصائية بأفضل أو أعلى دقة منتظرة وأوسع معلومات مفيدة لخطط إعادة الإعمار...

إذن نحن بصدد استهداف إحصاء العراقيين من دون إقصاء أو استثناء أو بمعنى إشراك العراقيين كافة وشمولهم جميعا سواء منهم مَن كان في الداخل أم مَن كان في الخارج.. ومن ثمَّ لابد لنا من فرز الوقائع حيث من المعروف وجود اختراقات بالجملة لأولئك الذين دخلوا بلادنا عبر حدود مفتوحة للمتسللين الذين اشتروا وزوروا الجنسية العراقية سواء منهم أولئك القادمين من إيران أو من تركيا وهاتين المجموعتين هما أكبر مجموعتان تسللتا إلى عراقنا..

ولابد من تذكر حقيقة شمول الإحصاء كل العراقيين وألا يكون فيه أي استثناء حتى لفرد واحد لأي سبب كان لأن عملية الاستثناء ستخلق أول الأسباب لهدم عملية إعادة البناء والإعمار كما ستؤسس لمشاكل خطيرة لبلادنا ولغدنا أما الاختراق فله أمر آخر وحلول أخرى..

وبصدد الاختراق نتساءل: ما العمل لقراءة هذه الحقيقة وكيفية الكشف عنها وحراسة بلادنا من التسلل الخطير الذي تجاوز عشرات الألوف إنْ لم يكن أكثر؟! والمسألة لا تنحصر داخل بلادنا بل تمتد هنا إلى الخارج حيث الجاليات العراقية؛ وحيث أولئك الذين سجلوا أنفسهم في ظروف إنسانية معقدة بوصفهم عراقيين  وهم في الحقيقة ينتمون إلى بلدان وجنسيات أخرى.. فإذا كان الإحصاء في الخارج غير ميداني كانت النتيجة خلل في دقته وتسجيل لأسماء غير قليلة تـُلحق بالعراق والعراقيين من غير وجه حق ما يخلق مشكلات غير هيِّنة لعراق الغد..

إننا بصدد عدد من المشكلات الجدية التي ستجابهنا في إنجاز الإحصاء السكاني أخطرها حالات التسلل المتعمَّد التي يُراد من ورائها اختراق بلادنا وبنية مكونات شعبنا لغايات بعيدة المدى ستجلب لنا الخراب ومزيد الأذى مع مرور الأيام.. ولن تكون جميع الأوراق الثبوتية الرسمية هي الفيصل في الإحصاء وفي حل مشكلات هذا التسلل بعد أنْ مرَّ زمن الخراب على بلادنا من دون أن يكون لدينا وسائل إحصائه الصحيح ولا وجود لأوراق ثبوتية حقة؛ فضلا عن سنة من ضياع كل فرصة لضبط الحدود والبلاد من الاختراقات وأعمال التسلل المقصودة..

لقد اندفع من الجارة إيران مئات ألوف البشر ليسوا جميعا ممن ينشدون حق الإقامة الإنسانية الطبيعية بقدر ما يختفي وراء بعضهم وإنْ قلَّ عددهم من شرور المخططات الرخيصة التي تستهدف العراق والعراقيين! وهناك تسلل من دول الجوار الأخرى جميعا ومن دول بعيدة وقريبة إقليمية وغيرها يتخفى مثل هؤلاء وراء مسألة عودتهم من الخارج بعد أنْ نشأ الفرد منهم سنوات طويلة هناك..

ما الحل؟ في مثل هذه المسألة وقد احترقت مؤسسات السجل المدني وقد تمَّ تخريب مؤسسات الدولة كاملة فلا وجود لأثر سجل لايمكن إلا اعتماد وسائل تدقيق ضرورية قد تكون بدائية وقد تعرقل زمنيا وتتلكأ عمليات الإحصاء إلا أننا ينبغي أنْ نتأنَّى في أعمالنا وألا نندفع في العملية بغير حسابات جدية للمخاطر اللاحقة الناجمة عن كارثة تسجيل المتسللين..

وينبغي تذكر أنَّ من القوى التي ساعدت على بيع الجنسية العراقية ووثائق رسمية ثبوتية أخرى وستستمر في أفعالها تلك هي قوى كانت موجودة داخل مجلس الحكم وهي على علاقة بقوى إقليمية معروفة وعليه فإنَّ مسألة الإحصاء السكاني ينبغي أنْ تتطهر من النشاط الحزبي السياسي وأنْ تتأكد من القائمين بالعملية لكي لا تتواصل عملية الخسائر في التزوير تلو التزوير...

