في اليوم العالمي للغة العربية، تجديد النداء من أجل انتباهة استثنائية مناسبة


تيسيرعبدالجبار الآلوسي 

 

كلمة موجزة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر كانون الأول

يمر هذا اليوم الذي اختير في الأمم المتحدة لاحتفالية سنوية مخصوصة، مع الأسف، ويتكرر مروره مرور الكرام عند عدد من الجهات المعنية؛ فضلا عن انشغال بما تعصف به الحياة اليومية بالعربي من ضغوط خطيرة تطحنه وتفاصيل حياته سواء في ميادين المعارك الدائرة  ببعض بلدان العربية أم في مواضع عيشه وميادينها المجتمعية بعدد آخر من البلدان. إن دعوتنا للاهتمام باللغة العربية هو ذاتها الدعوة بكل اللغات التي تعنى بلسان أمة أو شعب بقصد تفعيل جهود التنمية بالاستناد إلى معجم يحتوي خطاب العقل ومنتجه المعرفي. ومن هنا فإننا لا نشير إلى أن من بين ما يعترض نداءنا هذا هو التمييز عن تلك الدعوات المضللة التي تتحدث عن اللغة في إطار دعوات دينوسياسية أي تحديدا دعوات الإسلام السياسي وخطابه التضليلي الظلامي. إذ أنه في نفاق مفضوح يتحدث عن اللغة في حاضن ديني ومقاصده لا تخدم اللغة ولا الدين بل تتعارض وكون الأولى أي اللغة أداة العقل وتتعارض مع الدين كونه قيمة روحية للإنسان تفيده في بنيويا في أمور روحية مخصوصة، وعليه فإن الخطابات الإسلاموية التي تتحدث عن اللغة بإطارها الديني في أغلبها ذات اتجاهات مرضية لن تخدم الإنسان ولسانه بوصفه المعج اللغوي الأداة الرئيسة للعقل ومنجزه ولتداول الحوار المؤنسن بين أبناء اللغة وولوج عالم التنمية.

وعليه فإن نداءنا يتمثل في رعاية اللغة من بوابة أنه ينبغي أن يتسع ليشمل جمهور العربية بأعرض وجود هذا الجمهور وأوسعه وأشمله وبأعمق علاقته بالتنمية البشرية وبالتنوير الفلسفي الفكري في حيوات الناطقين بهذه اللغة وبما يجعلهم ينفتحون على أبناء اللغات الأخرى إنسانيا على أساس المساواة وقيم التفتح والتنوير والتآخي بما يوحد المنجز الإنساني ويتقدم به. ومثل هذه المهمة هي ما يريد نداء الاهتمام بالعربية اليوم أن يحقه في وقت تداخلت الأمور واختلطت وباتت تقرأ في أحيان كثيرة، من منظار الخطاب السياسي الضيق للإسلام السياسي المتفشي مرضيا مثلما أشرنا للتو؛ حيث الحديث عن عروبة متأسلمة لا عربية متفتحة متنورة، وعن العروبة [تحديدا وحصرا عند بعضهم] من منظورها السياسي الشوفيني لا عن العروبة بروح مؤنسن وبمبادئ متفتحة تتطلع لتفاعلات الإيجاب حيث الانفتاح واحترام الآخر ومبادلته التجاريب كما هي قواعد اللغات جميعا في تفاعلاتها وجسور العلاقة بينها جميعا وبين أبناء اللغات كافة وهو مبدأنا في العمل وفي النداء...

المطلوب اليوم أن نتبنى فلسفة تخص الارتقاء باللغة وبالأداء اللغوي بما يخدم مسيرة التنمية البشرية وأول مفردات التنمية هو ما يتركز على تحفيز منطق العقل العلمي والتنوير للتصدي لخطاب ظلامي يتفشى كما ذكرنا بطريقة وبائية. ولعلنا بهذا الجهد نساهم في وقف زحف خطاب يتعكز على القيم المرضية وعلى آليات التخلف ومنطقه في هذه الحال المرضية. وكذلك نساهم بما يخدم أنسنة الحياة ورقيها وولوجها عالما معاصرا بكل قيمه ومفاتيح العيش الأنجع فيه. وبالتأكيد هناك تفاصيل غنية ومهمة لهذه القضية بعنوانها اللغوي ولكن بمضامينها الأبعد والأعمق في وجودنا..

