أعياد التنوير والحرية والسلام

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

احتفلت وتحتفلُ شعوبُ كوكبِنا بأعيادٍ وطنيةٍ وأخرى أممية كبيرة. ولعلَّ احتفالاً بعيدِ الصحافةِ الكوردستانيةِ يبقى واحداً من الأعيادِ المهمةِ ليس للشعبِ الكورديِّ حسبْ بل لمجموعِ الشعوب التي مازالت لا تنتظم في دولةٍ مستقلة كما هو تطلعها للانعتاقِ والتحرر. إنّ عيدَ الصحافةِ، بوصفِها السلطةَ الرابعة وبوصفِها مدرسة المعارفِ ومفردات التثقيف، هو عيدُ التنويرِ وإعلاءِ شعلتِهِ ووضعِها في هام الجبال فخراً واعتزازاً وتوكيداً لنهج التنويرِ ومهمةِ إزاحةِ الظلام والأميةِ والجهل، ارتقاءً بالمجتمع وتقدماُ به لآفاقٍ جديدةٍ من التحضرِ والتمدن. وهكذا يظل الاحتفالُ بعيد الصحافة بامتداداتٍ لإشعاعات تنتشرُ بمحيط كوردستان وفي منعرجات جغرافيا مسيرة البشرية بمختلف بلدان العالم وشعوبها التي تشارك كوردستان عيدها بالعقد الثاني من القرن الثاني من عمر صحافتها. ونحن هنا نشيرُ أيضاً إلى الدور الاستثنائي الذي لعبته الصحافة وتلعبه اليوم في التعريف بآليات ترسيخِ قيم الدولة المدنية وربط بُناة هذه الدولة بالشعب عبر هذا التعريف بالإشارة إلى القيادة الكوردية في كوردستان والقوى المدنية الديموقراطية عراقيا وهو الدور الذي سينعكس اليوم في خيارات الشعب وقواه الحية التي خبرت عمليا العشر العجاف ومعاناتها فيها وتعرَّفت إلى الأسباب من تجربتها ومن حملات التنوير والتوعية التي نهضت بها الصحافة وعيدها الأغر.. نتطلع هنا لتوكيد التوجه للاحتفال الكرنفالي الجماهيري بهذا العيد سنوياً؛ في علامة لمدنية المؤسسة الرسمية واستعدادها لتكون أرضية الدولة المدنية الحرة المستقلة، في كوردستان الأمر مؤكد وفي العراق بانتظار حسم الصوت المدني لخياره وتحقيق التغيير والمجيئ بالبديل المؤمل.

وتلك الأعياد، هي وليدة التمدن وحضارة عريقة وُلِدت مع ولادة دولة المدينة منذ كاوة وثورته حتى مهاباد ودولة الحرية والشمس ومنذ  امتدادات دول سومر الحضارة حتى انتفاضات الحرية اليوم من أجل استعادة الجهد الحضاري المميز؛ وها هي (الأعياد) تترسخ مع زمن حضارة الألفية الثالثة والمستويات التي بلغتها تطوراً وتقدماً.

ومن أبرز الأعياد التي تحل في الغد هو عيد العمال الذي صار احتفال فرح ومسرة بالانتصار لإرادة بُناة الخيرات وإنتاج الثروات وتلبية مطالب الإنسان في وجوده. وهذا العيد الأممي يُحتفى به كوردستانيا حيث أقل نسبة للفقر وأدناها، بما يهيئ للتخلص منها نهائيا مع ارتقاء فعاليات شغيلة اليد والفكر وتقدم مستويات المعارف والعلوم التي يختزنونها بفضل ارتقاء مميز بالتعليم بأشكاله وبتنوعات نظمه والتحاقها بنظم التعليم المعاصر بأحدث مضامينه وبرامجه، وبفضل سيادة فلسفة ثقافة التنوير الساطعة..

