فوضى التفجيرات الإرهابية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  02 \ 05

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

يتأكد يوما بعد آخر للمتمعن بمستهدفات التفجيرات الانتحارية والاعتداءات المسلحة, يتأكد بما لا يقبل الشك طبيعتها الإرهابية التي تتقاطع مع مصالح الشعب العراقي وتطلعاته للعيش بسلام وطمأنينة. ولـْنلاحظْ تلك المستهدفات فهي بين مدارس كمدرسة الموسيقا والباليه؛ ومستشفيات وعيادات طبية عامة وخاصة والذريعة كالعادة تكفير المستهدف ودفاع المعتدي الإرهابي المجرم عمّا يدَّعيه دينا وتعاليم مذهب وتنفيذا لفتاوى مرجعيات مزعومة...

وتتوالى القائمة فنجدُها تضم مقرات الأحزاب الوطنية وسجلوا معي هنا الاعتداء الآثم الذي جرى بالأمس القريب على مقر الحزب الشيوعي العراقي في ضاحية شعبية من ضواحي العاصمة. وتابعوا التسجيل لنقرأ سويا الاعتداء على مقرَّي البارتي والاتحاد الوطني... وباستقراء ما لدينا من معلومات سنجد أنْ ليس من قوة وطنية مستثناة من الاستهداف.. كل ما في الأمر هناك أسبقيات أو أولويات وإمكانات تنفيذ..

فالجريمة مستمرة متصلة السلسلة, ولكننا من العبث نبحث عن استثناء أو عن ضوابط ستلتزمها تلك القوى المرضية التخريبية المتعطشة لرائحة البارود والدم. إنَّها تريد كلّ شئ أو لا شئ إنَّها بالفعل انتحارية جنونية سقيمة جوهرها علة لا تزول إلا بزوال الأجساد التي تحمل كل تلك الجراثيم الخبيثة واحتراقها وما علينا هو العمل على تجنيب أبناء شعبنا آثار احتراق تلك الجراثيم وإنهاء مخاطرها..

وفي خضم تلك الفوضى الخطيرة من أعمال التفجير والقتل والتدمير, تتطلع أعين أهالي وادي الخير والنماء وادي الرافدين داعية ليوم الخلاص من شرور الأيدي الآثمة وعقول الجريمة ومدبريها.. ومن أجل ذلك وجب دراسة الحقائق التي تقرأ الأسباب وتتوصل إلى النتائج ومن ثمَّ وضع التفسيرات المناسبة كيما يمكن وضع الآليات الكفيلة بالعلاج الناجع والناجز...

هنا يمكن القول إنَّ مستهدفات كالمدارس والمستشفيات لها هدف الترويع وإثارة البلبلة وعدم الاستقرار والفوضى والقلق والرعب وهو ما يشلّ قدرات الإنسان ويمنعه عن التعاطي مع وقائع العمل الجدي للبناء والاتصال بقوى الفعل السياسي السلمي.. إنَّها الحاجز كلي القدرة على تمزيق الوحدة والفعل الجماعي والتعاضد حيث يوضع الناس في مواقع أسوأ من دفاعية...

ويمكن القول بصدد مستهدفات كالمقرات الحزبية بأنَّها حلقة تكميلية حيث الرعب يشل الناس وحيث ضرب تلك المقرات يشكل الرسالة الأبلغ من قوى التخريب للقول إنَّها موجودة حيث يحاول الناس التوجه إلى عمل جمعي لتخرّبه وتضربه وتقف بوجهه لأنَّ العمل الجمعي ووحدة الصف الوطني يعني بداية انهيار أحلام المخربين  المجرمين...

وفضلا عن ذلك يكون من أهداف ضرب المقرات الحزبية اغتيال العناصر الناشطة وتصفيتها لما تشكله من قوة تنظيمية ضاربة بوصفها هيأة أركان حرب الشعب.. وهي أبعد من ذلك تقصد منع إيجاد ركائز الاتصال الطبيعية مع الناس بخاصة في الضواحي والمدن المكتظة؛ كما أنَّها تريد قطع شرايين العلاقة السلمية بين الناس والأحزاب والتنظيمات لمنع التعاطي مع التنظيم الذي يجسد الفعل الحضاري للعمل الإنساني المشترك...

وغير هذا وذاك تحاول مثل تلك الهجمات الإرهابية أنْ توقع بين الأطراف الوطنية بإضافة فعل الدعايات والشائعات التي تتقصد بث الاحتمالات التشويشية التي تحاول إثارة الاتهامات بين أطراف بعينها. متصورة أنَّها الأذكى والأكثر خبرة في أحابيل المؤامرة والتخطيط لأشكال التخريب والتدمير..

