حُرمة دم العراقي على العراقي!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  03 \ 01

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

يعيش عراقنا اليوم زمنا عصيبا ولحظات تحول مصيرية. وفي خضم واقعنا الراهن تتلاطم أمواج عاتية لتضرب بجوانب سفينة الوطن التي نلحظ  في كل موضع منها طعنة سكين أو ضربة غدر وغادر. في هذه اللحظات نجتاز أزماتنا ونحن نشهد تنافسا معقدا من قوى محلية وأخرى إقليمية ودولية لأهداف لا علاقة لها بمصالح العراقي المجروح المبتلى.

وأصعب كارثة وأعقدها على العراقيين تلك التي تتناقلها وكالات الإعلام بخصوص الاحتكاكات الداخلية التي تصل أحيانا حدَّ التقاتل والاحتراب الدموي. ومنها تلك المتعلقة بتصفية حسابات أو محاولات السيطرة على الوضع بالقوة غداة التحولات المتوقعة للبلاد حيث لا مجال في الوضع القائم للانقلابات والتغييرات الفجائية المستندة على العنف المسلَّح...

فزعيم من هذا التيار وقائد من ذاك الحزب ومقر لتلك الحركة ومظاهرة لهذه المجموعة وتجمع لذاك التحالف.. كل هذه هي مستهدفات التصفيات والاغتيالات وأعمال القتل والتصفية الجسدية. يحصل هذا والعراق والعراقيين تحت رحمة أوضاع شاذة بالمطلق. ويحدث وأصابع التدخل الأجنبي من كل حدب وصوب تعبث بمصائر المتعبين المجهدين من عواقب الحروب وآثار الدمار والخراب الذي طاول البلاد والعباد...

فهل بعد ذلك يحق للعراقي أنْ يغفل عمّا يجري من وقائع خطيرة ..  ألا يرى سيل الدم الدافق أنهارا من الجسد العراقي!؟!   في حرمة محرم ترتفع شعارات الدم وأفاعيل إباحة الدم وكأنّ القصد من كل ذلك تناسي حكمة أهلنا والأجداد الذين رفضوا رائحة الدم من خدش يصيب حطـَّاباَ َ من شوكة .. فكيف بنا ونحن نـَقبـَل بفاغر جرح نازفِ ِ ونُقبـِلُ على بحيرات دم بمزيد منها على أيدينا!؟!

أيُّ ذياك العراقي الراشد المتمدن ماذا دهى ذياك العقل التنويري المتحضر ليعود القهقري نحو جريمة قابيل وهابيل؟ أيّ ذياك العراقي العاشق وطنه وأهله ماذا دهى القلب من أوصاب جعلته يُضرِب عن عشقه؟! أعمِيَ الوجد فغاب عن الناظر وجه الوطن الحبيب وتوقف من القلب الوجيب؟!

ألا يرى المقدام الفارس النبيل أنَّه يضرب في أهله ويطعن في أخيه؟ إنَّ مبتغانا أنْ نخطب بلغة القلب على أوتار عشاق الوطن وبلغة العقل على أوتار رشاد الحكيم .. فأما العقل فنحن نرى بوساطته ما يحيق بنا من مخاطر الهلاك والفناء على أيدي تخريب دخلاء الزمن الأغبر وفرسان الموت الأسود وعهد الظلام وعصر الرجوع والنكوص والتخلف. فهل هذه هي لحظة التسابق لاقتسام أمتار الوطن وتسمية كل ميدان أو ضاحية أو قرية باسم طرف أو جماعة؟

وهل سيكون لنا زمن نمتلك فيه جميعنا مترا من وطننا في الغد القريب, عندما يُفلِح كلّ أولئك في الانتهاء من حفلات الطعن فيملأ كل منهم بحيراته ووديانه  من حمامات دمنا التي يصنعونها لنا يوميا وأمام أعيننا.. ألا يقتلون أطفالنا؟ ألا يستبيحون الدماء الحُرُم في الأشهر الحُرُم؟ فلنشهدْ...!!

