مخاطر فرقعة بالون مغامرة بمقاصد انتخابية في ضوء هزيمة آليات خطاب الطائفية السياسية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

 

ما يحكمُ الأوضاعَ الراهنة، عراقياً، يتجسَّدُ في ارتفاعِ صوت الصراع الانتخابي ومحاولات بعض الأطراف تأزيمه ودفعه نحو أقصى درجات الشحن؛ الأمر الذي تشتد حِدّتُهُ: مع اقتراب الموعد المفترض المحتمل ومع تصاعد قلق قوى الطائفية وما تراهُ من تراجعِ مكانها ومكانتها أمام قوى بناء الدولة المدنية.

ولعلَّ استقراءَ طريقةِ تفكيرِ تلك القوى وإمكاناتِها الفعلية على إدارةِ الأزماتِ وأسلوب تعاطيها مع الآخر، ومع البدائل والحلول؛ يدركُ أنَّ تلك القوى يمكنُ أنْ تنحدرَ باتجاهِ منزلقاتٍ خطيرةٍ ربما تنفلتُ بسببها الأوضاعُ إلى درجة المغامرة والمقامرة، التي ربما ترتكبها عناصر لا تمتلك الكفاءة على ضبط تفاعلاتها!

إنَّ المواطن المغلوب على أمره، المبتلى بكل إفرازات العشر العجاف، قد رصد خطابَ دجلِ قوى الطائفية السياسية وتمظهرها وادعاءاتها التي صارت اليوم تسرق خطاب القوى الوطنية زاعمة بذلك سعيها لمكافحة الفساد المستشري في ظل سلطتها حتى صار طابعاً متجذراً فيها وهي قوى تدعي محاربة الفقر الذي اتسع عمودياً أفقياً كما تواصل ادعاءاتها بالحديث عن توجهها نحو معالجة البطالة!؟

ولكن ما يطفو من خطاب تلك القوى الحاكمة لا يعبر عن أكثر من حال الازدواجية في طابع خطابها ذاك. فهي قوى تتضخم بجوهر مارَسَ ويمارس استغلال المال السياسي من الرِّشى حتى محاولات شراء الأصوات مروراً بألاعيب وعود وهمية من قبيل الوعد بـ(حلم) توزيع السكن المجاني، مما لم يُنجز منه ولا حتى أبسط أرقامه وأكثرها تواضعاً طوال مدد حكم تلك القوى! ومن الطبيعي أنْ تؤكد هذه الازدواجية، صواب تشخيص المواطن لحال (الانفصام) بين واقعه وحقائقه المريرة من جهة وكذب خطاب مَن حكم بغداد في سنوات الجمر والعذاب طوال عقد من الزمن!!

ومع ذلك فما زال بعض المواطنين بحيرة ولم يحسموا أمر تصويتهم وخيارهم بين شخوص عُرِفوا إعلاميا بسبب وجودهم في سدة مسؤولية لم ينجحوا بإدارتها وبين آخرين لم يكن لهم حضور إعلامي في المدة المنصرمة وأُبْعِدوا من سدة المسؤولية؛ وعلى الرغم من تلك الضغوط النفسية المركبة التي يتعرض لها هذا المواطن حتى لا يخرج عن أسر قوى الطائفية ولكي يبقى في حدود تناقله بين حضائر قوى الطائفية السياسية وأفلاكها،

على الرغم من كل ذلك فإنَّ مخاطر مغامرات بعض الزعامات،اليوم، باتت تعلو بسبب تنامي وجود القوى الوطنية الديموقراطية شعبيا جماهيرياً وشعور تلك (الزعامات) من أنّ أوان رحيلهم قد أزف الأمر الذي أشَّره ارتفاع صوت المواطن لصالح قوى التغيير المدنية بما وصل نسبة 35% حيث حسم هؤلاء أمرهم للتصويت للتحالف المدني الديموقراطي مع نسبة أخرى فكَّت ارتباطها بالتيار الطائفي السياسي وهي على الرغم من حيرة في الاختيار حتى اللحظة،  تبقى في استعداد لحسم أمرها باتجاه البديل الوطني باني الدولة المدنية، ما يعزز قلق قوى الطائفية ويدفعها لاستغلال خطوتها العنفية ورقة أخيرة.

