حكاية مهرجانات الأدب والفن وسمفونية العزف النشاز؟!!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي*

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  03 \ 29

TAYSEER1954@naseej.com E-MAIL: 

 

"إلى أنظار لجنة مهرجان المربد مع التحية"

تعكس المهرجانات الأدبية والفنية من جملة ما تعكسه وتمثله قيما حضارية راقية سامية. وهي فضلا عن ذلك تجسِّد أفضل معطيات الإبداع الإنساني لمرحلة من المراحل, ما يتطلب عند اختيار المساهمين فيها أنْ يكونوا على درجة من التميّز والتمكن يضعهم في مصاف تمثيل صورة مناسبة للواقع القائم, وإلا فإنَّ المهرجان المعني يظل مجرد دعاية إعلانية رخيصة لجهة ما...

فلطالما عملت دول وجهات وأطراف معروفة على محاولة تلميع صورتها أمام الآخر بوساطة النهوض بمسؤولية إقامة مهرجانات للأدب والفن جاذبة أسماء بعينها ما يجعلها تجيّر تلك الدعوات وأشكال الحضور والمساهمات لصالح وجودها وإدامته أطول مدة ممكنة على حساب الحقيقة المغيَّبة من مسرح الوقائع الماثلة للمتمعن فيها...

ولكنني لست بصدد الحديث عن أهمية المهرجانات الأدبية وقيمتها التاريخية والاعتبارية في حياة المجتمعات المتحضرة, بقدر ما أنا بصدد الحديث عن محاولات ردّ اعتبار المهرجانات التي جرى مسخها طويلا وعبثا في ظلال الدكتاتورية وظلامها في بلاد الحضارة والأدب والفن بلاد الشمس والنور والإبداع بلاد الزهاوي والكاظمي والرصافي والجواهري والسياب والبياتي..

لقد تاجرت السلطة وأزلامها وأبواقها الدعائية الرخيصة بــِ [بروباغندا] صارت معروفة لأبناء شعبنا من جهة أصحاب المصلحة الحقيقية في تلك المهرجانات ولمبدعي بلادنا ودول الجوار العربية وغيرها ولأدباء العالم وفنانيه حتى راحت حملات التضامن تترى وتتابع مع المضطهدين منهم ممن جرى اعتقالهم لأنَّهم لم يبيعوا الكلمة الشريفة أو يتاجروا بها في سوق نخاسة الجلاد الأمي الجاهل..

اليوم وقد رحل ذاك النظام ورحلت معه آلة الموت والدمار والظلام استبشر العراقيون خيرا أن تتجه يد الإبداع متكاتفة من أجل الوطن والناس. وبعيدا عن الأيدي الغاشمة التي استغلت منبر الإبداع والمبدعين وحاولت تجييره لصالح السلطان الأعمى عن جمال الحياة وجماليات القيم الإنسانية. لذا كان الأمل وطيدا في أنْ تنهض اللجان الجديدة [المشكـَّلـَة بخاصة في وزارة الثقافة وعلى صعيد أجهزة الدولة الوليدة أو الجديدة في المحافظات] بمهمة التصحيح وتعديل المسار نحو اتجاهه الصحي الإيجابي الذي يمثل طموحات المبدع العراقي...

ومن الصائب أنْ ينهض الجميع  في دعم التجاريب الوليدة انطلاقا من الحرص على التفعيل من جهة وعلى المساهمة في توظيف الإبداع الحقيقي في خدمة المتلقي وفي تقديم النموذج الصحي الصحيح له.. نموذج الأدب والفن ولا غيرهما. ولابد من تذكر كون تلك التجاريب تولد على أنقاض مشكلات جمة ونواقص كبيرة ما يدعو للتجاوب مع الواقع وتعديله بالكيفية البنّاءة وليس بطريقة التقاطع والتهييج...

فمن مصلحتنا جميعا أنْ نرعى تجاريبنا ونضعها في الموضع المناسب لمكانتها التي طواها زمن البؤس والفقر الفكري والفني.. وعلينا هنا بتلك الرعاية أنْ نرتقي على المثالب الجانبية والنواقص وأنْ نتواصل فيما بيننا بدعم اللجان المشرفة بغاية التطوير والارتقاء بالعمل. وكلما تضامنّا مع بعضنا ومع تلك الجان بالتحديد زاد الإيقاع سرعة في التغيير والتطوير.. والعكس سيأتي بالعكس...

