الغناء العراقي

توطئة

 

في العراق وُجِدت أنواع كثيرة من ضروب الغناء الملحَّن بمختلف الأنغام الجميلة التي تولّد عنصر اللطف في نفوس أبناء البلاد؛ لما فيها من التناسب المحكم في أصواتها وألوانها. أما كلمات هذا الغناء فلها قوة ورِقة في التعبير والوصف بحيث لم نستطع أنْ نرى أو نقرأ شعراَ َ أو نثراَ َ في العالم أجمع مثلما ظل موجودا في الغناء العراقي، خاصة بالأسلوب الإنشائي البنَّاء...

وقد تنوّعت الأفكار التي تضمنتها الأغنية العراقية فمنها ما نظم في الحِكَم والأمثال لنصح الناس على ترك الرذائل والتمسك بالفضائل ومن الغناء ما نُظِم في الغزل البرئ وآخر لوصف الطبيعة وبيئة الإنسان وبعضه في شؤون الاعتقاد والطقوس الدينية والقيم الروحية وغيرها من الأغراض الاجتماعية والأخلاقية والوصفية التي تناولت إصلاح شتى نواحي الحياة...

ويُعدّ الغناء العراقي الأغنى في العالم فناَ َ وعمقا عاطفيا شجيا حتى أنَّ الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب كان قد قال فيه في إحدى مقابلاته:ـ  "كل الغناء العربي يدور في فلك الموسيقا المصرية عدا الغناء العراقي فيدور في فلك خاص به"...

أما أنواع الغناء العراقي فقد تميَّز مطربوه بغناء (المقام العراقي) باختلاف أنواعه وغناء (البستات) القديمة والحديثة، و (الأبوذيات) و (المربعات) و (العتابة) و(النايل) و (الركباني) و(المنولوجات) و(الموشحات) وأغاني الزفة ، الزورخانة، الجوبي (الدبكة)، وأغاني رمضان، وأغاني الأطفال، وأغاني المِحية (نسبة لليلة المقدسة في الطقوس الشعبية) والكسلات وأغاني الأعياد وغيرها...

ونحن نجد لكل مدينة عراقية ومجموعة لون غنائي يتقدم على بقية الألوان ففي مدينة الموصل نجد الأإاني الموصلية التي تحمل طابع الحدباء، ومما اُشتُهِر فيها السويحلي والليالي والمقامات الخفيف. وفي ضواحيها نجد غناء السويحلي ذا اللحن العاطفي منتشراَ َ بين أهلها انتشارا واسعاَ َ، وأن أكثر تلك المناطق شهرة بغناء السويحلي ما نجده في ناحيتي تلكيف وتل اسقف.

وفي مدن الدليم نجد غناء النايل والعتابة والهوسات والأهازيج الشعبية الأخرى. بينما نجد في كركوك تلونا وطيفا واسعا من الأغاني المنتمية لمجموع الطيف القومي والعرقي الأثني الذي يسكنها ومن ذلك نجد الأغاني التركمانية والمقامات الخفيفة مثل مقام (القوريات) والمخالف كركوك..

ويطرب المستمع العراقي لما يجده في السليمانية وأربيل ومناطق كردستان العراق من الأغاني الكردية القروية منها والمدينية، وأغاني الرقص الشعبي الكردي المعروفة...

وفي مدن عراقية أخرى زاهية بطرب أهلها وشجنهم نجد في جنوب العراق الغناء الريفي العربي الأصيل.. كالأغاني الريفية من أبوذيات ومربعات وموشحات وأغاني الرقص الشعبي العربي. ومن أعذب ما في هذا الغناء ما نجده في مدن الناصرية والديواني والكوت والعمارة.. أما في البصرة الفيحاء فنجد غناء المنكَّر وغناء الهيوة والأغاني الريفية وبعض المقامات العراقية بنمط البحارة... أما في محافظتي كربلاء والحلة فنجد غناء المقامات والأغاني الريفية المعروفة بأسماء تنتمي للمدينة وأعلام الغناء فيها...

وفي بادية العراق نجد الأغاني البدوية والأهازيج والأغاني الغجرية والحداء ومع الأسف الشديد فكل هذه الأغاني وألوانها مبعثرة هنا وهناك ولا معجم شامل يلمّها.

لذلك حاولت هنا أنْ أقدم هذه السلسلة من الحلقات حول الغناء العراقي عساها تسدّ بعض الفراغ في تسليط الضوء على الأغنية العراقية وإيصالها للقارئ العزيز والتعريف بأهمية الغناء العراقي في الموسيقا عامة.

وستكون الحلقة التالية مع أول لون من ألوان الغناء العراقي وهو المقام العراقي.. وشكرا.

 

الفنان

وسام أيوب العزاوي

                                                            رئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين في أوروبا

01/01/2005