شيعة العراق والمرجعية الشيعية وادعاءات قوى التضليل والتزييف

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  04 \ 12

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

بوصفهم جزءا مكونا أساسا وجوهريا من الشعب العراقي شكـَّل شيعة العراق مواقفهم الوطنية المشهودة, ولقد ظلت مساهماتهم البطولية المشرِّفة غير منفصلة عن حركة الشعب العراقي إذ لم يكن النضال الوطني العراقي حالة من التقسيمات والأطر المنفصلة عن بعضها بعضا بل كانت باستمرار حالة من الوحدة الوطنية بما يعود إلى الجذور التاريخية لتلك الوحدة الوطنية أي إلى العمق السومري البابلي للحضارة العراقية وللدولة العراقية والوجود الوطني العراقي القديم والحديث...

كما لم يكن انتماء الشيعي العراقي إلى الأحزاب السياسية وإلى الجمعيات والروابط والاتحادات الوطنية, لم يكن ذلك الانتماء مستندا إلى صفة الانتماء الشيعي المنفصل بل جاء بالانتماء إلى الروح الوطني الموحَّد وبالارتباط به ومن ثمَّ إلى عراقية الشيعي وانتمائه إلى وجوده الوطني المشترك مع كل مكونات الشعب العراقي وكان ذلك الارتباط وتلك الوحدة أولا مع المسلمين من بقية المذاهب والطوائف بوحدة أكيدة ووطيدة مع السنّة ومع بقية المكونات من دون نظرة تمييزية على المستوى الشعبي وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني غير الخاضعة للسلطات المحلية المتعاقبة التي لعبت دورا تقسيميا باستثناءات نادرة مثل السلطة الوطنية في مرحلة ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز يوليو 1958...

وعليه فمن الإنصاف للشعب العراقي ولكل مكوناته وأولهم شيعة العراق ينبغي أنْ لا نفصل بين الشيعة وبقية المكونات من جهة وبين أنشطة الشيعة العراقيين وأنشطة بقية مكونات المجتمع العراقي في مفاضلة غير منصفة لروحها التمييزي الانقسامي الذي يُعـِدّ لأرضية تقسيمية غير صائبة ومعادية لمصالح العراقيين كافة من شيعة وسنّة وغيرهم...

وعلينا باستمرار أنْ نؤكد حقيقة الروح العراقي والصفة العراقية والهوية العراقية وتقديم هذا الروح العراقي الأصيل الواحد المشترك بين جميع العراقيين قبل أنْ نذكر الصفة التالية لخصوصية أي عراقي كان ومن هؤلاء العراقيون الشيعة مثلهم مثل بقية أخوتهم العراقيين من السنة والمسيحيين والصابئة والأيزيديين وغيرهم من مكونات شعبنا العراقي...

وينبغي بعد ذلك أنْ نؤكد على العراقيين الشيعة بوصفهم قاعدة أو أرضية تكوينية للمجتمع العراقي وهم هنا يمثلون وجودهم الإنساني الشعبي الذي لا مناقشة لطرف في حقيقته وفي كل المعطيات التي تلي الاعتراف للعراقي الشيعي بحقوقه الإنسانية [والوطنية] أسوة بأخوته العراقيين من بقية الطوائف والأديان بعيدا عن المزايدات والمغالطات التضليلية المطروحة في الشارع السياسي من بعض قوى التأسلم السياسي وبعض العصابات وقوى العنف والتطرف.

بمعنى وجوب الفصل, عند قراءة الوضع, بين العراقي الشيعي وبين المرجعيات الدينية والسياسية التي تمثل قسما منهم أو تحاول [أحيانا] فرض تمثيلها على القسم الأوسع بنفس الآلية السلبية الخاطئة التي مارستها النُـظـُم الاستغلالية السابقة وإنْ بفروق طفيفة..