على أنني هنا لا أدعو إلى الصمت وتغافل المثالب والنواقص والامتناع عن مناقشتها وتداول أمورها بطريقة موضوعية تلتزم جميع أطراف القضية فيها بدراستها والتوقف عندها حيثما تطلب الأمر ذلك... بل لابد من الدخول في المناقشة والتقويم فتلك محاسن الديموقراطية في كل شأن وتلك محاسن التغيير والدخول في زمن جديد زمن الحريات ومن ثمَّ زمن الإبداع غير المجيَّر وغير المتعامل مع أدوات التغييب والتغييب المضاد لأي سبب كان..

من جهة أخرى ينبغي عدم التسرع في تشكيل اللجان المشرفة أو المجاملة في تشكيلها أو لفلفة الأمور على وفق معطيات اِضمنْ حصتي وأضمنُ حصتك أو على أية طريقة رخيصة أو مَرَضية لا يمكن أنْ تتوافق مع جوهر الإبداع المنتظر... وفضلا عن ذلك قد يتسلَّم المسؤولية بعض ممن لا يستطيع التأكد من ضبط الشروط الأساسية وتفاصيلها في إدارة مهرجانات كبرى كما هو حال مهرجانات الإبداع الأدبي والفني العراقية المعروفة وهو الأمر الذي يدعو إلى ظهور ثغرات أو نواقص أكثر تقبل ليس الاحتجاج بل تقبل ما هو أخطر؛ ألا وهو أمر الانخفاض بمستوى المهرجانات وكأننا لسنا أصحاب مجد الشعر والمسرح في المنطقة والعالم...

هنا نتوقف عند مثال مهرجان المربد الجديد ولجنته التحضيرية. فلقد قرأنا لغة النقد الحاد الذي تصدى به صوت وطني غيور معروف لبعض المثالب ولم نسمع منها تجاوبا! وقرأنا قبل ذلك اللغة البيانية الدعائية لتلك اللجنة وبالتحديد منها تلك الكلمات التي أثارت حفيظة مبدعي بلادنا سواء منهم من تصدى للموقف أم الذين فضلوا الصمت تحت مسمى ما الذي كنا نملكه بالأمس لنملك اليوم أمره!! ولا شئ مما يقال ادعاءَ َ قد عاد للمبدع أديبا أم فنانا أم غيرهما كما يتصور بعض من شعر بالغبن أو الاعتداء غير المبرر ولا نقول المسوَّغ!

فإذا لم يكن يدري أعضاء اللجنة ما قالوه وصرحوا به فالمصيبة [أعظم]. أما الاحتمال الأول فهو أنَّهم يدرون ويقصدون تخوين مَن لم تتم دعوته بقولهم بمراجعة الذاكرة الوطنية وقولهم من يعتقد أنه يجب أن يدعى ورفضت اللجنة اعتقاده؟! والمشكلة لا تكمن في الرفض إذ من الطبيعي في الظرف القائم أنْ نتعاون في حدود الإمكانات المادية التي لا تستطيع تغطية دعوات أوسع, ولكن المشكلة في التسويغ والتسبيب الذي قدمته اللجنة المعنية حيث لم تكتفِ برفض تصورات الآخر بل اندفعت لتنصّب نفسها [!كما!في! أوضاع!مرضية!سابقة!] وصية لتحديد الوطني من غيره ولتحديد المبدع من غيره وليس لتحديد المدعو من غيره...

إنَّ مثل هذا الأمر لا يمكن لمبدع أصيل أن يتعامل معه في ظروف الحريات وإعلاء شأن الإبداع العراقي الحقيقي. وعليه فإنَّ التنبيه على مسائل صياغة [البيان] بخطابه الناري الذي يرى فيمن دعاهم [فقط لاغير] المخلصين لقضيتي الإبداع والوطن ويسقط على من أبعدهم صفات ليس من اللائق ذكرها بين أهل البيت وبـُناتهِ من المبدعين الذي تعرضوا لضيم النظام الظلامي السابق..

