معركتنا في سنجار من أجل الحرية والسلام

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

جاءَتْ غزوةُ داعش ومن تحالف معها من قوى الإرهاب والطائفية، ومن سهَّل لهم اكتساح مناطق وبلداتٍ ومدن كان ينبغي توفير الأمن والأمان لها؛  جاءت تلك الغزوة لتشكل نقطة فارقة في وجود العراق الفديرالي. فلقد منحت قوى الظلام التكفيرية الدموية فرصة ارتكاب أبشع المجازر وجرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية بحق أهلنا بخاصة  تجاه المسيحيين والأيزيديين وتجاه المعالم الثقافية ومنجز الحضارة وآثارها التي ظلت شامخة قرونا وعقودا طويلة...

وهكذا فإنَّ المعركة اليوم تجري بين قوى الظلام وقوى التنوير. وهي المعركة التي فُرِضت علينا بسبب من خطاب العنف وحروبه العبثية المدمرة التي يقودها مشعلو الحرائق أنفسهم الذين عشعشوا في بعض بلدات الوطن بسبب من سيادة خطاب الطائفية وسلطتها المرضية.

وإذا كان الهدف الآني المباشر والعاجل لهذه المعركة يكمن في تحرير المأسورين في ظلال أسياف جراثيم الأرض، فإنَّ من مهامنا في هذي المعركة أنْ نزيل الغشاوة ونضيء الميدان أمام أعين أهلنا جميعاً وكافة؛ بخاصة ممن يقعون تحت تأثير المخادعة والتضليل. فنحن لا نؤمن بحرب ومعارك دموية بشعة، طبعاً ليس خوفاً ولكن إيمانا بمنطق السلام وقيمه..  وبهذا فنحن لن نتراجع عن الدفاع عن أهلنا ومدننا بمختلف الوسائل المناسبة؛ تلك الوسائل التي نؤمن بأنها تبقى قوية عالية الصوت بفضل بصيرة استراتيجية تتمسك بقيم الإخاء والتسامح التي عشنا بها لآلاف السنوات والأعوام وأنجزنا عبرها حضارات ما بين النهرين منذ شعوب سومر حتى يومنا..

إنّ معركتنا اليوم هي معركة قوى التنوير من أجل تحقيق الحرية والسلام وإطلاق مسيرة البناء والتنمية وخدمة شعبنا وأطيافه وإعمار ما تهدّم في ظل الإرهاب وجرائمه وتلبية خطى التقدم الأنجع والأشمل. وعليه فإنَّ تلك المعركة تتطلب بشمولها وتنوعات أهدافها الآتي من الأمور في محوريها العسكري والإنساني:

1.  جذب وسائل تقوية الجيش من سلاح وعتاد وتحديداً لقوات البيشمركة التي تقاتل فعليا ميدانياً بوصفها القوات الأمامية الرئيسة ورأس الحربة للجيش الوطني ومهامه...

2.  توظيف القدرات العسكرية الدولية المتاحة بخاصة منها الأوروبية في رسم استراتيجيات المعركة لدحر الغزاة من قوى الإرهاب.. وبهذا الإطار التركيز على الخبرات والاستشارات والتجاريب الفاعلة في إطار الحرب على الإرهاب بشقيه المتكون من معارك الجبهات ومعارك التخريب في داخل المدن والقرى.

3.  تحديد قوة الخصم الإرهابي وتشخيص قدراته بدقة.. والثقة بأنَّ إمكاناته البشرية ومستويات التدريب والتعامل مع إدارة المعارك والأسلحة المتوافرة بين يديه لا يمكنها المطاولة والصمود أمام بطولات البيشمركة وإيمانها وعدّها وعديدها...

