بروباغندا الخطاب الانتخابي والتضليل المتعمَّد!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

تنقلُ الأخبار اليومية مزيداً من الحملاتِ الدعائيةِ للحركاتِ والائتلافاتِ المشاركةِ في الانتخابات البرلمانية العراقية. ولعلَّ أبرز كثافة للخطاب الدعائي تمتلكها (ماديأً) وبشكل ملموس وبحصة الأسد (مالياً) هي لقوى الطائفية السياسية التي اعتاد المواطنُ على تبرقعها وتمظهرها باللبوس الديني الإسلاموي. وفي ضوء كثير من العلامات التي منحتنا فرصة تشخيص تلك الحملات اخترنا لعنوان مادتنا مصطلح (البروباغاندا) للتعبير عن جوهر تلك الحملات وقواها التي اطلع عليها المواطن وكشف حقيقتها.

أما معنى بروباغاندا الذي نوظفه هنا لتوضيح مرادنا، فيتمثل في تاريخه يوم كان يراد به بث المعلومات ونشرها، برؤية أحادية الممارسة ترى في مُطلقِها الصواب الكلي الشامل فتستبعد الآخر وتلغيه مصادِرةً حقهُ في الوجود. وعليه فالبروباغندا توجه رسائلها بغاية التأثير على  أكبر نسبة من الجمهور والسطو على إراداتهم ووضعها في خدمة طرفٍ عادة ما يحمل أيديولوجيا إقصائية تتبرقع بتمثيلها السلطة الإلهية الدينية، كما بأحزاب الطائفية السياسية التي تسيَّدت الموقف في البلاد طوال العشر الكأداء العجاف.. ومن أجل تحقيق تأثيرها وسطوتها تستغل إرسال معلومات ناقصة مبتورة ما يفضي بالنتيجة إلى تقديمها معلومات كاذبة؛ فضلا عن ذلك تستخدم كما أشرنا التأثير العاطفي الروحي؛ وهو في الغالب يكون (ديني الصبغة والمظهر). وهي في ضوء ذلك تنهضُ سياسياً بمهمة الترويج لوعودها الوهمية واقتصادياً تركز على مهمة الدعاية لبضاعتها منتهية الصلاحية سلفاً، وأخلاقياً تدعي مهمة التبشير الديني وتحمل مزاعم الإيمان متظاهرة به شكلياً بارتداء أزياء بعينها وبتحويل القيم السامية إلى مجرد ممارسات طقسية تستنزف الإنسان وتعطل إمكانات التفكير وإرادة القرار العقلي وتشلّ فرص احتكامه إلى الحكمة والرشاد بمنعها فرص العرض المعرفي للقضايا.

وبمراجعة ما يجري من خطابات القوى السياسية التي أدارت الحكومة في الدورات الانتخابية المنصرمة سنجد أنَّ مصطلح (العشر العجاف) هو أفضل صورة لتراجيديا تلك الأيام المرّة وعذاباتها وأوصابها بل كوارثها التي تركت المدن العامرة خراباً والأرياف المعطاء أرضاً يباباً، بل كاد رافدا العراق يجفان ولا تفاعل يُنهي مسلسل جرائم (الطائفية، الفساد والإرهاب) ومآربها وغاياتها..!!!؟.

وبقراءة عجلى لخطاب رئيس قائمة دولة القانون وحملته الانتخابية وهو رئيس (مجلس) الوزراء، سنجد أن تلك الكتلة هي مَن تعمد عرقلة إقرار الموازنة مع اتهام الآخرين بهذا والتظاهر بأنهم يريدون إقرارها فيما يجري افتعال أزمات العرقلة حتى تأكد المواطن عياناً بأن أعضاء هذه الكتلة هم من وقف خارج قبة البرلمان كي لا تتم إجراءات الإقرار؟ ومثل هذا من قبل كان تعمّد اصطناع ظروف كي يبدو أنه الطرف الذي تقدم بخطة البنى التحتية وأنّ الآخرين هم الذين يرفضونها!؟ ورئيس الكتلة يكرر هذا الخطاب الأحادي في محاولة لطمس أية فرصة لظهور الحقائق ووصولها إلى المواطن وهي صيغة البروباغاندا وآلية اشتغالها وإدارتها عمل خطابات الادعاء والزعم تضليلا ومخادعة...