فتمثيل قطاع شعبي بعينه ينبغي أنْ يأتي عن طريق القناعة والتوافق والتصويت الشرعي لعملية انتخابية كاملة ولا وجود لآليات الفرض والإكراه في زمن هزيمة الطغيان والاستبداد من قبل الشعب [ومكونه من الأغلبية الشيعية], حيث لا مجال للعودة لأي شكل من أشكال مصادرة الصوت أو الإنسان.. وعلى جميع القوى أنْ تقدم نفسها ليزكي الشعب منها من يريد...

وعند أية قراءة بخصوص المرجعية [الشيعية] لابد من القول بأنَّها ليست الشيعة ولا نضالهم الوطني والإنساني ضد الطغيان والاستغلال. ولكنها حيثما توافقت مع تطلعات الأغلبية الشيعية وضمّنتها مواقفها الفاعلة وأنشطتها السياسية كانت موجودة بوصفها مرجعية تقف تلك الأغلبية خلف قيادتها وحصل مثل ذلك في عدد واسع من المواقف الإيجابية البنّاءة للمرجعية الدينية, وظل مشهودا للمرجعية كل تلك الفعاليات البطولية التي تصدت للضيم والطغيان والاستكبار وسجّلت مصداقية تفاعلها مع الشارع الشيعي العراقي ومع الروح الوطني لشيعة العراق...

ولكنّ المرجعية بقدر تمثلها في شخصيات بعينها لا تمتلك العصمة المطلقة, ومن ثمَّ فإنَّ عددا من الانحرافات أو الأخطاء أو المثالب أو أشكال من القصور قد حصل أحيانا في مواقف شخصيات بعينها وأنشطتهم. ومن ذلك تبعية [بعض] المواقف بشكل ما لقوى إقليمية أو دولية..  ولكنَّ نسبة ما حصل من ذلك يظل هامشيا تجاه الوقائع الكبرى للمساهمات الوطنية المخلصة والإيجابية البنّاءة وهو أمر يتوافق مع المكانة المميزة في نفوس العراقيين من مختلف الطوائف للمرجعية الشيعية الحقيقية منها بما تختزنه من خبرات واسعة..

ومقالنا هنا يشخص استقبالا إيجابيا بنّاءَ َ للمرجعية الحقيقية وليس لكل مَنْ يقف متسترا بعباءة الدين وخطابه ومتقنِّعا بقناع المرجعية وهو ليس منها بحق. كما حصل حينما راودت بعض الصبية أضغاث أحلام أنْ يكونوا حَمَـلـَة لواء مرجعية بعينها وهم لم يحصلوا على الإجازة بعدُ حتى من الحوزة نفسها أي ما زالوا تلاميذ كما فعل مثلا التلميذ مقتدى حينما أطلق لنفسه عنان الافتاء والتصريحات التي أصابت الشارع بخلخلة مرضية خطيرة نتيجة استغلالها من قوى سياسية معروفة لمصلحة سيادة الاضطرابات وعدم والاستقرار...

كما يوجد في الصفوف اليوم كثير من حالات التوسع في هيكلية المرجعية ووكلائها وفي قوى تدعي التزام الخطاب الديني برنامجا ووسيلة لمعالجة مشكلات الوضع الراهن وهي ليست إلا جزءا من مسيرة الادعاءات التضليلية التي استغلها الطاغية بالأمس وتستغلها بقاياه وقوى أجنبية دخيلة اليوم لتمرير أغراض ومصالح وغايات دنيئة معادية لمصالح شعبنا وأولهم العرقيون الشيعة ومرجعياتهم النزيهة التي تتحمل اليو مسؤوليات كبيرة لتمييز وجودها وأهدافها النبيلة عن قوى التضليل والتزييف ولتعلن كلمتها الرصينة بعيدا عن متاجرة تلك القوى المتكالبة..

