بعض الآثار السلبية للإسكان القسري لطالبي اللجوء

 

                            تستقبل مخيمات اللجوء في هولندا سنويا آلاف طالبي اللجوء ولأسباب كثيرة من بينها تأخر حسم تلك الطلبات تزايدت  تلك المخيمات وكذلك الكثافة العددية في المخيم الواحد, تلك الكثافة التي يُحتَمل أن تتفاقم أزمتها مع الإعلان عن سياسة إغلاق عدد من المخيمات .. يركز هذا المقال على مسألة الآثار السلبية الناجمة عن طبيعة هذا النوع من السكن وعن امتداد طول (فترة) سكن المعسكرات القسرية لتصل في الغالب إلى سنوات , إذا تمَّ حسابها بالزمن النفسي فإنها ستكون أضعاف الرقم المعلن [ فساعة انتظار تعادل في وقعها النفسي أكثر من أيام في فعلها السلبي] فكيف إذاامتدّ الأمر إلى سنوات انتظار؟!! إنَّ عامل تحمّل مثل هذه الحالة ليس القبول بها وليس كونها ممكنة التحمّل بل واقع الاضطرار والإجبار الذي تفرضه ظروف طالب اللجوء وتستغل الإدارات بمختلف مستوياتها هذا العامل للاستمرار في سياستها الحكومية العليا لـأكيد سياسة الملل والإزعاج الذي يقلل نسبة القادمين الجدد على أساس ما يجابهونه من تعقيدات وشروط الإقامة والإدارات الوسطية والدنيا التي ترى في وجود مثل هذه المعسكرات ما يوفر لها فرص عمل وتشغيل تتخللها أمور نفعية خاصة تعمل السلطات على متابعتها وحلّ إشكالاتها ... ولكن كل هذا لا يوازي الآثار السلبية المتنوعة المختلفة التي لا يوجد مخرج لها سوى إنهاء هذا الشكل من أشكال الانتظار والإسكان القسري الذي يتعارض مع أبسط مفاهيم حقوق الإنسان والقواعد والاتفاقيات التي تنظم ذلك.. إنَّ حقيقة السكن في علب صغيرة تتعارض مع طبيعة الكائنات الحية وحاجتها في أقل تقدير لكميات هواء تتنفسه لا يمكن لهذه العلب أن تتوافر عليه ومع المدة التي يقضيها طالب اللجوء في هذه العلب يوميا ومع المدة الزمنية التي يقضيها لسنوات تكون الرئتين قد أصابتها ظاهرة الانكماش (COLLAPSE)   المرضية وهو ما يقلل من نسبة الأوكسجين الواردة للجسم ومن ثمَّ يقلل من فعالية الجسم وغير هذا وذاك تنشأ حالة من الضَعْف والانهيار البدني والنفسي عند الإنسان ؛ إن الدور الحقيقي في مثل تلك الحالة لطرفي هذه الإشكالية هو وضع طالبي اللجوء موضع الحيوانات المعملية الخاضعة لمختلف التجارب التي يقوم بها موظفو إدارة المخيمات مثل (COA) ووضع جيش الموظفين موضع المراقب الذي يرصد النتائج والتغيّرات في موضع أما عن جهل وقلة دراية و حتى انعدامها أو عن دراية نسبية ولكن الوضع يظل بين أحد أمرين أما سماع الإجابة التقليدية عقب كل لقاء لطالب اللجوء مع الموظف (المختص) :وهي أنه لا يملك سلطة الحلّ!  