التحالف الدولي ضد الإرهاب: الأهداف والوسائل

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

أنْ ينعقد تحالف دولي ضد الإرهاب فأمر جد طبيعي، لأنّ الإرهاب تهديد يشتعل في موضع ولكنّه في النهاية يمتد إلى جغرافيا الوجود الدولي ليهدد كلّ أرجائها. ومن حق دول العالم أنْ تبحثَ عن تأمين أوضاعها، وتحاول إبعاد المخاطر على وفق ما يتفق واستراتيجياتها وما تراه مناسباً لظروفها ومستهدفاتها. على أنّ دراسة الحال المخصوص للتصدي لداعش وإرهابها يظل بحاجة لقراءة دقيقة؛ فليس كل ما يناسب طرف يمكن أنْ يكون ملائماً للأطراف الأخرى.. ولا يمكن تحديد الهدف الصحيح ولا أساليب الوصول إليه ما لم تكون القراءة بتلك الدقة التي ندعو ونشير إليها هنا بمعالجتنا المتواضعة الموجزة هذه.

وإذا كان احترام مصالح الدول كافة هو أساس من أسس العلاقات والتحالفات، فإنّ الوجه الآخر للاحترام ينبني على المساواة وعلى تبادل الاحترام وعلى المشترك من المصالح في تلك العلاقات. وأبعد من ذلك وأدخل في الحال التي نحن بصدد قراءتها، فإنَّ رسمَ استراتيجية العلاقات وأهدافها، تتحكم به الظروف الميدانية للصراعات.

إنَّ إدارة المعركة، أيّ معركة، تتحكم به ظروفه الميدانية ولا يمكن لمعركةٍ ما أنْ تُحسَم من الجو. عليه فإننا حين نستقبل من التحالف الدولي مهام الإسناد الجويّ لا يعني أنّ الحسم يأتي من سماء المعارك وإنْ شكَّلَ ركناً مهما وفاعلا؛ ففضلا عن أنّ الضربات ليست بالضرورة دقيقة الأهداف ولا يمكنها أن تطارد كل أنماط تحركات عناصر الإرهاب المشتبكة في شوارع المدن وميادينها فإنَّها، أي تلك الضربات الجوية يمكنها أيضا أن تطاول المدنيين فتزيد تهديد حيواتهم وظروف عيشهم.

من جانب آخر فإنّ استراتيجية التحالف الدولي تتعدد وتتشظى إلى استراتيجيات وتكتيكات مختلفة على وفق منطلقات كل طرف فيه. صحيح أنّ الجميع يتفق في الهدف كامناً في إنهاء داعش وإرهابها إلا أنّه من الصحيح أيضاً أنّ لكل طرف خلفياته وثغرات موقفه في بناء الاستراتيجية الموحدة.

وقبل ذكر توصيف تلك التعددية ومواضع الاختلاف علينا أن نؤكد مجدداً ودائماً حال الاتفاق بين الجميع على أنّ داعش باتت بعبعباً يهدد الجميع ولابد من تحجيمه عاجلا وإنهائه سريعاً قبل أن أن تحصل تحولات غير مرغوب فيها، فعامل الوقت يظل سيفاً يختزن تهديداته المقروءة وغير المقروءة أو غير المتوقعة.

وبالإشارة إلى ما يخص خلفيات قوى التحالف الدولي، نشير إلى وجود تلك الأرضية من عوامل الجهل والتخلف التي أشاعتها (بعض) نظم وقوى محلية في منطقة الشرق الأوسط بسبب من طابع الحكم ونظمه الماضوية أو تلك التي توافرت فيها ثغرات سمحت بوجود عناصر داعمة للإرهاب فكراً سياسةً وتمويلاً دعماً لوجستياً وربما كانت الخلفية الدينية المتشددة تحديداً وما أنجبت وتنجب من متطرفين  هي إحدى تلك العوامل أو الخلفيات المرضية، لكن الأنكى أن تكون صراعات محلية داخلية وإقليمية هي الأكثر توفيراً لأغطية مررت وتمرر الأنشطة الإرهابية وتضعها في صدارة المشهد.

ومن الطبيعي أن تلتحف داعش بإرهابها أضاليل أسلمة الصراع  لتستغل في خطاب تشددها ما تضخه من ادعاءات ومزاعم إقامة دولة الخلافة الإسلامية وهي في حقيقتها ليست بدولة ولا إسلامية؛ إنما الكارثة تكمن في أنّ هذا الخطاب تضخه ماكنات إعلامية إقليمية ومعها مساهمات مباشرة مقصودة وغير مباشرة غير مقصودة من الإعلام الغربي تؤكد  باعتباطيةٍ وعبثيةٍ مأساوية على الطابع الديني الخلفية في الصراع.