كما لا يمكن اعتماد جميع العناصر والمنظمات العراقية في الخارج فلابد أنْ نتأنى في التعاطي مع القوى والعناصر الموجودة في الخارج من الذين سينهضون بالمهمة بتكليف رسمي أو لدعم العملية بما يجعلها وطنية نزيهة وأقرب للدقة قدر ما يمكننا فعله ونحن نؤسس لعراق جديد..

على أنَّ كل الحرص وكل الحذر وكل التدقيق والعناية بفرز الأمور لا يمكنها أن تجعل المهمة تنتقل إلى حالة من الشك المرضي  وروح الاتهام والعزل والإقصاء بما يعني ضرورة منع حالة تعريض العراقي لمهانة الروتين الرسمي وقسوته وتسهيل مسائل تسجيله واعتماد الصحيح من وثائقه..

وأول تلك الوثائق وجوده الشخصي أمام جهات الإحصاء وكونه يمتلك لغته وشخصيته أو هويته العراقية الواضحة والمسألة ليست معقدة في هذا الإطار إذ لكل شعب لسانه الذي يُفصِح عنه وعن هويته ثم تأتي مسائل أخرى حيث ينبغي اعتماد [بقرار رسمي] وثائق بعينها لهذه المهمة مثل هويات الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية ودفاتر الخدمة العسكرية القديمةمع اية وسائل أخرى تكميلية..

كما ينبغي الاستعداد لتسجيل حقل خاص بحالات بعينها كأن يوجد حقل لامتلاك الوثائق السابقة أو عدمها وحقل لتصنيف يُعنى بتحديد العراقي المتأكد منه من غيره حيث يمكن لبعضهم أن يتابع تأكيد هويته لاحقا بعد التسجيل على ألا يُستثنى من التسجيل ولكنه يُطالَب بجلب الوثائق لاحقا لكي يدخل السجل المدني الجديد حسب تدقيق عراقي رسمي متخصص..

وهذا سينطبق على عراقيي الداخل والخارج بطريقة لا تمنع من تسجيل الجميع ولكن تضمن مسألة تدقيق وتصحيح موقف بخاصة للمتسللين أصحاب الجنسيات المزورة والهويات المـُـتاجـَر بها من قوى بعينها.. فإذا كان الداخل والإحصاء الميداني سيصادف تدقيقا مناسبا نظرا للإمكانات المتاحة ميدانيا, فإنَّ موضوع حسم الأمور في الخارج ستحتاج إمكانات وحلولا مختلفة..

فإذا كنّا سنعول على الإحصاء الميداني فمن سيقوم به وأين وكيف؟ بخاصة في ظروف عدم تمكن انتقال العراقيين بين مدن البلدان التي يقطنونها لأسباب كثيرة منها مادية ومنها مشكلات أخرى غير سهلة الحل.. ولكن لجان الإحصاء يمكنها أنْ تتنقل بين مراكز المدن للقاء الميداني المباشر مع العراقيين فضلا عن أجهزة قراءة الوثائق الضرورية التي نحتاجها بدعم الجهات الرسمية لتلك الدول ولجهاز الأمم المتحدة المنتظر دعمه..

طبعا مع التأكيد على مساهمة فاعلة من المنظمات العراقية في الخارج للتعرف إلى العراقيين الموجودين هناك ولدعم الحملة من جهة التعريف والتحشيد لها والإعلان عنها ومن جهة توفير الطاقات والكوادر اللازمة للإنجاز الأفضل والأدق..

وهنا فقط ينبغي أن تكون المسؤولية الضميرية وحب الوطن والانتماء إليه والمساهمة باي قدر من الجهد هو ديدن العراقي للالتحاق بالعملية وإنجازها بأفضلية مناسبة لضمانات النجاح والمصداقية والدقة.. وكل عراقي مسؤول اليوم عن مسألة بناء مجتمع مدني جديد مجتمع يُحترم فيه الإنسان بكل حقوقه ويُحمى من أية تجاوزات ولن يستطيع الاشتراك من لا يساهم في الإحصاء ما يتطلب التأكيد عليه ودخوله والسعي إليه ومساعدة جميع العراقيين على دخوله وإنجازه بتوفيق مناسب..

النجاح في الانتخابات .. النجاح في إعادة الإعمار .. النجاح في أي شئ مقبل يجب أن يؤسَّس على إحصاء وطني شامل دقيق يشارك فيه العراقيون كافة من دون تردد أو تخلف عن المشاركة أو إهمال أو تماهل .. الإحصاء العراقي وتسجيل أنفسنا جميعا بتدقيق منا جميعا... المسؤولية الوطنية حيث العراقي الذي يريد من بلاده شيئا ليتقدم ويسجل نفسه ليتقدم ويؤكد هويته ليتقدم وينجز أو يشارك في إنجاح الإحصاء ....

 

خاص بجريدة المدى