ما يؤسِّس له دعاة البرلمان في العراق؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  01 \ 19

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

تسمية البرلمان العراقي لا تنطلق من فراغ, بل هي تأسيس للحوار والتشاور والمناقشة الموضوعية بغية تعزيز احترام الذات عبر احترام الآخر حيث تنتهي حريتي مع ابتداء حرية الآخر. والبرلمان العراقي منبر شعبي تتلاقى فيه رؤى التخصص مع رؤى العامة لترتقي بالتداولية إلى أرقى مواضعها وأسماها.. من هنا وجدت من المناسب أنْ أخصَّ هذا الموقع بتأكيد مهمات الأصوات التي تضع بصماتها فيه ومنه..

أما المهمة الرئيسة فهي تعزيز المشورة والتداولية وتبادل الاحترام حتى نكون سواء أمام بعضنا لا يعلو شخص على آخر ولا ينقصني عن صاحبي مقدار مليم صغير. وبعد الوسيلة هذه مباشرة لابد من تقديم الأفكار والرؤى وتواصلنا مع أصحاب الكلمة والسلطة في بلادنا معبرين لهم عمّا نعتقده الصواب في مسار الإجراءات التي يترسمونها في خطوهم من أجل غدنا..

ولأنَّ ما يجري الحديث عنه اليوم يكمن في رسم طريقنا إلى حكومة وطنية مستقلة وإلى تشريعات تتلاءم مع تطلعات فئات شعبنا لمسارات عيشهم.. كان لابد لتلك التشريعات ألا  يكتبها  طرف واحد حتى لو شكل هذا الطرف الأغلبية لأنَّ التشريع يمسّ الجميع ويحكمهم سواء بسواء. وليس من المنطقي أنْ تقول لصابئي أو أيزيدي عليك تنفيذ تعاليم دين آخر لأنّ الدولة لم تعترف لك بكتاب.. وليس لمسيحي أنْ يطالب مسلم بأنْ يتبع تعاليم دينه لأنّ العالـَمََ (المتنوِّرَ) اليوم بأغلبية مسيحية.. وليس لمسلم أنْ يطالب الآخرين باتباع تعاليمه والخضوع لها لأنَّهم في دولة أغلبيتها حسب الجنسية والتعداد مسلمة وليس لنا فرض طرف على آخر لأننا نتعامل مع تشريع يخص الحريات الفردية وعلاقات الأفراد ببعضهم بعضا وليس لانتماء فرد لجهة دلالة تقدمه أو تؤخره حسب أهمية تلك المجموعة أو ذاك الطرف..

والأنكى هنا أنْ نجد  طرفا سياسيا يطالب مجتمعا بأكمله وبكل تنوعاته ومكوناته الالتزام برؤيته السياسية لأنَّه من فئة تنتمي لدين الأغلبية فيُسقِط القدسية الدينية على تعاليمه السياسية وبرامجه. وحسب افتراضه تمثيل الرؤيا الدينية وعلينا الاقتناع بكونه الممثل للقدسية الإلهية لمجرد كونه يعلن ذلك ويراها في نفسه.. وهو بذلك يريد البقية أنْ تعتقد معه أنّه ممثل الدين والأغلبية الدينية وأقسى من هذا وذاك ادعاؤه تمثيل الله على الأرض!! ولا عجب من مثل هذه المخاتلة....

أقول لا عجب إذا سكت المثقفون وممثلو المجتمع المدني والبرلمانيون (على موقعهم) و (في موقعهم) أقصد بـِ (على موقعهم) على موقع الإنترنت المعروف بالبرلمان وكتّابه و (في موقعهم) أي في وجودهم الفعلي بوصفهم شخصيات مرشحة لنيل عضوية البرلمان الحقيقي.. ومن مسؤولياتهم توضيح الأمور وكشفها للعامّة.. ومما ينبغي تسليط الضوء عليه عدم ممالأة القوة الحزبية التي نميل إليها عندما تُخطئ وتتخذ قرارا لا يتلاءم مع مستهدفات شعبنا بفئاته وتنوعاته ومطامح كل القوى الشعبية..