إنّ إزالة برقع الأسلمة والتدين عن المشروع الإرهابي تظل أولى استراتيجيات المعركة مع تلك القوى بخاصة محلياً إقليمياً حيث ميدان المعركة. وهذا لا يأتي إلا من تمسك واضح ببنية الدولة المدنية ودحر عبث الخطاب الإسلاموي. وهنا ينبغي للغرب بمراكزه البحثية وماكنته الإعلامية أن يدرك معنى دعم التحديث والتقدم وخطاهما في مسيرة الدولة المدنية في الشرق الأوسط. فيما سيكون ضخ لعبة الخطاب الطائفي والتعكز على الأغلبيتين الطائفيتين بجناحيها هو تعزيز للخطاب الماضوي الذي خبرته أوروبا يوم عاشت حروباً دامية لعشرات السنين في ظل التحاصص بين أحزاب الطائفية وسطوتهما على الحياة العامة وعلى بنى الدول وجيوشها!

إنّ الصائب الفعلي الميداني يتمثل بالاعتراف بأنّ ما يشيع اليوم هو بسبب من دعم قوى غربية للحركات الحزبية ذات الخلفية المسماة زعماً وإيهاما وتضليلا (دينية) فيما هي بحقيقتها ليست سوى حركات سياسية قمعية دموية بفاشيتها الجديدة. وعليه لابد من تجفيف منابع تلك الحركات من مصادر تمويلها بعنصريها المالي والسياسي الفكري ومن مصادر حمايتها القائمة على عسكرة الصراع وتوزيعه بين ميليشيات محتربة بمعنى وقف الدعم العسكري التعبوي اللوجيستي وكل مفرداته الأخرى وأولها تجارة السلاح السوداء عن هذه الجمرات الخبيثة...

فمهما كانت سطوة تلك الميليشيات فلا يمكنها أن تتضخم مثلما هي عليه اليوم من دون شرايين إدامتها التي تمدها بالحياة والعنف الأكثر غطرسة مع توارد السلاح والعتاد. فليصدر اليوم قرار أممي بحصار حقيقي على تجارة السلاح السوداء وستنتهي الجريمة الإرهابية المتضخمة.

ولعلنا لسنا خارج الصورة ونحن نعرف أنّ إرهابيي داعش قد حصلوا على أسلحة متطورة وأعتدتها مما يسمونه الجيش العراقي والجيش السوري بعد أن تركت تشكيلات الجيشين المنحلة المنهارة لا المنسحبة فقط، ما تملكه من أسلحة!! بما يوجب ألا نسلِّمَ أسلحةً متطورة لحكومات تقودها حركات حزبية طائفية تمتلك ميليشيات إرهاب الناس وترويعهم. والبداية ستكون من فرض أسس صارمة في تزويد الأسلحة لجهة موثوق بها كونها حكومة تحتكم للقانون ولسلطته والأولوية هنا في حرب التحالف الدولي على الإرهاب تكمن بدعم شعوبنا والقوى المدنية الحية فيها لتقوية بناء مؤسسات قانونية سليمة لدولة مدنية.

فبشأن سوريّا ينبغي الاستمرار بمقاطعة النظام ومحاصرة أنشطته الإجرامية والتفكير بأسس إحلال البديل الذي يمكنه أن يبني الدولة المدنية بعيدا عن الحركات الطائفية وفكرها وجرائمها بالاستفادة من التجربة العراقية وتجنب تكرار أخطائها الكارثية.

وعراقياً يلزم تمكين القطعات والتشكيلات (السليمة) في الجيش وأولها (البيشمركة) و (بعض) القطعات التي تتدرب بأسس عقيدة عسكرية وطنية لا سلطة فيها للميليشيا ولا حتى لغطائها الحزبي السياسي المتغلغل في جسم الحكومة المريضة بما أشرنا إليه للتو.

التحالف الدولي إذن، يجب أن يقوم على أسس تقرأ الميدان العراقي السوري في محاربة داعش. وأول أسس بناء استراتيجيته يتمثل بالخطى الآتية:

1.  دعم تشكيل مؤسسات الدولة العراقية واستكمالها دستوريا في المجالات التشريعية القضائية والتنفيذية أيضا تلك التي تخرج ولو تدريجا من خطاب المحاصصة المحكومة حزبويا طائفيا.