إنّ عيد الشغيلة الأممي ليس يوماً عابراً بقدر ما هو علامة للتجاريب الإنسانية، تستعيد أوصابها وأسباب ما حلّ بها يوماً كيما تتجه للبديل التنويري الأنجع الذي ينعتق بها من أية قيود. ولو لم يكن العيدُ تعبيراً عن قناعات الشعوب وأغلبيتها الفقيرة، ولو لم يكن تعبيراً عن انتصار إرادة الحياة الحرة لما بقي حياً يُحتفى به حتى يومنا، على الرغم من أشكال القمع التي صادفها من نظم الاستغلال.

وفي بلادنا ببغداد زمن عقود الطاغية وزمن العشر العجاف كان القمع على أشدِّهِ وإنْ تعددت الصور والأشكال! لكنّ كوردستان الحرة تعلو برايات العيد بقوى التحرر الكوردية وبقوى الديموقراطية والمدنية والتنوير لتؤكد تلاحما راسخاً بين شعب كوردستان وقيادة التحرر القومي وقوى الانعتاق الطبقي وتلبية مطالب الفقراء وتطلعاتهم في دولة مدنية سواء بالإطار الفديرالي أم بإطار التطلعات حيث الحرية والاستقلالية ودولة كرامة الناس وتلبية حقوقهم وحرياتهم. إنّ عيدَ العمالِ يظل علامةً لتمسك البشرية بقدسية العمل وبصواب الاهتمام بمنتجي الخيرات وحتمية الاستجابة لجهود بناء تمدننا الإنساني ومن يمكنه بحق أنْ يُنهي زمن التوحش وقوانين الغاب إنسانياً.

وكم هي كبيرة حال اللقاء بين يوم الانتخاب الذي يجري الآن لتتجه قوى الشعب لاختيار قوى التنوير والتمدن وتؤكد رفضها قوى الظلام والتضليل والدجل، وتعزز فوز الأمس القريب بفوز جديد؛ إذ ينضم هذه المرة إلى التصويت ملايين الكورد من خارج كوردستان في الإطار الفديرالي ليضيف فرصاً أخرى لتأثير ساطع لخيار الكوردستانيين للدولة المدنية وليس إعادة من خلق عراقيل العشر العجاف بكل ما حل بالمواطن في العراق الفديرالي من ضيم وظلم.  وإذا كان الصمت وسلبية الموقف واليأس قد حاق بحوالي نصف المجتمع الفقير بظروف عدم تعرفه إلى البديل بالأمس، فإنّ قوى الشعب بخاصة من الفقراء، من شغيلة اليد والفكر، سيتجهون إلى صناديق الاقتراع ليغيروا بأنفسهم الاتجاه ولتأتي البوصلة باتجاه مدنية الدولة، باتجاه بنَّائيها، وتلكم هي الصورة الأكثر جوهرية والأعمق في تغييرها النوعي باتجاه البديل المدني الديموقراطي وحلفائه قوى التحرر الكوردستانية ورجالات الدولة الأغنى تجربة باتجاه سلامة المسار.

العيد الثالث من بين جملة أعياد مطلع مايو آيار هو عيد الحرية؛ وانتصار البشرية بقيادة قوى الديموقراطية والتحرر، قوى السلام والتقدم على الفاشية وجرائمها وعلى قادة الجريمة الأكبر في تاريخ البشرية. إن هذا التاريخ الذي شكَّل علامة فاصلة في التاريخ الحديث سيبقى العيد الأبهى الذي تُقرع فيه أجراس القدسية تُنذر من مخاطر عودة المجرمين إذا ما تساهلنا اليوم ولم نشارك باحتفالية تنبهنا على الجريمة الأبشع ومحاذير سلبيتنا التي قد تُفسح مجالاً خطيراً للمجرمين! وشعب كوردستان وشعب العراق يتذكر بصورة أحدث جرائم الإبادة الجماعية بأشكالها التصفوية منذ طاولت المذابح مسيحيي البلاد في سوميل ثم جريمة الفرهود التي طاولت يهود العراق لتتوّج بسبب الثغرات والسلبية وغيرها من الأسباب بأكبر جريمة إبادة جماعية ممثلة بـ(جينوسايد الأنفال وحلبجة) التي طاولت الكورد!! ما يتطلب التوكيد اليوم على واجب الاحتفال بعيد قرع أجراس الانتصار على المجرمين الفاشست وعلى النازية وفكرها الغابوي الإجرامي والاحتفال بالانتصار على نظام الطغيان الفاشي في بلادنا مؤكدين عراقياً على رفض ما جرى في العشر العجاف من محاولات إعادة العجلة نحو الانفراد بالسلطة وتعكز قوى الطائفية السياسية على عدم نجاح الشراكة الوطنية وادعاء تلك القوى عجز الوحدة الوطنية  وإلقائها اللوم على كل ما هو وطني في العراق الفديرالي الجديد زيفاً وتضليلاً!