في ظل هذا التغيير الجاري في الاستعداد الشعبي لاختيار البديل وإنهاء سبب مشكلات الشعب وابتلاءاته وعذاباته وأوصاب يومه العادي؛ ومع إفلاس خطاب الازدواجية التضليلي للطائفية السياسية وفشله في أسر المواطن ومع عدم التمكن من الضحك على عقلية خبرت الحقيقة وعاشتها يوميا؛ مع كل هذه الإخفاقات التي تعرض لها خطاب قوى التأسلم السياسي فإنَّ ما تبقى لهكذا قوى تعتمد فساد المال السياسي والبلطجة العنفية ليس سوى احتمال اندفاعها باتجاه مغامرة (عنفية) خطيرة بحجمها.

ومن الطبيعي ألا تكتفي بالبلطجة التي تنال من أعضاء المجتمع بصيغ فردية، ولا حتى بصيغ التهديد بالبعبع المختلق المصطنع (طائفياً) بل يُحتمل أن تتجه لمقامرة بالوضع العام برمته. بمعنى أن تدفع لارتكاب فعالية إجرامية بحجم نوعي يُظهرها بصيغة استعراضية بطولية تكتسح فيه ذهن المترددين وتحاول أن تبرهن لهم أنّ البعبع الذي يحمله خطابها ليس وهماُ وأنها الحارس الوحيد في الظرف الراهن!!

وتلك القوى باتت تفتعل مزيد الشحن السياسي القومي من جهة في استهدافها الكورد وكوردستان وقيادتها، والشحن السياسي الطائفي في استهدافها وحدة عرب العراق المسلمين من جهة أخرى. وكل هذا الشحن لا يكفي تلك القوى التي تدفع نحو حافة الشحن للتهيئة لورقتها الأخيرة في المقامرة في لحظة مختارة.

طبعا هذه السياسة محاطة أيضاً بهالة من بروباغندا تعترف بالانفصام عن الواقع، ولكنها تتمظهر بأنّ هذا الواقع هو ما يفرض لغة الطائفية والتمترس وراء حمايات من هذا الطراز وأبطاله! فيما تحاول التخلص من نتائج انفضاح طابع خطابها المنفصم عن الواقع بإلصاق تهمة الانفصام بالبديل المدني الديموقراطي بتصوير كونه لا يرى استفحال الطائفية بحديثه عن البديل الوطني وبأنه لا يحترم الديني بطرحه البديل المدني.

إذن هذه اللحظة، ملأى بغبار التضليل؛ من جهة: منعاً لأية فرصة للرؤية السليمة ومن جهة أخرى لتحضير بيئة مناسبة لاحتمالات لجوئهم للمغامرة المحتملة.

وعليه، فالمواطن العراقي اليوم يتوجس خيفة من تعرضه لتلك الهزة التي تقع بين اختلاق هزة سياسية راديكالية عميقة الغور في جيوسياسي الوضع العراقي، وبين إيصال الأوضاع لمستوى فعالية عنفية خطيرة تقامر بالعراق ووجوده في دولة وطنية منذ حوالي القرن في عصرنا الحديث!

إنّ عمليات تصوير الوضع وكأنه يمارس التهدئة وإظهار حال السكون هو تمظهر بصيغة وضع يسبق العاصفة، فيما لم ينقطع إعلام تلك القوى عن ضخ الأخبار بشأن أعمال إرهابية لقوى مرفوضة شعبياً، وبذات الوقت، يجري فتح المجال واسعاً بأشكال من فعاليات لوجستية تمنح تلك القوى فرص الحركة المنظورة ربما التي تهيئ للمغامرة المقامرة التي نشير لاحتمال ممارستها!

ولمزيد من تفاصيل الصورة المثارة اليوم، نشير إلى محاولات (بعضهم) تصدير العنف، وإنْ بقي فردياً أو ضيقاً ومحاصراً، باتجاه كوردستان أو تحضير مناطق عراقية بعينها لتفجرات تلك المقامرة.

على أننا هنا نؤكد أنّ المفردات ليست جميعها بأيدي قوى الطائفية السياسية. ففي كوردستان نلمس بوضوح ارتفاع الوعي وإدراك الكورد أن وجودهم في البرلمان العراقي يلزم أن يكون موحد المنهج والهدف؛ وأن الممارسة الانتخابية تقوم على قوة الإيمان بصواب الهدف كما يحملون الإيمان الأكيد بالجهد الوطني العراقي القائم على تحالف مكين مع قوى بناء الدولة المدنية وهو التحالف الذي خبرته الظروف والمنعرجات المعقدة الصعبة.