أو أنّ هذا الموظف هو مجرد رقيب للحالة المعملية يقرأ المتغيرات ويرفع رؤيته للجهات المختصة وقد لا يرفعها .. مَنْ يدري في ظل ظروف التكتم والسرية في عمل هذا الجهاز؟! إذن المشكلة الحقيقية في الإسكان القسري ليس في وجوده المؤقت ولكن في امتداد الإقامة فيه لسنوات في وقت تمنع المواثيق والمعاهدات الدولية مثل هكذا أمر إذ تشير اتفاقية ضد التعذيب إلى ضرورة حسم قضية طلب اللجوء بأسرع وقت في إشارة إلى أبعد سقف زمني المحسوب بشهور محدودة كما حرّم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ممارسة العنف النفسي والبدني وهو ما يحصل في ظل امتداد فترة الإسكان القسري ..فإذا نظرنا إلى الأمر فإن الهارب من ضيم بلاده يأتي إلى ممارسة حقوقه الإنسانية وهو ما تعترضه الحالة هنا وتمنع فتجعل من طالب اللجوء كائنا خاملا تنهشه الأمراض النفسية فضلا عمّا تخلقه من صدمة تجاه كل ما يتعلق بكذبة حقوق الإنسان المزعومة في وقت لا يرى منها إلا استغلالا بدأ في وطنه وتواصل هنا في غربته حيث لا يستطيع الفكاك من رهن وقيد الإسكان القسري فلا هو بقادر على العمل رسميا ولا هو في ظروف صحية حسب طبيعة السكن ونتائجه الكارثية بدنيا ونفسيا وكل ذلك يؤدي إلى روح عدائي تجاه المجتمع الإنساتني ويجعله أبعد ما يكون عن مفاهيم الاندماج وقد يخلق عند بعضهم روح ممارسة الجريمة بأشكالها البسيطة والمعقدة.. فهل هذه هي الأهداف التي من أجلها وجدت هذه المخيمات التي تحولت إلى معسكرات للأمراض والأخطاء القانونية ومن المحتمل يمكن لمن يدرس الوضع أن يقرأ وجودا أو أرضية للجريمة؟ ولا عجب  في ذلك تحت طاحونة المدد القسرية المسترخية على صدور المعذبين في الأرض ليس لذنب أو جريمة اقترفوها سوى مطالبتهم بحقوقهم البشرية في أبسط أشكالها... إنّ هذه القراءة تنبع من كونها تعكس الحقيقة من داخل المخيمات وهي تلتقي مع المواثيق والمعاهدات الدولية الراعية لحقوق الإنسان ولهذا فإن المطلب الفوري المباشر الذي لا يقبل الجدل والمناقشة هو وقف تراجيديا القتل البطئ للقيم الإنسانية بل للإنسان نفسه فهذه جريمة إبادة بدنية ومعنوية نفسية سجلتها القوانين بوضوح لا يقبل اللبس وعلى المنظمات المحلية والدولية التدخل العاجل ومنع الاستمرار بالجريمة تحت سمعها وبصرها حيث تزور وفودها تلك المخيمات ؟! متجاوزة التعرف إلى الحقائق المأساوية التي تضمها جوانح معسكرات الاعتقال لا الإسكان من دون قصد ولكن طلب لقاء الموجودين فيها ضروري لقراءة الحالة على ما هي عليه فعليا!!! هل جرى هنا احصاء للأمراض البدنية والنفسية ؟ وهل جرى قياس متغيرات ما يجري عند طالبي اللجوء بخاصة في مفاهيمهم الاجتماعية والسياسية ومواقفهم تجاه المجتمع الإنساني في ضوء ما يتعرضون من إكراه وإجبار على الإقامة القسرية في علب الكارتون والصناديق الخشبية الضيقة  حتى على الكائنات المعملية.. ويظل أبسط سؤال هل من الصحيح والقانوني والصحي أن يقيم إنسان في هذه العلب لمدة تزيد على الشهور ولا نقول السنوات؟؟ وعسى أن تلقى مثل صرخات الاستغاثة الإنسانية هذه استجابة صادقة !وألا نعود إلى قراءة برامج مزايدات انتخابية لا هي تحقق مصالح المجموعة التي تزعم الدفاع عنها ولا هي تحل مشكل إنساني خطير ستكون ردود فعله إمعانا في مشكلات جديدة لجميع الأطراف.. 

 

 

1