أهلا بأبناء الوطن وكلا لاختراقات الأعاجم!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  02 \ 26

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

منذ سقوط النظام سقطت حواجز النفي والإبعاد وانهارت موانع العودة إلى الوطن. ومعروف كم هو حجم كارثة النفي وإسقاط الجنسية التي مارسها النظام الدكتاتوري الدموي للطاغية الرعديد.. وكم هو حجم التهجير والهجرة التي لحقت بالعراقيين.. أما وقد بدأت مسيرة الهجرة المعاكسة وعودة العراقيين فأهلا بأبناء الوطن الذين حملوه بين الجوانح والأضلع طوال رحلة الهجير الصعبة المعقدة والطويلة..

وصار للعراقيين وزارة تُعنى بهم وبعودة أبنائهم أو متابعة حقوقهم حيث استوطنوا وتعايشوا مع بلدان المنافي والشتات والهجرة.. وصار لزاما بحث هذا الشأن بين العراقيين والمهتمين منهم به على وجه الخصوص. وهو ما يجري التداول بشأنه اليوم بجدية وفاعلية مناسبتين..

ولكن المشكلة لا تكمن في مسألة عودة العراقي وعلى وجه من السهولة والبساطة التي يعتقدها بعضنا على أساس أنّ الوطن أولى بأبنائه وينبغي أنْ يستقبل كل عائد. وأول مشاكل العودة مسائل تتعلق بالقدرة الاستيعابية للبلد في ظروفه القائمة وكيفية العودة ومن يكلَّف بالتخطيط والصرف منذ لحظة ركوب الطائرة حتى وصول أرض الوطن ومنذ لحظة استحصال الوثائق الخاصة بالهوية وبالدراسة والملكية وحتى توفير مساكن العائدين والخدمات الضرورية اللازمة لهم ولعوائلهم وأبنائهم...

ومن الطبيعي أنْ نتعرف إلى حقيقة ما أضاعه الطاغية ونظامه على المنفيين عندما فقدوا كل ما يملكون ثمنا لرحلة العذاب والنفي والغربة وبـِيعَ منهم أو صودر أو حُرِم كل ما كان بين أيديهم وما كان يمكن أنْ يكون لو أنَّهم لم يتعرضوا لتلك الخسائر المادية والروحية, ولابد من إعادة الحق لكلِّ صاحب حق والعمل الدائب ليل نهار من أجل إنجاز ذلك على أكمل وجه ومن دون استثناء لأي من المهجرين والمنفيين...

 ومرة أخرى ليست هذه هي المشكلة التي نحن بصددها. ولكنَّنا بصدد ما كنّا حذ َّرْنا منه من أشكال الاختراقات التي سنعاني منها جميعا. ومن تلك الاختراقات الجارية اليوم لجمهوريتنا التي ما كادت تولد في اللحظة الراهنة حتى راح كل من له مصلحة في السرقة والنهب والسيطرة اليوم لمآرب في الغد راحوا جميعهم يمدّون أصابعهم ويلعبون بنار العراق وحرائقه...

والمتابع اليوم يجد بعض دول الجوار قد أوقفت كل جهودها المخابراتية والحكومية المعنية لمثل هذه التدخلات فالجارة إيران حشدت جهودا واضحة ليس لإعادة المهجرين العراقيين بل لإرسال البديل الذي غزا البلاد وسبى العباد فدخلوا بأموال طائلة واشتروا كل ما يُباع بخاصة في كربلاء والنجف والكاظمية والأمر ليس حبا في المقدسات ولا في أموال السياحة الدينية ولكنه من الخطورة بمكان إذا ماسكتت عليه الحكومة الراهنة ومن أولوياتها الالتفات إلى الأمر بجدية مناسبة..

والمتابع سمع وقرأ عن إعادة عشرات أو مئات ألوف التركمان المهجرين... وللعراقي حقه ليس في العودة بل في تحمل أعبائها كافة حتى عملية الاستقرار الجديدة ولكنّنا بصدد الأصابع التركية هذه المرة وما ستجره علينا بإرسالها خاصتها إلينا.. ونحن متأكدون من أخوتنا المهجرين إلى إيران أو تركيا فكلاهما أبناء الوطن وولاؤهم لن يكون لغير الوطن وحقهم ثابت ندافع عنه قبل أنْ يحتاجوا لعناء المطالبة به, ولكنّنا هنا متأكدون من محاولات الاختراق من دول الجوار الجارية اليوم في ظروف قلق السلطة وعدم الاستقرار وفقدان الأدوات الكافية لضبط الأمور..

ومثل هذه الحقيقة ستصادف مع تزويد المتسللين بوثائق من تلك الدول بشكل ممنهج ومنظم. وفوق ذلك ستقوم دول إقليمية بالعملية ذاتها وعلى وفق ترسيمات مخططة.. بما لا يسمح لنا التساهل مع هذه الحقائق انطلاقا من سياسة بديلة للطغيان تتمثل في الانفتاح والتسامح والتعاطي مع الاستثمار الأجنبي ومع حالات العودة بروح التساهل [والتسيّب] من باب منع تعقيد الأمور على العراقي العائد..