2.  دعم توجهات تؤكد سلطة القانون وفصل الوزارات الأمنية العسكرية عن سلطة الأحزاب السياسية وجعلها وزارات تعمل على وفق التخصص وبشخصيات مهنية مستقلة.

3.  وإنهاء الوجود الميليشياوي الطائفي. وإصدار قرار بحل كل الميليشيات الموجودة بجناحيها. ومنع دمجها الجمعي بالمؤسستين العسكرية الأمنية. وما يظهر من تشكيلات مناطقية حالياً بقانون لا تتشكل بأسس طائفية وتكون وطنية المرجعية.

4.  دعم مشروعات استراتيجية في مجالات التعليم والثقافة والإعلام بمختلف محاورها وأنشطتها وعقد مؤتمرات وملتقيات دولية تضخ سليمَ الخطابِ الإعلامي في الوسط ويعتمد منطق التنوير ويتبنى خطط  التنمية البشرية  وجهود التحديث الشاملة.

إنّ هذه الحقيقة يمكن فرضها عبر قرارات أممية تستثمر القانون الدولي بطريقة صائبة مثلى ويمكن أن ترافقها مهام تجفيف منابع حركة التمويل عبر الجهود البنكية الدولية. وكذلك الجهود الاستخبارية في مطاردة مصادر التسليح الخارجية والدفع نحو المشروعات الاستراتيجية لحل قضايا الشرق الأوسط وإخلائه من أسلحة الدمار الشامل ومنح الشعوب حقها في تقرير المصير وإدارة الدول بوجودها المدني إدارة ديموقراطية صحيحة سليمة يتم فيها دعم العقل العلمي لقيادة الأمور لا الحركات الماضوية الطائفية المتخلفة؛ تلكم هي الجدية والصواب في رسم الاستراتيجية المناسبة للتحالف الدولي..

فعلى الأرض ميدانيا وبشكل آني مباشر لا يمكن لما يسمى جيوش العراق وغيره من الدول أن تتقدم في معركة باتت القوى الميليشياوية الطائفية هي صاحبة الصوت الأعلى بسبب خطل نظم الحكم وخطل الرؤى الدولية ونظرتها للواقع عبر غربال سلطات الطائفية القديمة المتهرئة وعبر ما لا يمكن إغفاله من مآرب ضيقة للقوى الصناعية الكبرى التي تريد تصريف منتجاتها في السوق الدولي...!!

وهكذا فإن حلا لموضوع القوات البرية بشكل سريع ينبغي أن يهتم بتدريب قوات تخضع لخطط عسكرية ليست بإدارة شخوص تتبع لمرجعيات حزبية طائفية أو تتعامل مع مافيا الفساد والجريمة المحلية والدولية، والجميع يعرف معنى الفساد وحجمه في العراق وسوريا. ويعرف طابع تشكيل الحكومتين فيهما..!

وبمجمل القول: نؤكد على أن الدعم الدولي إذا استمر على استراتيجية الإسناد الجوي فإن المعركة لن تطول لعقود وعلى حساب شعوب المنطقة وعلى حساب السلم والأمن الدوليين بل ستطول لتتحول إلى وجود ورم سرطاني لا يقف عند حدود المنطقة وما يُمنح من أراض بلدانها لقوى الجريمة المافيوية بل سيهدد العالم بكوارث لم تحتويها كل الحروب الكبرى السابقة التي مرت على البشرية. بخاصة والعالم يحارب بلطجية مرضى هم من جهلة القوم وسوقتهم وأكثرهم دموية ووحشية وما يشاهده العالم اليوم منهم ليس إلا النزر اليسير من التهديد.

عليه سيكون تغيير الاستراتيجية الدولية وتحول التحالف الدولي بمهامه وبآليات اشتغاله أو أساليب حربه على الإرهاب باتجاه حسم المعركة عاجلا بخطط ميدانية استثنائية وبما يؤمِّن دعم ولادة دول مدنية ديموقراطية تزيل ما تم السماح له بالتفقيس والتفريخ طوال العقدين الأخيرين وتعالج آثاره السلبية، سيكون هذا هو جوهر الاستراتيجية الأنجع وإلا فإن العالم يتحمل مسؤولية تقوية أذرع البطش الإجرامية ومنحها فرص التضخم بإطار دول الطائفية التي يروج لها جهلة عصرنا وذوي المصالح والمآرب المرضية..

ولهذه المعالجة بقية تغتني بتفاعلاتكم وبدراسات لمراكز البحوث العلمي المستقلة وليست تلك التي تروج للمشروعات المرضية التي استفحل أمرها وبائياً. فهلا التفتنا إلى الدروس التي نعيشها!؟