المواقف الإقليمية والدولية

تجاه الوضع العراقي الراهن وإقرار الدستور المؤقت؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  03 \10

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

تتخذ دول من مختلف أرجاء العالم مواقفها انطلاقا من مصالحها الخاصة الموجودة في العراق من جهة وهي في بعض الأحوال تدير تصفية حساباتها وردود فعل أو تفاعلات علاقاتها فيما بينها هنا على الساحة العراقية بوضعها الراهن. من هنا جاءت ردود الفعل على مسألة توقيع القانون الأساس لإدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية مبنية على تلك المعطيات...

فوجدنا دول الجوار ترسل تصريحاتها الرسمية المعلنة وتلك المحمَّلة عبر صحفها التابعة لإدارات تلك الدول, تحمل في طياتها ما يعكس مصالحها في بلادنا. فالجارة الشمالية لم تنظر إلى أهمية القانون ووضعه موضع التنفيذ لمستقبل العراق وشعبه بقدر ما كان يهمها إرسال عدم ارتياحها تجاه مفردات فيه تخص إقرار الفديرالية. ولكنَّ المشكلة لا تقف عند رفضها للفديرالية ولكنَّ الرفض ينال من التعاطي الديموقراطي مع القضايا الوطنية العراقية ومنها بالتحديد القضية الكردية بوصفها واحدة من أبرز الأمور التي شغلت الدولة العراقية منذ نشأتها...

وتلك الجارة التي نحتفظ لها ولشعبها بروح الإخاء والتعاون ووحدة المصير في وجودنا الإقليمي المشترك فضلا عن موضوعات كثيرة تضعنا في قاسم مشترك واحد أو على الأقل تجعلنا نجلس على طاولة واحدة, تلك الجارة تذهب بعيدا وأكثر ممّا تسمح به العلاقات بين الدول وهي تعلن عدم رضاها عن خيار العراقيين في الاتحاد الطوعي بين القوميتين الكبريين اللتين تشكلان النسيج العراقي..

لماذا؟ فالأمر معروف.. إذ أنَّها لا تريد التعاطي مع الكرد على وفق ما تمنحهم إياه القوانين الدولية وتكفله الشرائع والدساتير ومواثيق حقوق الإنسان من حق تقرير المصير وخيار الاستقلال أو الاتحاد الطوعي بحسب ما يجدونه مناسبا لوجودهم القومي والإنساني. علما أنَّ القضية الكردية محددة المسارات على وفق اتفاقات دولية موقعة بعد الحرب الكونية الأولى في عشرينات القرن الماضي, حينما رُسِمت حدود الدولة التركية الحديثة وولِدت الدول الموجودة حاليا ورُسِمت حدودها الوطنية...

كما أنَّ الدول المعنية بالقضية الكردية ما زالت تمارس سياسة يقول عنها الكرد المعنيون بالأمر مباشرة أنَّها سياسة لا ديموقراطية قمعية تصادر حقوقهم الإنسانية حتى أبسطها حيث يُمنَعون من التحدث بلغتهم أو إدارة شؤونهم بأنفسهم ووصل الأمر أحيانا للامتناع عن تسميتهم الكردية, عبر عنجهية التفوق ومحاولة محو الهوية عبر دمجهم بالإكراه بالوجود القومي لتلك الدول...

وفي بادرة شبيهة ترسل بعض الدول إشاراتها بأشكال مباشرة وأخرى غير مباشرة بخاصة تلك التي تمتلك تأثيراتها عبر أقنية المرجعية الدينية ـ الشيعية منها وغيرها. ونحن هنا نثق بأبناء شعبنا من كل الفئات والأديان والمذاهب ولكننا نأمل من قوى سياسية معنية بالمسألة أنْ تضع مصلحة الوطن والشعب فوق أية اعتبارات أخرى.. وأنْ تتقدم ببرامجها انطلاقا من هذه الحقيقة المستقلة كإباء وطننا وشموخ اسمه حرا نقيا مجيدا بقيم حضارته التنويرية..

