ما هي أهم العراقيل التي تواجه المسيرة الديموقراطية؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  04 \ 12

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

هناك عقبات شتى تجابه المسار نحو الديموقراطية أولها ذلك الإرث المرضي من امتداد زمن الدكتاتورية واستلاب كل شكل من أشكال التعبير عن الإنسان وحقوقه إلى حد لم يمتلك طوال العقود الأربعة الأخيرة أي طرف حتى حقه في الحياة وكانت العبودية هي السجل الحافل بوجوده في بلادنا ما أبعد الإنسان العراقي عن أية ممارسة حقة أو دربة جدية لتنسم أنفاس الديموقراطية...

ومن الطبيعي أن يشكـِّلَ مثل هذا الإرث الثقيل قوة فعل عبـْرَ ما خلـَّفه من مشكلات نفسية تربوية مترسبة في نفوس الشخصية  العراقية.. وغير هذا الإرث البائس نجد حالة خاصة من الفوضى أصابت العراق بُعيد انهيار مؤسسات دولة الطغيان ولم يكن من السهل إعادة بناء مؤسسات دولتية جديدة بالسرعة الكافية لضمان الشروع المباشر بمسيرة التغييرات الجذرية..

وفي ضوء ذلك لم تكن  الخبرات المتوافرة لدى شعبنا العراقي في مسائل ممارسة الديموقراطية مطابقة لتطلعاته ولتلهفه من أجل أسرع وقت ينجز فيه إشادة مؤسسات الديموقراطية مؤسسات المجتمع المدني الجديد؛ فهي [أي تلك الخبرات] أدنى بالقياس لآثار زمن طويل من الاستلاب والمصادرة للحريات كافة.

من هنا فإنَّ جهود النخبة العراقية ستكون مضاعفة ولن تستطيع تلك النخبة لوحدها ومن دون مساعدة دولية تلبية كل ما تحتاجه الممارسة الديموقراطية من أدوات.. وعليه فلابد من استعانة [مؤقتة] بالدعم الدولي ومؤسسات الدراسات والاحصاء والتقويم وغيرها من أجل النجاح المطلوب للممارسة ومن أجل الإسراع بالأمور الإجرائية التنفيذية لإشادتها وإتمامها...

ومن جهة أخرى فإنَّ مسيرة ديموقراطية تشترط دولة قوية بمؤسساتها القضائية ومؤسسات ضبط القانون ومنع الاعتداءات والانفلات لابد من توافرها بتكامل.. ولابد من توفير تغييرات جدية وجذرية ـ على المدى البعيد ـ في المواد التربوية التعليمية تخدم مسارات الممارسة الديموقراطية .. وتلك ثغرة نحتاج فيها لجهود متشابكة كثيرة لتحقيق تلك التغييرات في ظروف تداخلات  راهنية معقدة محلية وأجنبية...

فيما سيكون من الموضوعي أيضا تحديد ـ بمعنى تشخيص وتعريف متوافق عليه دستوريا أو قانونيا ـ نقول تحديد فلسفة الحريات والممارسة الديموقراطية والتعبير عن الذات بما يكفل منع الفوضى والانفلات من جهة ومنع القوى الخارجة على القانون من وضع يدها على مساحة من الميدان السياسي العراقي. أي وبدقة وصفية تامة بما يكفل وقف أعمال العنف الدموية التي تشكل حجرا أساسا خطيرا لضرب الديموقراطية ومسارها  ولإشاعة الإرباك المعرقل لأجواء العمل السلمي  الحر ...

ومعروف كيفية توسع دائرة العنف المسلح من وجود أصابع أجنبية ومن وجود قوى المراهقة السياسية وغليان الشارع بتداخلات حماسية غير مسبوقة فضلا عن عمليات ردود الفعل الناجمة عن عوامل منها موضوعية كما هي حالة النسبة الكبيرة للبطالة والتعطل عن العمل وما ينجم عنها ومنها غير موضوعية عائدة لمكونات عقل الفرد الذي تربى في ظلال نظام المسخ والتشويه للعقل الإنساني...

ومن الطبيعي أنْ نلتفت إلى التشكيلة الاجتماعية التي جرى تصنيعها وافتعالها وحرث الأرض المناسبة لإعادة تخليقها بعد أنْ غادرت مسرح الحياة في الميدان العراقي المتمدن.. من مثل تشكيلات الأسرة الكبيرة والعشائر والقبائل وأقسامها وكل ما يمت إليها بصلة في التركيبة الاجتماعية الموروثة عن نظام التخريب والنكوص والرجوع إلى الوراء.. وهذه مؤسسات أو تشكيلات تتعارض أو تعرقل مسيرة صحية صحيحة للديموقراطية الحقة في بلادنا... وبهذا الخصوص ليست تلك التشكيلات دائما سلبية الوجود ولكنها ستكون كذلك   [فقط] عندما تلعب قوى تتعارض مصالحها مع الديموقراطية دورها في استغلال الظاهرة استغلالا سلبيا معاكسا لتيار حركة الحياة الجديدة..

ومثل هذه الحقيقة سنجد الممارسات الأيديولوجية المتكلسة المتجمدة وتيارات التطرف الديني بخاصة منها التي تتكون على شاكلة أحزاب نـُظـُم أفغانستان وإيران من حَمَلـَة لواء العمامة بلا عقل والعباءة بلا روح إنساني ولكنَّها مجرد شعار أو رمز أو قناع يتخفون به فيما جواهرهم ليس لها علاقة بالعمامة نفسها لا من قريب ولا من بعيد, ومن الصعوبة بمكان في مرحلة البداية والشروع أنْ يجري الكشف عن الصحيح الحقيقي من الدعي المزيّف من أصحاب الأعمة والجلابيب ما يستدعي الاستعانة الجدية بمؤسسات الحوزة والمرجعية لفضح الأدعياء وإبعادهم عن ساحة التأثير السلبي المرضي...

وبالعودة إلى موضوعنا بنظرة عامة فنحن نحتاج إلى إجراءات جذرية شاملة كل مرافق حياتنا المباشرة وغير المباشرة.. وإلى تضافر كل الجهود لكل التيارات المتنوعة الموجودة في ميدان العمل من دون استثناءات أو إقصاءات مسبقة.. وللتعاطي بروح سلمي مع الوقائع والأحداث وبروح تفعيل القانون وعدم التهاون في وقف أي تجاوز عليه بأي حجة ولن تكون ذريعة الديموقراطية مطية لتمرير أعمال أو أنشطة معادية لمسيرة الديموقراطية نفسها...

 

خاص بالبرلمان العراقي  www.irqparliament.com