أين موقعنا في دليل التنمية البشرية الأممي؟

 


تيسير عبدالجبار الآلوسي 

 

يُطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقارير التنمية لقراءة مراحل التقدم المجتمعي ومقارنتها بما يدعو للتفعيل وإنضاج خطى التنمية في جميع بلدان العالم. وقد أكد تقرير صدر في آذار مارس 2013 بعنوان: "نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم التنوع" على أن عدداً من دول العالم حققت تقدماً في مجال التنمية البشرية بسبب من سيادة الاستقرار والتحولات في النظم الاقتصادية والسياسية؛ الأمر الذي حقق منجزات طيبة في مجالات التعليم والصحة والدخل منذ 2001 حتى تاريخه.

ولعلّ السر الحقيقي الذي يحقق للدول النامية تقدمها بمجال التنمية البشرية، يعود إلى وجود إرادة سياسية تؤمن بالتنمية وبدعم التعليم بمستوياته الأساس والمتخصصة الجامعية الأولية والعليا واهتمامها الاستثنائي بالرعاية الإجتماعية وببرامج تنفتح على العالم وتتفاعل مع خطاه في التقدم الشامل. وأبعد من ذلك اهتمام تلك الدول بقضايا المساواة والعدالة وبالشفافية ومأسسة العمل العام وإخضاعه للقانون وبمقدار العناية المخصوصة بالاستماع إلى جميع أفراد المجتمع وكذلك بالاهتمام بالشؤون البيئية ومجابتها والانتباه المؤمل المخصوص بالتطورات الديمغرافية واحترام التعددية والتنوع وتفعيل القوانين الراعية.

وفي قراءة التقرير الأممي بالخصوص بالتحديد بمجال المساواة بين الجنسين (قضية المساواة بين المرأة والرجل) وبشؤون احترام التنوع البشري، نجد أنّ دول الخليج العربي كانت ضمن مجموعتي التنمية المرتفعة جدا والمرتفعة من بين 187 دولة واحتلت المراتب العشر الأولى بين 21 دولة عربية. فيما تقدمت دول كفلسطين وسوريا والمغرب على العراق الذي احتل الموقع (131) عالميا والـ(16) عربياً!؟ إذ لم يترك خلفه سوى دول هشة البنية والموارد مثل موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر والسودان...

لقد أخفق العراق في التنمية البشرية بسبب من طابع النظام الطائفي وتقوقعه في نطاق الاقتصاد الريعي وولوج السوق الدولي بطريقة مشوهة لا تخدم بناء لا القطاع العام ولا الخاص بحيث بقيت شؤون بناء المؤسسات هي الأضعف بسبب من السياسة التي ركزت على التشغيلي لا الاستثماري في الموازنات والخطط العامة وتعطيل واسع للمؤسسات الإنتاجية ولخطط التنمية الفعلية.. وقد أخفق العراق أيضا بسبب انشغال حكومته بعيدا عن سياسة اجتماعية موضوعية بما عمَّقَ الفوارق الكبيرة في الدخل من جهة أي بما عمق فجوة الفقر في جانب وكذلك وسَّع نسبته في جانب آخر، الأمر الذي تجنى على مبدأ المساواة وأفضى لاختلالات أمنية خطيرة ضاعفت النزاعات المجتمعية والاضطراب الشامل في النظام العام؛ وهو الأمر الذي وضع أيضا الفئات العريضة موضع السحق والحيف والظلم بخاصة نصف المجتمع (النسوي) فانعدمت فرص التعليم والرعاية الصحية المناسبة وانهارت منظومة الحماية الاجتماعية واضطرت قطاعات مجتمعية واسعة للخضوع لمافيات الميليشيات الإرهابية بمستوى انحطّ بالوضع باتجاه عصر العبيد وباتت النسوة يبعن في سوق النخاسة سبايا الانهيار الشامل في حوالي ثلث العراق! فيما حُرِم قطاع الأغلبية من التمكين القانوني وفرص المشاركة وتُرِكت السلطة بأيدي عدد محدود من قادة أحزاب الطائفية والميليشيات.. 