وللتأكد من مجافاة الواقع لمادة البروباغاندا المعروضة لنتذكر أنه على الرغم من دولته [ومعه كتلته] قد انفرد بمطلق الصلاحيات في الحكومة وبات يمارس مهامه بصفة رئيس وزراء يحصر الصلاحيات بين يديه لا رئيس (مجلس) للوزراء يقوم على الشراكة في اتخاذ القرار؛ وعلى الرغم من أنه حصر به شخصيا، طوال السنوات المنصرمة، مسؤوليات أبرز وأخطر الوزارات السيادية والأمنية والعسكرية مثلما هو حال وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات؛ فضلا عن مصادرة صلاحيات العمل بالوزارات الأخرى والهيآت المستقلة التي انتزع استقلاليتها ووضعها جميعا بين يديه وأيدي مكتبه وشخصيات من كتلته؛  حتى وصل الأمر أدنى مستويات المسؤوليات في إشاعة فلسفة الأحادية في السطو على المؤسسات والمنظمات، بطريقة تذكرنا بنهج التبعيث زمن النظام المهزوم والأخونة في مصر وأشباههما... على الرغم من كل ذلك فهو يطلق ((بروباغاندا)) أن يسانده الناخب ليشكل (حكومة الأغلبية) كي ينفذ وعوده..!!!

 والسؤال ما الذي منعه من تنفيذ أصغر من تلك الوعود في ظل سلطة تمركزت طوال السنوات العشر العجاف بين يدي كتلته وحزبه بل بين يديه شخصياً؟؟؟ ألم يكن فعليا هو الحكومة بكل الصلاحيات المطلقة بين يديه شخصيا؟ ماذا ستعني حكومة الأغلبية التي يتحدث عنها غير تلك الصلاحيات المطلقة التي حصدها طوال العشر العجاف مستبعدا الآخرين مقصيا إياهم لينفرد بالعمل وينتقل من فشل إلى آخر من دون استفادة من تجربة أليمة ومن دون النظر إلى تضحيات مريرة تحملها الشعب ومن دون أخذ عبرة من الخراب أو درس من الكوارث طوال تلك العشر البلاء!

وبالأمس، أوردت الأخبار خطابات دولته، يَعِدُ بمليون (مسكن) مجاني..! وسؤالنا لماذا لم يقدم ألف مسكن مجاني فقط لا غير هدية رمزية لسكنة العشوائيات من الفقراء طوال (العشر العجاف)؟ ومن يضمن تحقيقه مثل هذه الوعود (الوهمية) غير المكتوبة على ورق وغير الملزمة له يوم يصير بدفة المسؤولية من جهة إمكانات تنصله بذات الطريقة التي يتنصل بها اليوم من خطة بناء البنى التحتية بإلقاء التبعة على الآخرين!؟

ما الذي يجعل هذا الوعد يمتلك المصداقية، ولا يكون وهماً زائفاً مثل سابقاته من الوعود الوهمية التي لم يقف المواطن عند أوضاع عدم تحققها بل انحدرت أوضاعه به نحو مآسٍ وفظاعات أخرى حملها على كاهله!!؟

لعبة الوعود الوهمية، هي لعبة (البروباغاندا) في محاولتها التأثير على المواطن وكسبه؛ بالتأثير عاطفيا عليه من دون تقديم أية دراسات موضوعية منصفة صادقة. وهي وعود لا يدعمها سوى هذا القسم والحلف بأغلظ الأيمان استغلالا لمعتقد المواطن ولتضليله كيما يبقى رهن الأسر في خانة التصويت لهذا الطرف الذي يغرقنا بتسويق جديد لكثير المزاعم والادعاءات، في ذات الوقت الذي فشل فيه في تلبية أيّ من وعوده السابقة حتى أنه أخفق في ضمان سلامة الناس وصحة ظروفهم وحوّلهم إلى حطب لنيران معاركه الطائفية السياسية!