وكثرما  سمعنا عن اتهامات شاعت حول مقتل هذا المرجع السياسي أو الديني أو ذاك وهي بأية حال محاولات تمتلك نصيبها من النجاح إذا ما انطلت على بعض المتعبين المجهدين من غليان المواقف والرؤى والوقائع.. وأذكِّر هنا بمحاولات الإيقاع بين الأطراف الشيعية نفسها بكل مرجعياتها بالاستناد إلى اعتداءات النجف المعروفة, ومن المؤكد أنْ تضفي فوضى عارمة للجريمة توترا انفعاليا يهيئ لأجواء الاحتكاك والاصطدام وديمومتهما..

وأشير هنا إلى محاولات الإيقاع بين الناس من جمهور الشعب العامل من جهة وبين الشيوعيين بالدعاية الرخيصة المشروخة العازفة على وتر الدين والتكفير فضلا عن تهديد واقعي خطير لحزب الشيوعيين للكف عن العمل ومواصلة الدفاع عن قضايا الناس ومصائرهم,حيث مواصلة التخويف تمنع الاتصال الطبيعي للحوار والتفاهم على البرامج الضرورية للبناء والعمل ..

وتتمادى قوى الجريمة المنظمة لتستغل إشكالية القضية الكردية ومواقف أحزاب تركمانية وعربية من موضوع الفديرالية محاولة إثارة مزيد من الصراع والتحول به إلى صراع دموي قاتل فتلتجئ إلى مهاجمة مقرات الحزبين الكرديين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني مُوقِعة بالتأكيد خسائر بشرية من القسوة التفكير بها بشكل عابر أو التفكيربالأحزان الكبيرة العميقة جرحا في أنفس الشرفاء من دون تشديد العمل النضالي لوقف ماكنة التخريب ومطحنة التدمير وآفة الجريمة النكراء..

إنَّ شعبنا بكل قواه وبكل طوائفه وأطيافه القومية والسياسية الحزبية تقف ضد هذا النهج العدواني الذي لا يخدم سوى أعداء الشعب والوطن. والشعب مصرّ على وحدته الوطنية وعلى التضامن ضد أية جريمة إرهابية وسيظل مكافحا حتى إنهاء تلك الأفعال المأساوية المعادية لمستقبلنا الوطني. ولن يثنيه عن كفاحه محاولات إرعابه وإرهابه سواء بسلطة التكفير الديني أم التجريم السياسي إذ الحقيقة تفضح واقع الجريمة وجوهرها وأهدافها..

وكلّ ُ قوةِ ِ ترى انخراطها في مسار بناء البلاد ينبغي لها ألا تسكت عن فعل الجرائم المستهترة التي تطاول أبناء شعبنا من دون تمييز أو استثناء من أطفال ونساء وشيبا وشبيبة؛ ولا منأى من التصدي الحازم لها وللفاعلين الذين يقفون وراءها. فموضوع أمن المواطن وسلامته وطمأنينته موضوع أساس وجوهري وخطير الأهمية يقف على رأس أولويات السلطة العراقية والقوى الوطنية السياسية التي ترى في مصالح الشعب جوهرا  لمستهدفاتها ....

وحيث كانت آخر الجرائم هي تلك التي طاولت أبناء شعبنا الكردي والحزبين الوطنيين فلابد من التركيز على فضح محاولات تمزيق الصف الوطني ومحاولات منع الفديرالية ومحاولات الإيقاع بين قوى الجبهات السياسية الكردية والتركمانية والعربية بخاصة ذات التصورات والبرامج السياسية المتنوعة [ولا أقول المختلفة تجنبا لخلط مصطلح الاختلاف بالخلاف] .....

ولا يمكن الاكتفاء بالشجب والاستنكار للعملية الغادرة الإجرامية ـ وهذه ليست دعوة للثأر ـ ولكنَّ مناقشة جدية صادقة لأسباب استهتار قوى الجريمة تكفي لتبيِّن الحقائق التي يمكن تنفيذها والتزامها بغية وقف الجريمة والبدء بعملية إعمار العراق وتوفير السلامة والأمان لشعبه بكل قومياته المتآخية المتضامنة المشتركة في حياة عراق ديموقراطي  فديرالي موحَّد...

 

خاص بالحوار المتمدن       www.rezgar.com  

ألواح سومرية معاصرة      www.geocities.com/modern_somerian_slates

 

 

 

1