العدوانية و الطقوسية

لتمرير سياسات مضرة بالشعب والوطن

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  02 \ 19

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

يلاحظ المتابع للوضع العراقي الراهن ما يجري من غليان على صعيد تحرك بعض القوى السياسية وعدد منها يتصرف في الأقاليم والمحافظات وكأنَّها ضيعة أبيه أو حضيرة والناس رعيته ليسوا إلا أغنام جدِّه التي ورثها.. إذ كان يذبحها الطاغية وجزارها الجديد يتخذ ذريعة مقدسة ليختلف أو ليجدد نغمة الأضاحي التي تمرّ عليها سكين السادية المعادية للبشرية...

فنجد أعمال التفجير الانتحارية التي تقتل أطفال المدارس وتلاميذ الجامعات وتلميذاتها والمصلين في الجوامع والمساكين من المرضى في المستشفيات وهلم جرا .. هؤلاء هم أضاحي وقرابين [المؤمنين] الانتحاريين وهم يبثون روائح الدم والدمار والموت.. ونجد مطاردة باعة الصحف بالتحديد صحفا وطنية وليس غيرها! ونجد محاولات اغتيال واختطاف ومضايقات على مقرات أحزاب وطنية معروفة..

كلّ ذلك نجده في ممارسات قوى بعينها.. وتلك هي القوى السياسية التي تتستر بتمثيلها فلسفة الدين الإسلامي ومستهدفاته وبقراءتها الأصح من غيرها لهذا الدين بخاصة عبر ادّعائها التعبير الأصدق عن طائفة بعينها وهنا [في الغالب يختارون الشيعة لمآربهم], تعاود هذه القوى في اعتماد إجراءات خطيرة في الحياة السياسية لا يمكن وصفها إلآ بسياسات بث الحقد والكراهية والاحتراب والصراع الدموي المقيت سئ الصيت والسمعة في تاريخنا المعاصر. وهي تتصرف في توجهاتها بناء على استغلال اللحظة أبشع استغلال لتمرير مطامعها والأبشع هذه تتمثل في قتل روح التعاضد وإشعال الفتن والاقتتال الدموي...

إنَّ استسهال أعمال التضليل والعمل من خلف الستار في محاولة لذبح قوى وطنية شريفة والصعود على أكتاف مثل هكذا جريمة يعني إ‘ادة الزمن وعجلته إلى الوراء حيث شهد وطننا مظلة العنف الدموي التي أودت بأبناء شعبنا وحيواتهم ولكنها لم تستطع إنهاء حركته الوطنية الشريفة المدافعة عنه من جهة ولا استطاعت حسم المعركة لصالح أوباش التاريخ الأسود..

فهل بالمعتقد أنْ تكون اللحظة هي الحاسمة لصالح قوى الظلام وهي توغل في جريمتها وأعمال التقتيل والذبح السادرين بها؟ إنَّ تجاريب التاريخ ضد هذا المنطق ولابد من أخذ العبرة لأنَّ الكارثة ليست في مجابهة بين القوى الوطنية وأعدائها ولكنَّ الكارثة عندما تسكت قوى بعينها تدعي الركوب مركب الوطنية وهي تشترك بكل الأشكال المباشرة وغير المباشرة في عمليات الإجرام تلك..

ومن الواجب هنا تشخيص قوى الإسلام السياسي التي تسكت على أعمال التكفير التي تنطلق من عناصر عابثة ليس مؤهلة للافتاء ويسكت معهم مرجعيات دينية على هذه الأفعال التي لا تقف عند الحض على القتل فحسب بل تقوم بالتنفيذ عبر أدوات من عناصر الجريمة والإرهاب وهنا صمت مطبق آخر على أبشع جرائم عرفتها البشرية؟!! وغير هذه وتلك تجري مضايقات في وضح النهار عندما يعتدون على موزعي الصحف وعندما تتجه في حملة مقصودة مشهودة قوى الشرطة المحلية هذه المرة لتغلق مقرا حزبيا.. وتمر المسألة عابرة من غير تعليق!؟

ولا أسئلة في هذا الشأن فالمسألة أكثر من واضحة وعمليات الذبح مخططة بمسلسل إجرامي إنْ لم يصِب الأحزاب الوطنية فسيصيب الشعب ويرهبه ويمنعه من لقاء تلك الأحزاب ومشاركتها العمل لبناء الوطن وخدمة مشروعات الحياة والنماء.. وتتقاسم قوى التأسلم الأدوار بين متشدد ومعتدل و[نص نص وست دراهم] والمكاييل ليس لها حصر عندما يكون الأمر للعب والتستر..

