أعمال العنف المسلحة بين الأسباب والحلول؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  03 \ 02

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

تعمل قوى أجنبية دخيلة على تفجير الأوضاع العراقية وزعزعة الاستقرار بما يتيح لمخططاتها فرص البقاء عبر أعمال العنف المسلحة. وليس في هذا عجب كونهم قوى معادية للعراق وليس لهم من مصلحة غير منافعهم الرخيصة. ولكنَّ أمر العجب أو في أقل تقدير ما يثير التساؤل والحاجة للدراسة والمراجعة هو ولوج بعض شبيبتنا في قراءة الواقع بطريقة انفعالية تدفع للعنف أكثر وللتورط في ما يثير نوازع الاضطراب والقلق...

وبقراءة واقعنا نستذكر كون بلادنا خرجت لتوها من ظروف أغلال قاسية وقيود أطبقت على البلاد بتحديد كلِّ أشكال الحركة والحريات حتى لم يُتـَح لفرد التصرف بذاته وأدواتها الخاصة بقدر ما كان وجوده طوع بنان السلطان. ما دفع دائما للتمرد بطريقة انفجارية تقوم على مفاهيم العنف والعنف المقابل.. وتحولت حياة الناس إلى سلسلة من الأزمات الانفعالية وردود الفعل العنفية المسلحة أحيانا والدموية في أغلب أحايينها الأخرى...

لقد مرَّ زمن بعيد صار تكرر الحال المأساوي أشبه بالعادة التي تمكنت من أنفس الشبيبة خاصة تلك التي أُكرِهت على سلوك أخلاقيات نظام العنف الممثـَّل بعسف الطاغية الدموي. وهكذا فإنَّها في مجرى أحداث اليوم ووقائعه لم تألف التحول نحو ممارسة الحريات وأشكال التعبير عن الذات بما يطمِّن ما تجيش به الأنفس من غليان واندفاع, كما أنَّ التحول من وضع المعارضة والاصطدام إلى وضع ممارسة تحقق الذات وتحقيقها...

إذن يمكن لنا القول بأنَّ جوهرية التحول وجذريته والانقلاب من حال إلى حال نقيض وبهذه الفجائية أمر لا يوفر الفسحة أو المتسع المناسب من الزمن للتأقلم والتكيف مع وضع مغادرة برامج المعارضة وخططها وتكتيكاتها إلى وضع الحكم وعمليات البناء وبرامجه. ونحن بخصوص وجود نما وتكامل  في ظلال العمل المبني على الاحتكاك والاصطدام, فيما نحتاج لتشكيل أو إعادة تشكيل وجود يتفاعل مع معطيات البناء الذي يحتاج للاستقرار والطمأنينة والسلام...

وليست هذه القيم مما اعتادته شبيبة اليوم التي نمت على روح التقاطع والتضاد وحماسة انتصارات على وقع قرقعة المواقع والأيام والحروب. من هنا كان علينا أولا استيعاب روح التمرد والاندفاع وهضم توجهات الشبيبة في معالجتها مشكلات الواقع المريض المخرّب. ولابد للمجتمع وحركاته السياسية من معالجة قصر النفـَس والعجلة أو التسرع وبجمود أو صلادة [وليس صلابة] شبيبة اليوم وعدم تمكنهم من التفاعل المرن مع التغيرات الجوهرية...

وهكذا فحالة الاصطدام والحدّة والقسوة والاندفاع هي سمات تكلـَّست عند فئات منهم بما جعلهم أبعد من واقع المتغيرات التي تحصل في الميدان العراقي. وهذه هي الأرضية المعقدة التي ترى فيها شبيبتنا نفسها مخلصة التوجهات وطموح إلى بناء البلاد ولكن على وفق تقديرات وتفاعلات حادة ومن ثمَّ لن تستجيب لتحقيق طموحاتهم بقدر ما ستتجه إلى حالة من التخريب والتراجع...

وحيثما تقدَّم الزمن بنا تعقدت الأمور ما يتيح للشبيبة ولمواقفها المتشنجة مبررات الاستمرار, وهي حقيقة مجريات وقائع الوضع الراهني. ولكن مهمة القوى السياسية والقيادات الحالية تتعقد كثيرا مع مرور الوقت ومع تصاعد الأوضاع تأزما واحتداما لأنَّها بمجابهة مع قوى موتورة متنوعة تعمل هدما في البلاد وتقتيلا في العباد. وفضلا عن ذلك فهي ملزمة بتحمل أخطاء فئات مهمة من شعبنا وصاحبة مصلحة حقيقية في إعمار البلاد...

إذن نحن بمجابهة مع حالة توتر وسلبيات وثغرات خطيرة وليس لنا إلا تصعيد جهودنا بغرض توفير أفضل أرضية استقرار بما يتيح الفرص الملائمة لإعادة الإعمار والبناء. ونحن بهذا أمام مهمة تربوية كبيرة تتلخص في إعادة تكييف البناء الروحي الانفعالي للشبيبة ولبقية فئات المجتمع التي تقع تحت ضغوط صعبة ما يتطلب مزيدا من التحمل والصبر والجَلَد من أجل إعادة التوازن ومنطق الهدوء والتفكير المنطقي العقلاني...

وتلك مهمة تفرض أولويتها في التعاطي مع واقع التغييرات المنتظرة. وفي إمكان تهيئة المجتمع في مسيرة جديدة تقوم على مبادئ سلمية ترفض العنف وتمتنع عليه وتتقدم بوساطة أعمق روح تعاون وتعاضد وتبادل رؤى ومشاركة وتفاعل إيجابي بين الأطراف جميعا من باب توافر الحريات وتوظيف الديموقراطية وسيلة للحياة البنَّاءة الجديدة...

ولابد لأدبيات جميع الأطراف أنْ تمتحن وسائلها في توضيح معاني التوتر والجمود والتعجل والتعاطي مع مفردات العنف وبرامجه بمقابل توضيح البرامج السلمية المنتظرة من أوسع قطاعات الشعب الذي يفترض فيه بناء عالمه الجديد المختلف. كما لابد للبرامج السياسية أنْ تكون واضحة موجزة دقيقة في توجهاتها وفي ترسّم أدواتها ووسائلها في العمل.. مع التفاف أوساع جمهور حول تلك البرامج وما تضعه من حلول..

وبهذا ستجد الشبيبة الوطنية المخلصة للوطن ولذاتها ووجودها أنَّها تمتلك الحلول المناسبة التي تطمِّن معالجة آثار أسباب العنف ومبرراته وتخلّص أوسع الفئات من تلك الدواعي المرضية ونتائجها التخريبية.

فإذا أُهمِلت هذه الحقيقة فإنَّنا سنقع فريسة انقسام اجتماعي بين العقل والخبرة والحكمة والحنكة وثبات الاستقرار والرزانة من جهة وبين قوى الفعالية والنشاط والحيوية والاندفاع من جهة أخرى. وهذا الانقسام من الخطورة بمكان ما سيخلق أعمق الكوارث الاجتماعية السياسية وما سيبعث التدهور والتراجع في مستقبلنا القريب والبعيد. وهذه هي الحقيقة التي تدعو وتفرض الأولوية المناسبة لمثل هذه السمة في حياتنا وتحولاتها..

لذا كان من الواجب اهتمام جدي في موضوعة الانتقال من قيم المعارضة والصراع والعنف إلى قيم الحكم والتداولية والتعددية والتشارك والتفاعل والتعاطي مع الآخر في طريق البناء والإعمار عبر آليات العمل المؤسساتي الديموقراطي السلمي...

 

خاص بصوت العراق      www.sotaliraq.com

 

 

 

1