4.  في إطار المعارك الميدانية تبقى الأولوية هنا بمدّ يد العون وكل ما يجب إيصاله للمحاصرين بخاصة في جبل سنجار وهم في حقيقة وجودهم الفعلي بعشرات الآلاف ولا يمكننا قبول استصغار تقديرات أية جهة لهذا الوجود البشري الذي يعنينا بكل طفل وامرأة وشيخ ورجل حتى لو كانوا مجرد أفراد معدودين هناك... لذا يجب وضع خطة لإحصاء حقيقي ومسح جغرافيا الانتشار وحساب كل تفاصيل وسائل إدامة الحياة ومعالجة الإصابات والبحث في وسائل الإنقاذ الفورية..

5.  ضرب التجمعات الإرهابية ومصادر تموينهم القتالية بخاصة تلك القواعد التي غنموها من الجيش في الموصل ومنع أية فرص لأي دعم لوجيستي أو حراك ميداني على الأرض..

6.  وضع خطط التمترس للدفاع عن المدن وأهلها لحظة الوصول إليها منعا لوقوع ضحايا بالقدر الذي يمكننا فعله ومنعا لإمكان أن يتمترس الإرهابيون خلف متاريس من الأسرى من أهلنا...

7.  وقف أية سجالات ثانوية هامشية وإعلاء فرص التنسيق العسكري على المستوى الفديرالي العراقي.. ووقف أية حملات إعلامية تلك التي تتعرض للبيشمركة ولتسليحهم ودعمهم وطنيا دوليا...

 

أما في الوجه الآخر من معركتنا  ولا نشير إلى تلك الحرب العبثية التي يريد الإرهابيون فرضها، فهي معركتنا القائمة على فلسفة الإخاء وتعزيز الوحدة الوطنية. ومنع تسلل فرص الشقاق والفرقة بين أطياف شعبنا ومكوناته التي دامت وحدته وجسور الإخاء بينهم لآلاف السنوات وتكسرت على أعتابها أشكال الاعتداءات والمؤامرات وسقط أمامها أعتى الطغاة الذين حاولوا تغذية التمزيق والتشرذم...

إنّ ما تمّ ويتم من جرائم من هذا الفريق أو ذاك لا يمثل الشعوب والأمم ولا يمثل تطلعاتها في العيش بسلام وعلى أسس المساواة والعدل.. ومن هنا فإن قيم التسامح ظلت باقية بين أغلبية العرب والكورد والكلدان والتركمان، المسلمين والمسيحيين والأيزديين والمندائيين والكاكائيين والبهائيين وغيرهم... وكل ما سواها ليست سوى سوء فهم والتباس أو صيغة غير دقيقة للتعبير عن إدانة طرف للجريمة والمجرم وتشخيصه والإرهاب هنا بجرائمه لا يمثل شعباً فهو يمثل من يقوم به من مجرمين حصراً...

إنّ ظهور قوى فاشية شوفينية في أية أمة لا يسمح لنا بوصف الأمة بأكملها بأنها أمة فاشية أو شوفينية لأن ذلك سيكون مقدمة للشقاق والفرقة وتغليب قوى الإرهاب وفسح المجال لهم للتغلغل بين صفوف جديدة تخدم مآربهم وغاياتهم..

معركتنا ليست محصورة بتنوير جمهورنا الأوسع بل هي في تحصين أنفسنا والارتقاء بخطابنا إلى وضع نوعي يعي ما يدور بدقة ليتمكن من وضع خطواته الأنسب وخطط التصدي للإرهاب بما لا يسمح بمزيد ضحايا وتضحيات...

والمقصود هنا أن نؤكد في برامج الحركات السياسية مدّ جسور العلاقات مع الآخر على أساس منطق التعايش ووحدة الجهود.. وعلى أساس التعاون والتنسيق بما يخدم فرص البناء؛ بناء العقل على أسس التنوير لا أسس التخلف وغسيل الأدمغة بطقسيات مرضية للطائفية وبمنطق عنف الإرهاب وقواه...! وهذا البناء هو معركتنا الحقيقية بكل تفاصيل المعركة...