بمعنى أن يكون الاحتفالُ بالانتصار على الفاشية، مثلما هو احتفال أممي، احتفالا وطنيا عراقيا واحتفالا كوردستانيا بالخصوص لأن الانتصار على الفاشية يتجسد أيضاً عندنا بالانتصار للشعب الذي عانى من ويلات حروب نظم الفاشية وأخطاء وربما جرائم تريد استعادة تلك المرحلة بطريقة المراوغة. ولن ينسى شعب كوردستان ولن يمحو من ذاكرته الحية تلك الأيام المدلهمة السوداء بخطوبها وجرائمها، و ردّاً عليها سيحتفل بعيد الانعتاق من الفاشية حاملاً رايات الانتصار لضحايا جينوسايد الأنفال وحلبجة وغيرها من قرى وبلدات كوردستان الحرة اليوم..

إنّ معاني تلك الأعياد مجسدة بالتنوير والحرية والسلام هي العلامات الأعلى التي تعزف سمفونيتها البطولية في وعي الناخب الكوردي بكوردستان وخارجها كي يعزز تلاحمه مع قيادة الثورة الكوردية المنتصرة وينتقل باتجاه ثورته الديموقراطية وبناء أروع نموذج لوجوده مدناً عامرة غنية بعمرانها وبروعة أهلها ووعيهم ونباهتهم إلى الخيار المنتظر.

كما أن هذي الأعياد والاحتفال بها ومعانيها ومضامينها ودلالاتها تؤكد صواب الاختيار الاستراتيجي وليس حال التكتيك والضغوط الظرفية التي قد تورط بعضهم في خيارات تستجيب لخدعة او تضليل أو ما شابه! وعليه فالاستراتيجي يكمن اليوم بالمحافظة على الاستقرار والأمن والأمان والسلام في ربوع كوردستان باستحقاق لشعبها وبتحصين لأية احتمالات مما يحيط بها وبنموذج خيِّرٍ لمجمل العراق الفديرالي بخاصة عندما تنضم أصوات الكورد بامتداد الوطن لقائمتهم كوردستان السلام والتقدم وبناء عظيم الأمل ركيزةً قويةً مكينة.

إنَّ شعبنا إذ يتجه اليوم إلى الانتخابات سيجعل منها أداته الأبهى لهذه الاحتفالية المتصلة بعلامات انتصار الشعوب بمسيرة التنوير والحرية والانعتاق من الفاشية وسلطة بلطجتها وقمعها، الانعتاق من أسار قوى الاستغلال وجرائم مافياتها عندما تشعر بأن نظامها الاستغلالي قيد الانهيار والرحيل.

وسيكون الخيار واضحاً حازماً حاسماً كوردستانياً عراقياً. وفي الغد القريب ستؤكد خيارات اليوم واحتفاليته هذا الاتجاه الراسخ في الضمائر الحية لأهلنا من أبناء شعبنا المشرقة تطلعاتهم أفعالاً ومنجزات عملية لا أحلاماً فارغة ولا أوهام دجلٍ يريد بها بعضهم تضليل الناس، ولن يُفلِحوا بعد انتصار  وعي المواطن وارتقائه لمستويات التمدن.

فكل عيد وبنات شعبنا وأبنائه في إشراقات احتفالٍ وكرنفالات فرحٍ ومسرةٍ وانتصارٍ أبديٍّ لإرادة الحياة وخيار التمدن والسلام والديموقراطية.