وهكذا فالمرجعية الحقيقية في الوقت الذي تتحدث فيه بوصفها جزءا من أبناء الشعب ولها حق المشاركة في الرأي والفعل لبناء عراق ديموقراطي فديرالي موحد, في الوقت ذاته تجابه عددا من المشكلات أولها محاولة تجنب الولوج في دهاليز العمل السياسي من جهة كونها مرجعية دينية [اختصاصا] احتياطا ومنعا لاقحام غير موضوعي وغير صائب للمرجعية الدينية وخطابها الديني الوظيفة والمستهدفات في أمور خارج تلك الوظيفة المخصوصة؛

وتجابه المرجعية الحقيقية تدخلات وضغوط تخص سياستها بخاصة تلك الضغوط المتأتية من فعاليات التأسلم السياسي الحركي والحزبي وجماعات عصابات العنف المسلح وجماعات التكفير وأمثالها؛ ومن الطبيعي أنْ تختلط بعض الأوراق في ظل سعي قوى التضليل والتزييف لهذه الأداة بوصفها وسيلتها للوصول إلى مستهدفاتها المعادية لمصالح الشعب وبالتأكيد منهم العراقيون الشيعة..

إذن نحن هنا بمجابهة أمور يعرفها مجتمعنا قبل غيره ولكنَّها في ظل أجواء دخان البنادق المستعر تتشوش وتحتاج منّا إلى وقفة صلبة قوية لفضح جوهر الهجمة التي نتعرض لها نحن العراقيين كافة. وعلينا ألا نقع فريسة خطيئة التضليل ونتبع أدعياء الخطاب الديني والمرجعية فلابد من وضوح في الفصل بين وجودنا الإنساني من جهة بوصفنا شعبا متعدد المكونات متنوعها نحترم جميعا فيه تكويناتنا كافة ونتساوى فيه في الحقوق والواجبات وبين مرجعيات تحمل أسماءنا فمن صحَّ منها وقدَّم البرنامج الذي نريد والتزم مصالحنا هدفا لمعالجاته تبعناه ومَن كُشِف أمره فضحناه وعزلناه عن إشاعة المرض في مجتمعنا...

وكثرما نجد اليوم شراذم العنف والتقتيل والذبح وإلا فما معنى مجازر كربلاء والكاظمية والفلوجة وكركوك والموصل وأربيل في عيد الأضحى والمسيحيين في البصرة وفي غيرها من مدن العراق والأيزيديين في دهوك واذكروا معي عشرات ومئات التفجيرات التي أحرقت ودمرت وقتلت فينا وليس في غرينا ممن يدعون مقاتلته.. ولا عجب فالحقيقة إنَّهم يستهدفوننا نحن العراقيين شيعة وسنّة ومسيحيين وصابئة وأيزيديين وهم يستظلون بقناع الخطاب الديني وليس من دين يوافقهم جرائمهم بحق الأطفال والنساء والشيوخ وبحق مؤسسات بلادنا وركائز بنيانه وعماره..

لا مجال لأية قوة أنْ تتخذ طريق العنف والدم والذبح والتقتيل طريق الآلام والعذابات جديدة بعد أنْ تخلص شعبنا من زمن العذاب والمصادرة ولابد لنا من أجل الاستقرار والأمن والأمان وبدء إعمار الذات المنهكة. ولنقف وقفتنا في فضح أدعياء اعتلاء كرسي المرجعية وهم ليسوا أكثر من جهلة من صنّاع الموت خدمة لأغراض دنيئة لعصابات منظمة مرجعها الحقيقي قوى الموت خارج بلادنا المبتلاة بأشكالهم التي ما أنْ يُنزع عنها القناع حتى تظهر معدنها القبيح المعادي لكل ما هو إنساني كريم ونظيف ونزيه...

بملخص القول العراقيون الشيعة جزء أساس من عراقنا ومرجعيتهم الحقيقية هي الروح العراقي الصميم ومصالحهم مصالح العراق بينما تظل المرجعيات القادمة تحت عباءة التخفي وقناع التزييف والتضليل من وراء حدودنا معزولة عن أبناء شعبنا العراقي من الشيعة ومن غيرهم فيما يحتفظ كل العراقيين بواجب الاحترام للمرجعيات الحقيقية التي تقف بين الصفوف الشعبية السائرة في طريق البناء والعمار...

 

 

خاص بإيلاف \ أصداء