في حين يثور الضجيج والعجيج والصياح والعويل والويل والثبور لبرلماني في دولة الواق واق لأنّه حسبما يزعم بيان الأدعياء مسَّ الدين أو ينشغل حزب عراقي بقضية حجاب الفرنسية ولكنه لا يعلم مَن الذي هدد امرأة عراقية حرة ومَن يريدها جارية عنده! ولكنهم لا يعلمون مَن يقف وراء جريمة مدرسة الباليه ولا مَن يقف وراء تفجير مدرسة ابتدائية أو مَن يقف في بوابات الجامعات يأمر بمعروف قوانينه ونواهي تصوراته...

وهم لا يدرون مَن وقَّع قرار 137   ومن حاكه ومَن حاول فرضه على المجتمع! وغدا سيُقال إنَّ الشيوعيين والليبراليين والديموقراطيين هم الذين سنوا القرار وأصدروه! وليس من عجب في كلّ البهلوانيات المجانية .. لكن العجب في سكينة وردود فعل هادئة للضحايا! إنَّ الغضب الجماهيري الذي لا يظهر قبل الذبح لا مبرر له بعد الذبح.. والحركات الوطنية جميعا مدعوة للتضامن بكل قواها ولتنزل اليوم باسم المعتدى عليه لتمنع أنْ يكون هناك غدا معتدى عليه آخر غيره.

ونحن هنا نجد أنفسنا في حالة من تقرير واجب على كل القوى المعنية أنْ تعلن تخليها عن أساليب الأحقاد والصراعات الدموية لأنَّ الذي يريد دخول الانتخابات كما يصر عليها, عليه أولا أنْ يتخلى عن العنف وروح العداء والعدوانية فإنْ لم يتخلَ عن كل هذه الهمجية أُخرِج من العملية السياسية لأنَّ وجوده غير مشروع في كلّ قوانين الأرض والسماء..

أما مسألة فضح تضليلية مزاعم الدفاع عن طقوس التعبد والتدين فهي مسألة مرهونة بالجدل والحوار والاتصال بالناس وبمنطقهم العقلي وبتعزيز مهمات التنوير وإعلاء شأن العقل والفكر الإنساني المتفتح.. ولابد في الإطار من فضح مَن يقف وراء الادعاءات الكاذبة المزيفة ومَن يقف وراء محاولات تضليل الناس ومن ثمَّ الضحك على الذقون بما يجرّهم باتجاه ممارسة الغطاء الملائم لتمرير الجرائم بحق أبناء شعبنا..

إنَّ المطلوب اليوم واللحظة هذه فضح مستغلي راهن زمننا باتجاه سطوة ظلامية وتقديم مسألة الحوار والتلاقي والتعاضد ومحو العداوات وروح البغضاء بين جميع الفئات والطوائف ومكونات الشعب وقواه السياسية ومنظماته. والمطلوب من أجل ذلك مزيد من وحدة صفوف المتنورين لمجابهة تعقيدات المرحلة التي تكمن أبرز مخاطرها في التطرف والتضليل المتستر بالدين لتمرير روح العداء وتوفير فرص أو أرضيات تمزيق الوضع أكثر مما هو فيه من كارثية وتأزم...

والحل سيكمن أيضا في أنْ تعلن قوى الإسلام السياسي التخلي عن التعاطي مع معادلات التطرف والعنف والتعاطي مع مصطلحات غرس العداء من مثل عمليات التكفير التي لا يعقبها إلا الدم والموت والاحتراب.. ولتلك القوى أنْ تختار بين مساري السلام والبناء والديموقراطية والتعددية وبين العزلة عن الشعب وقواه الوطنية الشريفة السائرة في ركب البناء وإعادة الإعمار..

كما أنّ لها بخاصة المرجعيات ذات الحكمة وذات الرؤية الصحيحة السليمة والقراءة الصائبة للدين الوسط الصحيح القويم, لها أنْ تؤكد على جمهور العامة من الأتباع وغيرهم عدم صحة فتاوى زرع الفتنة والطائفية ومحاولات جر الناس لاقتتال لا ينجم عنه سوى مزيد الخراب والدمار.. وهذه ليست مسألة خيار يمكن أنْ يُهمل فاللحظة مدعوة فيها كل القوى لوضع برامجها أمام الناس ولإعلانها صريحة واضحة لا لبس فيها ولا يمكن تسجيل طرف أو منحه رخصة العمل الرسمي بغير برنامج واضح يخلو من الدعوة للعنف أو من استخدامه بأي شكل من الأشكال..

 

 

خاص بصوت العراق  www.sotaliraq.com

 

 

 

 

1