لأنَّ البرلماني جهة تشريع حتى للحزب الذي ينتمي إليه وعندما يريد تمثيل حزبه يرسم هو التشريعات التي تعبر عن ذلك الحزب وتنسجم مع السقف الذي ينضوي مع الآخر المختلف معه أو المتفق. والبرلماني يسمو بنفسه عن ضيق الأفق لذا يتحمل المسؤولية لنصح أصحابه ورفاق فكره إذا ما تعجلوا موقفا أو قرارا أو إجراءَ َ؛ لذا ينبغي أنْ يحتاط لبرامج حزبه في أنْ تخضع للقوانين المرعية التي تتبادل الاحترام مع الآخر ويروضها لهذه الحقيقة حيثما اندفعت الانفعالية والحماسة لأنّه يمثل صوت العقل والحكمة وإلا فما شرطنا البديل للعقل والحكمة في عضو البرلمان الذي نعوّل عليه لوضع التشريعات التي تجمع المشترك وتلخصه لمصلحة العامة؟؟؟

وبالتأسيس على هذا التوصيف نريد التأكيد على ما جرى من معالجة لقانون الأحوال الشخصية قبيل مدة قصيرة.. حيث تمَّ كما هو معروف إلغاء قانون (188) جرت مناقشته طويلا قبل أنْ يوضع موضع التطبيق وهو على بعض الثغرات التي كان يُنتظر إزالتها وتطويره جُرِّب أكثر من أربعين عاما وكان خير قانون بل كان نموذجا تطلعت إليه دول أخرى في معالجة قوانينها وتطويرها باتجاه الأحسن والأفضل..

وعليه فكيف نقبل هذا الإلغاء الذي لم يستشر بصدده أحدا في الأمر وفي أقل تقدير المرجعيات والقوى الفاعلة في شعبنا؟ وكيف نتلكأ في معالجة الأمر وتشديد المطالبة الفورية بسحبه من أمام بريمر؟ وأية شرعية وما نوعها التي افترضها صاحب التوقيع على القرار 137   أو كيف يزعم صاحب الإمضاء العودة للتشريع الإسلامي وتمثيله له وهو يرفعه إلى السيد بريمر ليمضيه له؟؟؟!

ولكي لا ندخل في سجال غير موضوعي نرى هنا ضرورة التريث في كل ما يمس فئات شعبنا وحقوقهم في تقرير مصيرهم وفي اختيار النظام الذي يرونه الأنسب لهم وفي اختيار ما يتوافق مع مآربهم ومستهدفاتهم بالتراضي وليس بالفرض والإكراه..

فإذا أسَّسنا لمنطق المخاتلة والفرض ومنعنا قوانيننا وتشريعاتنا من أنْ تتضمن ما يحمي حقوق الأقليات ومكونات شعبنا جميعا فإنَّنا نؤسس لمتاعب لها أول ولكنها ليست بمنتهية وهي تضعنا بمواجهة اقتتال وصراعات عنفية تستنزف الأغلبية قبل الأقلية وما راحة بالنا إذا جاء قانون على هوى حزب أو حركة وكان قانون الحياة التي نحياها الأرق والتعب والأزمات والاقتتال؟؟؟

لنعمل أيها السادة البرلمانيون من أجل منع مثل هكذا إجراءات متعجلة مستعجلة وأنْ نؤكد المسار الديموقراطي الذي يحترم فيه العراقيون أنفسهم في احترامهم لبعضهم بعضا وفي المسؤولية المدنية الحضارية عن وضع تشريعات تلزمنا بهذا الاحترام لكي لا يكون منح حق طرف من أبناء العراق منحة أو هبة أو صدقة من طرف أكبر أو أقوى أو مَن له الغلبة والسلطة لسبب ما.. فهل من مشروع يوقَّع باسم البرلمانيين العراقيين يقول:ـ أيها السادة اسحبوا قانونكم هذا وقدموه للمناقشة والتداول والمعالجة واتركوه لزمنه المؤاتي وللتعديلات التي تقتضيه حسب أصوات أبناء شعبنا جميعا.. حينها سنستعيد ثقة شعبنا ويمكننا القول:ـ إنّنا بخير ونؤسس للبرلمان العراقي الصحيح ولمساره الموضوعي ونحن لسنا مجرد موقعا للنشر والمحاورات بلا جدوى ولا مردود وفعل بل تجمعا للبرلمانيين الذين يمتلكون الدور الفاعل في تقويم المعوج وتصحيح المنحرف وتصويب المخطئ.....

 

www.irqparliament.com

 

 

 

1