ونحن نغتنم المناسبة أولا للتهنئة بهذا اليوم الأممي للغة هي من بين أوسع اللغات انتشاراً وأبرزها مساهمة في المنجز الفكري المعرفي في تاريخ البشرية والتفاعل مع الناطقين بالعربية بمختلف انتماءاتهم والتوكيد للآخر من جميع الناطقين بغير العربية حيث لغاتهم الأم أن غنى العربية وتجاريبها والاعتزاز بها يقوم عند أهلها على التفتح وعلى التفاعل الأخوي الإنساني وعلى أن يكون اهتمامنا بالعربية متأتٍ بأسس لا تأتي على حساب الآخر ولا على حساب هويته ولغته بأي وجه وشكل وإنما أن يكون هذا الاهتمام مثلما في خدمة التنمية والتقدم عند الناطقين بالعربية هو أيضا في خدمة الآخر والتنمية عنده بشكل تفاعلي بنّاء إيجابي سليم، وذلك بمنح التجاريب المخصوصة بُعدها العلمي الإنساني المفتوح...

وها نحن إذ نحتفل باليوم العالمي للعربية نستذكر كذلك اللغات الحية وغيرها بكل الاهتمام وبعين فاحصة معرفيا علميا بعيدا عن بعض الشوائب التي مسَّت صحيح القيم وتجاوزت خطأ ًعلى الآخر.. ونحن نحتفل اعتزازاً بالعربية مثلما نشارك الآخر اعتزازه بلغته؛ ومنطق ما لنا هو للآخر على أسس من مبدأ (المساواة) وعلى وفق قوانين اللغات وولادتها وتطورها ونموها وتفاعلاتها مثلما تسجل هذه الحقيقة المعرفية مضامين العلوم والمعارف وآليات اشتغالها...

اليوم الثامن عشر من ديسمبر كانون أول، نحتفي بيوم عالمي للغة العربية وننحني لكل علمائها الذين منحوها عصارة الخبرات والمعارف وجعلوها أداة لأنسنة حيواتنا ولغنى وجودنا ونقدر عاليا كل الجهود المثابرة لمحو أمية شعوبنا التي عادت منكفية في لحظتنا التاريخية هذه، لتشكل الأمية الأبجدية والثقافية نسبة خطيرة فيها والأتعس خطراً في ذلك الأمر ما أصاب الجاليات المهاجرة وأجيالها الجديدة من جفوة وفجوة بينهم وبين اللغة العربية الأم...

ولأنّ سلامة العقل وصحته وأنسنة قيمه وممارساته لا تكون بلا اللغة الأم، فإننا نتساءل: أفلا يدعو اليوم العالمي للغة العربية لمؤازرة الجهود (اللغوية المتخصصة) وتبنيها بهذا المسار؟؟؟ ألا تجد الجهات المعنية ضرورة لدعم مشروعات الاهتمام باللغة ومن بينها مشروع ابن رشد لمحو الأميتين*، على سبيل المثال لا الحصر؟ ألا يبقى هذا المشروع الإحيائي الكبير تطلعا مشروعا ينتظر كل المؤازرين في داخل الوطن وخارجه، في الوطن الأم وفي المهاجر القصية.. ونحن ننظر بعين شغوفة إلى تلك التفاعلات التي تنتصر لمضمون المشروع ولوجا لعمق التنمية البشرية المؤملة.. وقيميا، اللغة تجسد الروابط وتبني الجسور المكينة المتينة مع الهوية.. أفلا تنبهنا على هذا الأمر الخطير؟؟؟


في اليوم العالمي للغة العربية، نحتفل ومعنا فرحة الانتصار لوجودنا الإنساني الحضاري ومكانه ومكانته مثلما لا ننسى بعض أسى من جراحات بالخصوص بما حلَّ وما أصاب اللغة ومن ثمّ ما أصاب منطق العقل... نتطلع إلى الاتساع بهذه الاحتفالية والارتقاء بها.. وأملنا كبير بتحويلها لاحتفالية شعبية مثلما هي نخبوية متخصصة... في هذا اليوم تحية لكل ناطقة بالعربية وناطق بها ولمن يتبحر بها أداة لمحو الأميتين الأبجدية والحضارية وليكون حامل رسالة أنسنة وتنمية كبيرة الأثر....

تحية لكل من ساهم بولادة هذا اليوم الاحتفالية وبإصدار قرار أممي فيه...

تحية لكل من يساهم به اليوم بفعالية وجهود ناجعة...


تحية لمن يقرأ لنا هنا وسيكون من بين أعضاء محفل العربية تخدم التنمية والانفتاح الإنساني مثلما هي بخدمة أصالة الهوية وسموها الحضاري...


تحية لنهضة جديدة متحضرة ومتمدنة لعربيتنا تنطلق بنا لآفاق جديدة تسابق عصر الحداثة وأسسه وتمنحه من عطائها كل ما ينفع ويفيد..


وإلى ملتقى مع أصبوحات الاحتفاليات وأماسيها نبقى على الوعد والعهد

 

 

* بعض مفردات هذه المادة  (التحايا تحديدا) تنتمي لقراءة شخصية سابقة