إنَّ اللحظة أيها العراقي الفارس النبيل, لا تحتمل إلا وقفا مطلقا لكل نوازع ذاتية شخصية فئوية حزبية ضيقة.. ولابد من تغليب الروح الوطني وتأكيد الهوية العراقية والمرجعية الوطنية العراقية  وليس غير العراقية هوية لنا تمتنع معها كلَّ هوية فئوية عندما تكون المسألة متوقفة أمام أية مرجعية أجنبية إقليمية كانت أم دولية...

إنَّ مَن يرى في مرجعيته الأهم اليوم في فئة ومصالحها لن يحصل على مصالح فئته لا في يومه ولا في غده.. كما لن يكون عراقيا مَن يساهم في عمليات الذبح الجارية لا لأنَّنا نصادر اسمه العراقي بل لأنَّه لن يوجد عراق بعد كل عمليات النحر إياها وقد لا يجد لنفسه موطئ قدم يعيش فيه باطمئنان...

ومَن يجد مرجعيته في أجنبي لـدينِ ِ أو لسياسةِ ِ فإنَّ هذه المرجعية ستنتهي منه حالما تنتهي من أخيه العراقي؛ عندها ستأتي عليه وتنتهي منه أسرع وأوجع من نهاية أخيه. ولم تدُمْ لمستغِل من قبل لكي تدوم اليوم لجديد.. وليتذكرْ المُتاجـِر بحُرمة الدم العراقي أنْ لا نفع فيما يتخبط فيه من بحار الدم ولا مبيعات للدم الحار فهو غير صالح للاستعمال التجاري, ولكنّه فاعل في النتائج العكسية...

لابد من الارتقاء على الجراح الشخصية ولابد من التسامح ولابد من التغاضي عن أخطاء صاحبي ولابد من غض الطرف عن مثلبة من أخي فإنْ لم يكنْ قانون السلم الاجتماعي وروح التسامح موضع الحياة والفعل والتأثير فلا قامت لنا قائمة...

ينبغي أنْ يكون لزمننا العراقي الجديد حُرمة و لمشاعر الأخ العراقي حُرمة  ولدم العراقي  حُرمة... فلا يخدش عراقي أحاسيس عراقي آخر ولا يسمح عراقي لطرف كائن من يكون أنْ يستبيح حرمة دم أخيه العراقي.  ولتكن لكلّ مفردة اسمها ينتمي للعراق ولهويته حُرمة تمتنع على العراقي ويرتفع بها حيث يحمي نفسه وعرضه وأهله وأرضه فيحميها من كل اعتداء وأول ما يحمي العراقي يحمي العراقي الآخر من نفسه فيحتمي الآخر به باسم العراقي الواحد متبادل الانتماء.. أنا أنتمي لأخي وأخي ينتمي إليَّ...

ولا يسمح عراقي لنفسه بالبحث عن ذريعة أو منقصة أو مثلبة أو شائبة أو سبب ليحاكم أخيه ويمتحنه أو يخدشه ويستفزه أو يعتدي عليه.. بل ليجد العراقي لأخيه كل الأعذار ليمتنع عن الرد على ما جاء منه من خطأ أو يمنع عنه ما يمكن أنْ يأتيه من ألم...

لغة إعادة الاعتبار للعلاقات الوطيدة ووشائج الترابط والوحدة هي ما يجب أنْ ينمو وينتعش بيننا. والحقيقة الوحيدة الثابتة المقبولة بيننا هي الحُرمة بين العراقي والعراقي. فلم يقلْ أحد أجدادنا أو أبائنا لجيرانه أنت يهودي أو شيعي أو مسيحي أو تركماني أو كردي أو ما شابه انتقاصا منه أو إكراها له ليلتزم ما هو عليه من إيمان أو اعتقاد أو تشيِّع أو تحزّب...