وللدول التي ترى في وجودها المجاور ووجود بعض المرجعيات فيها وسيلة لعلاقاتها مع العراق, لتلك الدول أنْ تسجل التزامها بالمصالح المشتركة المتبادلة التي تحفظ لجميع الأطراف حق المساواة والعدالة وألا يكون الوضع العراقي القائم مدعاة لتوجهات وسياسات غير موضوعية بقدر ما سيحتفظ شعبنا لجميع دول الجوار وقفتها التعاضدية وسعيها لاحترام سيادته ووحدة أراضيه ونسيجه الاجتماعي والسياسي وسلامة ترابه الوطني.

ونحن هنا لا نرفض لأية دولة مصالحها التي لا تتعارض  أو تتقاطع مع مصالح شعبنا ولا يوجد لدينا اليوم أية آثار من فكر التدخل الفض في الشؤون الداخلية لدول الجوار وغيرها, بخاصة من مخلفات النظام العدواني المقبور في بلادنا. ونحن نسجل في دستورنا الجديد توجها أكيدا للتعاون وتبادل المصلحة المشتركة والتعاضد لمواجهة مشكلات الواقع الذي يجابه الدول المتجاورة بطرق سلمية موضوعية تتجاوب مع مصالح الجميع من دون أيِّ إضرار أو تأثير سلبي على أي من دول الإقليم وشعوبها...

ونؤكد على علاقات حسن الجوار والتعاون الوطيد والتنسيق بين دولنا وشعوبنا بما يعود على الجميع بتحقيق مصالحهم من دون إيذاء أو اعتداء على طرف ومصالحه.. وبالتحديد سيكون من الصحيح التداول مع العراقيين وممثليهم بكل شأن يخص العلاقات بين جميع الدول ذات العلاقة والمصلحة.. ومن ذلك مسائل القوانين والتشريعات التي تمس تلك العلاقات..

ولكن سنِّ دستور مؤقت أو دائم للعراق على أسس الديموقراطية التعددية والفديرالية ووحدة التراب العراقي وسلامة أراضيه أمر لا يدخل في خصوصيات الآخرين وشؤونهم ولا يصح لدولة أنْ تملي على أخرى ما ينبغي لها أنْ تكتبه في دستورها وما لاتكتبه! والعراق بأية قوة وطنية من قواه الأصيلة لا يمكن أنْ يسمح بتدخلات أجنبية من شماله أو شرقه أو من أية قوة أخرى قريبة أو بعيدة؛ وحق السيادة والاستقلال الوطني يكفل بل يلزم ممثلي السيادة بمنع مثل هذه التدخلات بالطرق السلمية والدبلوماسية المناسبة...

ولا نعني بدول الجوار هنا الدول صاحبة الحدود وبلادنا بل نجد دولا إقليمية قريبة تحاول مدّ أصابع التدخل أو الاختراق لمؤسسات الدولة وأجهزتها الحديثة ونحن بهذا الأمر أصحاب عين ساهرة لا تنام من أجل مصالح الطمأنينة والسلام لشعبنا وحياته وتقدمه المطرد الذي يبدأ بكتابة دستورنا وتوقيعه اليوم...

إنَّ جملة هذه الحقائق تتطلب منّا نحن العراقيين وعيا وانتباها عاليين وحذرا ضروريا مع مزيد من علاقات الأخوة والتفاعل مع الجيران وتبادل المصالح المشتركة بنزاهة ومنع للتدخلات السلبية المعرقلة ...

ولابد لنا من إشادة وسائلنا من الأجهزة والمؤسسات البحثية ولجان استقراء الواقع المحيط بنا قراءة موضوعية متأنية ومتابعة الإيجابي وتطويره ودعمه وقراءة السلبي لمعالجته ومحوه وإبعاده عن طريق العلاقات الطبيعية بيننا وذلك سيعتمد بالتأكيد على صحة توجهات الآخر ونواياه ووسائله, وقبل كل ذلك على قوة العراق وتماسكه ووحدته ووعي جميع ممثليه ومؤسساته لمسارات الوقائع ومجرياتها في محيطنا القريب والبعيد..

ومن نافلة القول تأكيد ترحيب جميع قواتنا الوطنية ومؤسسات دولتنا الوليدة بالاستجابات الإيجابية التي صدرت عن عديد الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية تجاه إقرار دستورنا المؤقت.. مؤكدين على تغير نوعي في سياستنا الدبلوماسية الجديدة وفي ارتقاء مؤسسات الدولة لمستوى مسؤوليتها تجاه الوطن والشعب...

 

خاص بإيلاف \ أصداء    www.elaph.com

 

 

1