فأمام مشاهد العنف وعنف جرائم الإرهاب يجري إشاعة حالات شلل واضطراب للعقل ومنطقه ما يجعل الأمور تختلط حابلا بنابل ويدفع لتبادل الاتهامات وفتح سجلات وقائع سلبية طويلة عريضة تُحسب أو توضع على كواهل الأمم والشعوب ليزيد الطين بلّة أو بالأحرى النار اشتعالا في كنف الحرب الجارية..

ويمكن للمتمعن أن يلاحظ كم هي تلك الدراسات والكتابات التي انداحت في الصحف والمجلات وفي الفضائيات مسلِّطة الضوء على كل ما هو سلبي بين مكونات مجتمعنا وعراقنا الفديرالي. بدل الإشارة إلى المجرم الحقيقي ممثلا بخطاب الطائفية وخطى الفساد وجرائم الإرهاب. هنا علينا أن نذكّر بأولوية التركيز على جسور الروابط بين هذه المكونات والأطياف وعلى فرص انتصارهم إذا توحدوا ضد الغزاة وضد قوى الظلام..

وسيكون سطوع أنجمهم متحدةً العاملَ الحاسمَ والنهائي في الانتصار على قوى الغزو الإرهابية.. ولن يكون امرئٌ قادراً على تجنب الهزيمة أمام غول الإرهاب المسنود إقليميا دوليا إذا ما اندفع لفتح جبهات متعددة لمعاركه ولكنه سينتصر بفضل حسابٍ دقيقٍ لخطاه في الانتصار على عدو فآخر...

بهذا أعتقد جازما أنَّ الوقت قد حان لـ(مؤتمر وطني عريض) يمكنه أن يجمع (كل الأطراف التي تقبل ببرنامج إنقاذ) يقوم هذا البرنامج على واجب دحر الإرهاب وظلامياته وعلى تحشيد الجهود لمسيرة إعادة بناء وإعمار حقيقية... لكن هذا يجب أنْ يرافقه خطاب سياسي إعلامي مكين من جميع الأطراف تركز على الإيجابي في مشتركات بينية بين الأنا والآخر..

فهلا تنبهنا إلى مثل هذا، الآن، عاجلا حيث لا يمكن لأي طرف أن يشاغل الجريح بسجالات لا تضمد له جرحه بقدر ما تهمل نزفه حتى يُقضى عليه!

وهلا استثمرنا القرارات الدولية التي صدرت في ظل وعي أممي عن مجلس الأمن والمنظمة الدولية  بشأن القضية العراقية حيث سيكون وقف الدعم اللوجيستي للإرهاب فرصة جد مهمة لدحره بفضل توحيد الصفوف ولملمة الجهود، الآن وليس غداً، فمثل هذه القرارات ومثل هذا الوضع لا يتكرر؛ بخاصة اليوم أمام تغيرات ربما تحدث في ضوء تغيير التكليف الرسمي لرئاسة حكومة ومنحها لشخصية بعينها ربما يمكنها أن تعبر عن بنية العراق الفديرالي ببرنامج عمل نوعي جديد إذ ما دفعناها لهذا الفعل...

أيتها العراقيات، أيها العراقيون

كونوا جميعا وكافة مع وجودكم الوطني القائم على إدارة معركتكم بما يحترم كل طيف فيكم وحقوقه في تقرير مصيره وبلا اشتراطات وفي حقه بحريته في اتخاذ قراره وفي احترام الآخر أخاً نمد الجسور إليه بعمق إنساني، لا فوقية في ممارساتنا ولا استعلاء فيها بل عدل ومساواة.. فمعركتنا في سنجار ليست معركة محدودة الميدان جغرافيا بل هي معركتنا التي تبدأ بدواخلنا وبأنفسنا، أينما كنا، من أجل الانعتاق والحرية والتنمية وتلبية تطلعاتنا معا وسويا بقيم التسامح والسلام.