اليوم العراق بحاجة لكلِّ عراقي .. اليوم العراقي بحاجة لكلِّ كرامات العراق وعلاماته ولوحدة ترابه وتماسك نسيج مجتمعه.. اليوم لا أمل لنا بغير وشائج الوحدة والتماسك. لا تتركوا للظلمة أنْ تجعل من عتمتها وحلكتها وسيلة لضياع الطريق أو لتفتتنا وتمزيقنا وضلالنا ولا تجعلوا من مظالم الزمن الردئ زمن الدكتاتورية الدموية وما دفعت إليه من خراب روحي ومادي لا تجعلوا من تلك المظالم ذريعة لتظلموا الأخوة وشـَدَّة الحزام لحظات الشِّدة فغدا بل اليوم أنتم بحاجة إليهم لتزهو أيامكم أيها العراقيون جميعا بلا استثناء...

وحدة الصفِّ وسمو العلاقة الوطنية ومنعة الهوية العراقية هي وسيلتنا ليومنا وغدنا. ولا وجود لعراقي بمفرده ومن دون أخيه العراقي لقد وُجـِد العراق في تنويعاته القومية والدينية والمذهبية وبطوائفه وفئاته وتياراته عبر آلاف عشرة من السنين والأعوام.. ولن يعيش بغير هذه التنويعات وبغير تبادل الاحترام والاعتراف بالآخر....

لقد حرم الدم العراقي على أخيه العراقي في يومه وفي غده. ولنتجه سويا نحو غد العطاء المشترك ولنسمو على جراحنا ونرتقي عليها ولنجعل منها دليلنا إلى عالم العدل والمساواة والإخاء والعيش بسلام وحرية وبمشاركة ديموقراطية في عراق الجميع ....

وبعد ذلك وبعده فقط؛ بعد أنْ يستقر عراقنا ويضمِّد جراحه يمكن للجميع أنْ يحتكموا لقضائهم العادل ويختصموا من أجل حقوقهم في بعضهم بعضا أما اليوم أما الآن في اللحظة القائمة فلا مناص لمن يقول إنَّه عراقي إلا أنْ يضع حُرمة العراقي نصب عينيه... كل ذلك إنْ لم يكن لأخيه فله ولطائفته في غدِ ِ لا يكون بغير هذا التسامح وهذه الحرمة وذياك الاحترام المطلوب منه لاسم العراق وراية العراقي وهويته الحضارية...

وكلّ ما عدا ذلك فليفعل إجماع العراقيين  به ما شاءت مصالحهم الوطنية العليا ومصالح الأجيال التالية التي ستذكر لنا ما نفعل من صواب أو خطأ فإنْ أصَبـْنا كان لنا ولأبنائنا وصنعنا العراق الديموقراطي التعددي الفديرالي الموحد فعلا لا شعارات وكلمات فقط.. وإنْ أخطأنا فحتف مصيرنا ولا أبناء يرثون ولا هم يحزنون بل سنذهب جفاء في مهب الريح ...

 

خاص بالكاتب العراقي  www.iraqiwriter.com

فذلكة لغوية:       >>>> حرمة دم العراقي على العراقي....   أم   ... حرمة الدم العراقي على العراقي <<<<

 لوقلنا حرمة دم العراقي على العراقي فسيكون المعنى حرمة الدم من العراقي ويحق بعد ذلك للعراقي الجدل والاعتراض والمناقشة والمخالفة ...إلخ من حركة الواقع  فإذا قلنا حرمة الدم العراقي على العراقي  وقفنا الحرمة على الدم العراقي بالمطلق فكأننا نقول للعراقي أنت حر مع الدم غير العراقي فنحرِّضه على الدم غير العراقي ولسنا هنا بصدد ذلك بالمرة وفطنتكم تكفي لماذا اخترنا صيغة الإضافة على الوصف.... وللقراءة بقية؟؟؟

 

1