وهو أبعد من ذلك لا يني ولا يتردد عن توكيد اختلاقه بعبع التهديد الطائفي ليظهر بمظهر الحارس المكين المدافع عن طرف طائفي يدعي الانتماء إليه وهو ليس سوى أحد جناحي أركان حرب الطائفية وتمثيليتها التي تعادي أتباع الطائفتين من المؤمنين بمذهبين لدين واحد يجمعهما ويرفض التفرقة بينهما ويلزمهما بالإخاء والتعاون على قيم الخير والسلم وأنسنة وجوده وإعمار بيئته لا تخريبها وتعريضها للخراب.

إذن، واستنتاجا من التجربة الواقعية العملية المعاشة، فوعد بناء المساكن وتوزيعها بالمجان ليس سوى زراعة أوهام، للحصول على أربع سنوات أخرى من العبث والتخبط الذي أثبتته العشر العجاف حتى رأينا فيها المرأة التي تحيا في غرفة من الصفيح وإطارات مستعملة لا تقيها من حر ولا تحميها من مطر ولا تمنع عنها ريح ولا اعتداء وحش بمظهر آدمي ولا وحش حيوان جائع!! ونحن نرى بوجه العموم، أزمة السكن وتداعيات الأمور الخدمية فيها وحواليها حتى انهارت البيئة المدينية والريفية برمتها!!

ومن بعد، نتساءل وقبلنا المواطن المبتلى: أية وعود للبناء والعمران، وقوانين الاستثمار والحراك الاقتصادي الزراعي والصناعي في أسوأ حال؟ والتجربة تؤكد أننا لم نجد أية ردود فعلية طوال السنوات العشر العجاف على قطع عشرات الروافد المائية وتحويل مجاريها والتحكم بمنابع الأنهر ودفع أمواه ملوثة بالفضلات الكيمياوية والنووية كما هو الحال فيما أُرْسِل بمجرى الكارون المجفف نحو البصرة! والشط والهور!!؟

وأية مصداقية، يمكن الاطمئنان والركون إليها ولعبة داعش تتكشف في تجولها بين محافظات البلاد من دون رادع؟ وأية مصداقية والأمور تجري بطريقة الاستغلال والتوظيف الطائفي لجريمة وآثارها الواقعة على المواطن؟ وأية مصداقية والفشل تلو الآخر يصيب سياسة وزارات الدفاع والداخلية بسبب إدارة مركزية لا تعتد برؤى الآخر ولا تسمع له صوتا ولا تسمح له بمشاركة في التصدي لظاهرة الإرهاب التي تستفحل مستغلة أشكال الفشل من جهة وربما أشكال الثغرات والخروقات والتواطآت أيضاً!؟

وبالمختصر المفيد؛ فإن وعود بناء مليون مسكن وتوزيعه مجانا! والوعد بأمن واستقرار وببناء صناعة وزراعة ومحو بطالة وفقر وتخلف! إن هي إلا وعود وهمية ينفضح وهمها وخداعها وتضليلها من تجاريب الأمس واليوم.. فلقد توافرت لأصحاب هذه الوعود سلطة كاملة انفردوا بها طوال المدة المنصرمة. وفعليا تمَّ اختزال حكومة الشراكة بحكومة محاصصة معطلة الصلاحيات فيما امتلك رأسها كل الصلاحيات وحصرها بين يديه ويدي مكتبه؛ كما امتلك موارد مالية خيالية فاقت ميزانيات دول إقليمية فقيرة بمواردها ولكنها كبيرة بمنجزها.. وأكثر من 700 مليار دولار وأرقام فلكية أخرى دخلت الميزانية وليس من مخرجات سوى جيوب تنتفخ وأرصدة في البنوك الدولية لأفراد ينهبون ويفرون بلا حسيب ولا رقيب، بينما أبناء السماوة تصل نسبة الفقر عندهم حد 89% وليس الآخرون بأفضل منهم حالا!!!