إنّ هذا التحالف الوطني غير المكتوب والمستند إلى وعي شعبي بمجريات الوضع هو الأداة الأبرز في التصدي لاحتمالات المغامرات بفعالية قد تؤدي لإجهاض الاتجاه لموعد الانتخابات.

لابد هنا إذن، من التوكيد على خيار سليم واحد للشعب العراقي ممثلا بخيار العملية السياسية والأداء السلمي ومنع الانجرار للمغامرات العنفية وبالتأكيد التوجه نحو الانتخابات بقصد التغيير بثورة سلمية على تردي الأوضاع  وتدهورها. ولكن المشكلة ليست في خيار الشعب وتوجهه السلمي فقط، إنما فيما يُفرض على واقعه من منطق العنف وآلياته عبر الميليشيات وطريقة توظيفها والتعامل الميداني معها.

إنّ النتيجة المتحصلة، تتمثل في أن الخيار السلمي الذي يتمسك به الناخب العراقي طريقاً للحل ولاستقدام البديل، إنهاءً للمعاناة ولجملة المجريات الكارثية؛ ينبغي له [أي لهذا الخيار(السلمي)] أن يدافع عن وجوده أولاً وأخيراً بكشف أية ألاعيب مفترضة محتملة والاستعداد الكافي لمنع الوقوع تحت تأثيرات أية احتقانات يُحتمل افتعالها سواء من الشحن السياسي الراديكالي أم من الفعاليات العنفية والهزات التي تصطنعها، بما يصور أحدهم بطلا أو طرفا بأنه المنقذ فيما اللعبة جاهزة لاندفاعة أخرى من التمسك بكرسي السلطة على حساب حيوات الناس ومصالحهم وحقوقهم.

وينبغي أن يرتقي الوعي العام إلى أننا لا يمكن أن نطلب من طرف أو مكون عراقي أن يضحي نيابة عن عربه بشيعته وسنته بل ينبغي لعرب العراق أن يتفكروا عميقا بروعة النموذج الكوردستاني وأن يتأكدوا من أن اختيار قوى الطائفية وإهمال قوى التحالف المدني الديموقراطي اليوم خوفا من التغيير أو ترددا منه أو خضوعا للتضليل أو خنوعا لابتزاز سيصيبهم والعراق بمقتل لن يقوموا منه إلا ركام كانتونات محتربة منهكة بلا أنسنة لهذا الوجود.

إن التوجه نحو الانتخابات، يقول إن صوت عراق جديد في الأفق، لكن هذا لا يكفي مقابل ما نعرفه من احتمالات اندفاع قوى الطائفية نحو مغامرات وهزات جيوسياسية تقامر بالعراق الفديرالي وبالعراقيين ومصائرهم. من هنا على العراقية والعراقي أن يتأكدا من خيارهما الانتخابي للتغيير لا يتم إلا من خلال بديل نوعي جوهري مختلف وليس بإعادة اختيار ذات الحركات التي ربما يتقدم اليوم بعضها بوجوه جديدة محسنة مزوقة وطبعا ذلك بقصد التضليل لمواصلة أسر المواطن في منطقها الطائفي السياسي المريض!

فهلا توخينا الحذر من احتمالات تلك الفعاليات التي لن تبقي ولن تذر بل ستقامر بكل شيء مقابل تلبية مطامعها ومآربها المرضية الخطيرة؟ وهلا تذكرنا أن مجيء البديل النوعي من بناة الدولة المدنية لن يكون ثأرا أو انتقاما من أحد بل سيكون من مصلحة الجميع حيث السليم يمضي قدما بمهامه البنائية والمريض يُشفى مما أصابه والمتردد يحسم أمره في طريق البناء والتقدم وتلبية محددات السلام والديموقراطية وعراق ديموقراطي فديرالي يلبي مطالب الشعب بكل مكوناته وكل تطلعات أبنائه.

ولْيُنهِ حذرنا ووعينا أيَّ احتمال للمقامرات والمغامرات ولينتصر خيار الشعب للبديل المجسد بقوى التغيير وبُناة الدولة المدنية بالتحالف بين قوى الحراك الشعبي الديموقراطية وحاملي ألوية التنوير بكوردستان الشامخة ببنائها المدني الديموقراطي المشرق.