هنا ينبغي التفكير بروح المسؤولية حيثما اقتضت الضرورة وعلى الحكومة العراقية (فورا) الطلب إلى الدول المعنية بإعادة العراقيين بعدم إعادتهم الفورية ومن دون تخطيط مناسب وكفاية لاستقبالهم ولتدقيق هوياتهم وجنسياتهم وسجلاتهم ويمكن للحكومة أنْ تساهم بنفقات بقائهم في الدول المعنية مقابل منع تسلل تلك المخاطر إلى الجسم العراقي بما لا يسمح في المستقبل من البحث عن الحقيقة بسهولة ومن دون مشكلات مضافة..

وما خصّ الاستثمار في السياحة الدينية أو تسهيل زيارة المراقد والأئمة فهي قضية لا يمكنها أنْ تكون على حساب مصير العراق والعراقيين ومستقبلهم الآمن ولا يمكنها أنْ تكون على حساب الحلول المنطقية الموضوعية التي تخدم العراقي ولا تمرِّر الأعاجم بمعنى الأجانب الغرباء الذين يستهدفون خلخلة أوضاع العراق وعرقلة استقراره ونموه وتقدمه ...

إنَّ كل مستثمر أو أجنبي يحرص على مصلحته لا نعارضه فيما يبتغي ولا نجد في ذلك ما يتعارض مع ما نبتغيه. ولكنَّ اللعب على مصالحنا واستغلالنا ومحاولات اختراقنا لمآرب تتعارض مع مصالح العراقيين لا يمكن أنْ يمرَّ من دون موقف صلب من العراقيين تجاهه.. ولذا كان على الدول المجاورة وغيرها أنْ تتذكر كون العراق بلد حضارة ومعارف وعلوم وأنَّه ليس من السهل التدخل فيه والخروج منه من دون الرد المناسب .. إنَّنا نطمح لعلاقات ودية وأخوية ونفتح أبوابنا واسعة على علاقات الصداقة والتعاون وتبادل المصالح الثنائية والجماعية الإقليمية المحلية والدولية ولكنَّ ذلك يظل من منظور لا يسمح بالتجاوز وبالاستغلال وبالنظر إلينا من فوق أو بكفة غير متوازنة المصالح...

وواقع كون العراق حاليا في لحظة تاريخية خاصة فإنَّه لا يعني مطلقا ضعفه وهزيمته وقبوله الاختراقات والتدخلات من أي طرف كان.. وهنا أستذكر مع الحكومة العراقية تبادلها الزيارات مع دول أقليمية والتعاطي معها من باب تدريب كوادر الدولة وموظفيها بخاصة اليوم مع حالة بناء جهاز الشرطة والأمن والمخابرات وهي أجهزة دولة مهمة على مستوى من الخصوصية والخطورة.

ومن الصعب للعراقي أنْ يقبل بانفتاح غير حذر ولا يحرص على خصوصية مصالح العراق والعراقيين .. ومن التجربة التاريخية كان لبعض الدول المعنية بالإشارة أدوارا مهمة وخطيرة في انقلابات الدم والموت الأسود منذ اغتيال جمهورية تموز العراقية الأولى ومرورا بعهد العارفية والعفلقية من بعده.. ولا حاجة للتسمية هنا ومجموعات العمل العراقية من الذكاء بما ينبغي لها ألا تذهب بعيدا في التعاطي مع اتفاقات التعاون التي قد تجلب اختراقات من غير السهل التخلص منها لاحقا ..

وبخلاصة القول كان للعراقيين أنْ يهتموا بعودة المنفيين والمهجرين والسعي لتوفير أفضل الفرص المؤاتية لذلك ولكنهم يجب ألا يكتفوا بالحذر العادي تجاه آلاف الأصابع التي تتدخل اليوم بخطورة وتؤسس لوجودها في جسم الدولة وفي جسم شعبنا الطامح لتحقيق الأمان والعودة إلى الاستقرار ومن ثمَّ إعادة الإعمار والبناء على الصُعُد المادية والروحية ...

وعلينا أنْ نبحث في وجود إشراف عراقي كامل على الحياة العامة وعلى تفاصيلها وعلى مفاصلها ذات الخصوصية والخطورة والمؤثرة على الأمن الوطني وعلى مستقبل استقرار العراق. والمؤثرة على مساراته وتوجهاته القريبة والبعيدة.. فيا أهلنا في الداخل والخارج لا تتسامحوا ولا تتهاونوا وكونوا العين الساهرة لحماية حصانة البلاد ومنعة الشعب وسوره الأمين في لحظةِ ِ عراقـُنا بحاجة لأن نشتريه قبل أن يبيعوه في سوق نخاسة تجار السياسة ومزادات سماسرة العالم الجديد...

خاص بإيلاف \ أصداء   www.elaph.com

 

 

1