والمهم هنا دعوة مخلصة للتأني والإفادة من أصحاب الخبرة والتفاعل مع جميع الأصوات الوطنية المبدعة وتجنب وسائل الإقصاء والإلغاء وتوزيع الاتهامات سهلة... المهم أنْ نراجع أنفسنا وألا نمارس سلطة القهر وإكراه الآخر لمجرد وقوع أسمائنا في موضع المسؤولية!

وإذا تجاوزنا إشكالية دعوات العراقيين بخاصة من الموجودين في المنافي القسرية والمهاجر الجديدة, وهي بحد ذاتها إشكالية أو حتى مشكلة كبيرة الخطورة.. أقول إذا تجاوزنا الأمر نحو الأسماء التي تمت دعوتها من البلاد العربية ودول أخرى فإنَّنا نجد اللجنة قد وقعت في فخ كان يمكن تجاوزه بخاصة مع خبرة علاقات عراقيي المهجر مع أدباء تلك الدول حيث كما يبدو لم تتم استشارة كان يمكن أنْ تنفع وتفيد في حلّ إشكال إغفال عدد من الأسماء اللامعة من دول بعينها.. بل أسماء لها وجودها ومواقفها التضامنية مع شعبنا ومع مثقفينا طوال حقبة الظلمة والقهر والاستلاب! وأنا شخصيا وآخرون غيري تذكروا أسماء غير قليلة بالخصوص طبعا المقصود هنا بالمقارنة مع قائمة اللجنة.. ولا أعتقد جازما أنَّ ذاكرة طرف واحد تغطي كل الأسماء ولكن التعاون والتعاضد والتكامل بين جميع الأطراف المعنية مهمة ذات منطق وطني عام ..

فليس من الضروري أنْ يُدعى سين من المبدعين ولكن من الواجب أخذ رأيه بالخصوص والإفادة منه.. بل من واجبه مثلما هو حق له أنْ يدلي بما يطوِّر أنشطة الإبداع المهرجانية منها وغيرها. على أية حال ما نتمناه هو نجاح أكيد ووطيد لمهرجان الأدب في البصرة الفيحاء... وما ننتظره من مبدعي الثقافة في بلاد العربية وفي بلدان العالم ومن خلفيات بلادنا اللغوية ومدارسها المتنوعة الغنية هو أنْ يقدموا من أجل حضور مهرجان الاحتفاء بأجمل فنون الإبداع الأدبي الراقي...

والقضية هذه المرة ليست إبداعا إعلاميا إعلانيا ولكنه إبداع الثقافة والأدب الأصيلين والتضامن الأكيد مع ولادة حياة ديموقراطية تظلل بأفيائها مبدعي الكلمة النبيلة الشريفة بمعانيها الأخلاقية والجمالية... وهذه دعوة من مبدعي المنفى العراقي للحريصين على اتصال مع العراقي الذي غُيِّب طويلا لحضور مهرجانهم والدفع به نحو الطريق الصحيح المعبر عن عراق الحضارة والتمدن ونور المعرفة وأصالة الإبداع...

أما قصور ها هنا وهناك فإنَّه مما يمكن تلافيه بالرعاية والدعم والتفاعل ولعلَّنا في هذه المرة ننجح بنسبة مئوية ولكننا في المرات الآتيات ننجح بالمطلق حيث المبدع العراقي والمبدع الضيف يتلاحمان في مسيرة العطاء الساطع المكتمل. وبعدُ فهذه مجرد تذكرة سفر مبدئية للحجز على طيران العراقية نحو عالمنا الجديد الخالي من حساسيات العلاقات والمتسامي عاليا في أجواء بعيدة عن أيام الإقصاء والإعدام برمي أسمائنا من علِ نحو الهاوية التي ابتلعت الدكتاتور ولا ينبغي أنْ ننظر إليها بعد اليوم....

 

ملاحظة: يمكن ذكر أسماء مهمة هنا مقابل القائمة المعلنة ولكن المهمة تكمن في منع الحساسية وتجاوز النواقص وليس في إثارة مزيد من العراقيل. نرجو أنْ يتم الالتفات إلى صياغة خطابنا الجديد. ونحن جميعا في سلة عراق الإبداع وخيره وتقدمه وإعلاء شأن المبدع والإبداع العراقيين...

 

*أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي \ جامعة أوروبا الإسلامية بسخيدام ـ هولندا

From www.iraqiwriter.com