إنَّ التنمية البشرية لا تتم من دون أرضية أولها تحقيق الأمن والأمان والاستقرار السياسي الاقتصادي وتحقيق العدالة والمساواة وأولها بين المرأة والرجل؛ بخاصة في مجال المشاركة البنيوية بخطى التقدم والتنمية.. وهذا يتطلب منح التعليم أولوية واهتماماً فضلا عن معالجة قضايا الفقر والبطالة بالتشغيل الاستثماري لطاقة العمل للجنسين وكذلك بتوفير فرص مشاركة في رسم الخطط والتنفيذ حيث أن ارتفاع الوعي له دوره الإيجابي ليس في التقدم المعرفي العلمي حسب بل فوق ذلك في تحسن الرعاية الصحية. كما يتطلب التقدم اهتماما بالبيئة ومعالجة التلوث والاختلات المناخية وما أدت من نتائج كارثية فضلا عن حال الإفرازات الخطيرة للتغيرات الديموغرافية المحلية والوطنية العامة أي بحساب حجم كتل بشرية نازحة ومهجَّرة قسراً!! وبحساب معدل الإعالة سواء قسمة عدد الأطفال والمسنين تجاه طاقة العمل الواقعة بين 15 – 65 أم بحساب نسبة البطالة والعجز بسبب الإعاقة وغيرها من قبيل عطالة النساء وإقصائهنَّ عن ميدان العمل المثمر و الإنتاج بالإشارة إلى نسبة متضخمة من الأرامل وطبيعة تكوينهنَّ ومساهماتهنّ إلى جانب ما يرتبط بهن من أيتام وظروف عيشهم وطابع مساهماتهم...

إننا اليوم نفتقد في العراق للإحصاء السكاني العام بسبب القرار السياسي من جهة ومعوقات أخرى. ومن هنا نفتقد لقراءة جدية تحدد مؤشرات نسبة الرضا العام بالحياة ومؤشر الرضا بالوضع الصحي وبالتعليم علما أن معدلاتها العربية لم تصل مستوى 5 نقاط من 10 عربيا في الرضا العام بالحياة وهي بحدود تدور بفلك الـ 50% في مؤشر الصحة والتعليم.. وفي جانب مؤشر المساواة التي تقرأ الرقم 0.045 فقط في هولندا التي تمثل المرتبة الأولى عالميا في مؤشر المساواة بين الجنسين نجد المؤشر عربيا يقرأ معدل 0.555 نقطة ويصل في اليمن مثلا إلى ما يتجاوز 0.780 نقطة وهو عراقيا بوضع فلكي بعدما جرى من استباحة للنساء في ظل سطوة الميليشيات الإرهابية الطائفية ومتاجرتهم بهنّ..!!! وهكذا فإنَّ هذه الأمور عراقيا تقع بمؤشرات خطيرة بسبب الانهيار الشامل للدولة ومؤسساتها وبأسباب قطاعية كما هو الحال بالتلوث البيئي المتدهور في الطبيعة والتصحر والتحول للأرض البور وإزالة الغابات والجفاف وتغيرات مناخية مريعة بلا معالجة فضلا عن انهيار بالمنظومة الصحية وبمنظومة التعليم وتراجعه بأغلب مفاصله وأسس عمله حيث تدني مخرجاته بل تسرب ثلث منتسبيه نحو ميدان الأمية والتبطل والعطالة! ونسب الفقر تصل مستوى الـ89% في بعض محافظات البلاد!! وبطالة بمستويات قياسية حتى من دون مؤشر البطالة المقنَّعة!!

إننا بحاجة لثورة جذرية شاملة وتوفير إرادة سياسية مجتمعية قادرة على تغيير الموقف نوعيا والاتجاه نحو إعادة تعديل الميزان وتوفير العدل والمساواة بغاية انطلاق الحراك المجتمعي بنائياً...
هذه صورة مقطعية عاجلة في ضوء التقارير الدولية وفي ضوء الرصد الميداني لمجريات الأحداث في البلاد. ولابد لأي برامج وخلول نوعية منتظرة أن تقرأ في مثل هذه المعالجات من أجل رسم الخطى والمفردات المؤمل أن تكون مفردات الثورة الوطنية من أجل حياة أفضل أو على أقل تقدير من أجل حياة مؤنسنة بعيدة عن الهزات الراديكالية والاستباحة التي عادت بالمجتمع نحو زمن العبودية والرقيق...!

فهلا أدركنا حجم ما نحن فيه؟ وهلا تعرفنا إلى الحل؟ وأدواته؟