أية وعود بالأمن والأمان وإخفاق الخطط الأمنية جلي واضح من معايشة المواطن لخطر حرب الإرهاب في كل يوم وساعة! من منع دعاة حكومة الأغلبية من توفير الجهد الأمني وزعيمهم المسؤول الأول والأوحد عن هذا الملف!؟؟ أليس هو وزير الدفاع والداخلية والمخابرات وكل الأقسام الملحقة بها؟؟؟

أية وعود  بالسكن اللائق والصحة وببيئة خضراء صحية وملايين العراقيات والعراقيين يقطنون الأكواخ والمنازل المتهالكة ويحيون وسط بيئة خربة ويزعمون – في سخرية من عقل المواطن - أنَّ صخرة السيد عبعوب هي التي منعت الصرف الصحي في واحدة من أكبر عواصم المنطقة والعالم!!؟؟؟ والمستشفيات منتهية الصلاحية كتلك الأدوية التي حملت إلى العراقيين فيروسات الأيدز وأمراض السرطنة وغيرها من دون أي تكفل بعلاج؟؟؟

أية وعود بالتعليم وثلث الطلبة يتسربون من المدارس وثلث يصل بلا مستويات علمية تتناسب والجهد العلمي المنتظر في الجامعات وثلث آخر لا تستوعبه تلك الجامعات التي باتت خاوية من مصادر المعلومة الأبسط! دع عنك النظر إلى مدارس طينية وأخرى من جريد النخيل المتيبس وغيرها من المتهالكة المتداعية ولا تنس عشرات آلاف الطاقات العلمية والعقل العلمي في المهاجر معطل عن بناء الوطن ومبعد عن خدمة الشعب!!؟؟؟

أية وعود بزراعة تعيد البلاد إلى عهد كانت فيه أرض السواد من كثرة غاباتها فيما تتقلص بقايا الملايين العشر من نخيلها نحو أرقام هزيلة غير مثمرة غير منتجة ويضمحل التشجير حتى يكاد ينعدم ولا أساليب للمعالجة ولا أرادة للتغيير حيث تُنتهك حصص العراق المائية بلا رادع وتبور الأرض بلا اهتمام ويجري تجريف البساتين بقوانين تديرونها وتشرعنون لها!!

الخطط والبرامج المنتظرة والبديل الذي يأتي بالحل، ليس (بروباغاندا) لقاءات جماهيرية يجري التجييش لها بالمال السياسي وبالتضليل وبالاتكاء على جلباب يرتدونه أو طقسيات يصطنعونها، ولكنها إرادة عمل وقدرة على التنفيذ وتحمل المسؤولية الوطنية وإمكانات إدارة بمستوى رجال دولة وتجاريب غنية تؤكد النزاهة لا الفساد  مثلما تؤكد المصداقية والكفاءة لا المراوغة والتضليل ولهذا فإنّ الجديد في خطاب الطائفية يكمن في بروباغاندا العداء للوطن وللشعب فيما يُضمره هذا الخطاب وادعاء التصدي للمسؤوليات فيما يعلنه، فهل من اتعاظ وانتباه لخطورة التغافل عن مخاطر الاستماع للتضليل والمخادعة والخضوع لتأثيرات معسول الوعود والعيش بوهم جديد آخر لأربع نضيفها لكوارث العشر العجاف؟ أم سنتجه إلى قوى الخير والسلام التي تسعى لعراق ديموقراطي فديرالي يحترم مكوناته ومواطنيه ويساوي بينهم ويهتم بوضع خطط البناء في بغداد والبصرة كما الشمس الكوردستانية ساطعة في أربيل بمسيرتها نموذجاً فريدا للتقدم؟؟؟