من مظاهر الفوضى والانفلات السياسي؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  04 \ 12

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

في ظروف الانفلات الأمني وفقدان سيطرة المركز بمعنى فقدان مؤسسات الدولة وسلطة القانون تطفو على السطح ظواهر عديدة منها حالة تشظي المجتمع والتجائه إلى معالجات غير موضوعية بخاصة على مستوى خطابه السياسي الذي خضع [في حالتنا العراقية] لسنوات وعقود طويلة من الاستلاب والمصادرة..

 وفي ظل ذلك انحسرت دائرة التأثير الواسع للقوى والأحزاب الوطنية ذات المعالجات الموضوعية الصحية الصحيحة, ما أدى في ظرف الانفلات والفوضى المسيطرة على الشارع السياسي العراقي إلى ظهور عدد من الأحزاب التي ستجد طريقها موضوعيا في التوحد والانضمام إلى بعضها بعضا بما يضعها في إطارها البرامجي الفاعل الصحيح, ولكننا هنا بصدد أمر آخر..

ففي ظل الظروف التي أشرنا إليها, وهي ظروف سلبية في بعض نواحيها تولد تجمعات فوضوية منفلتة من عقالها تستند إلى نزعات الاندفاع والانفعالية العاطفية وفورات المراهقة السياسية.. وهي هنا ليست قوة متأصلة أو متجذرة أو ذات وجود مجتمعي صحيح؛ ولكنها حركات طارئة تظهر وتزول تاريخيا في مثل هذه الأطر والظروف العابرة.. وعليه فمن الصائب أنْ تتوافق القوى الاجتماعية على تشخيص الحالات الطارئة هذه وتضبطها بالروادع القانونية التي يتوافق عليها المجتمع ومؤسساته الوطنية كما سنورد ذلك ونعالجه في الموضع اللاحق..

إذ ترك المجال لتلك القوى لتقوم بأنشطتها وللتصاعد والتصعيد في فعالياتها سيكون أدعى لتوريط المجتمع بكارثة كبيرة وخطيرة حيثما تتصاعد سلطة الفوضى والانفعال وسطوة العقل السياسي المراهق على الشارع. حيث سندخل في دوامة بعيدة الآثار بخاصة وعراقنا فيه نسبة الشبيبة تحت عمر الثامنة عشر كبير جدا لظروف معروفة... وإمكان انتشار ردود الفعل الحماسية القاصرة سيكون مثل انتشار النار في الهشيم. فيما لم يعد مجتمعنا يملك من فرص متاحة لخسائر تراجيدية كارثية مُضافة أخرى...

ويمكننا هنا ضرب مثال لمظهر من مظاهر حالة الانفلات السائدة اليوم. فلدينا حالة مخصوصة تمَّ النفخ فيها وتضخيمها حتى صارت على كل لسان تلك هي حالة أحد تلامذة الحوزة في شخص اسمه مقتدى وهو شاب وقعت عائلته بين إرادتها المخلصة ومسؤولياتها الكبيرة وبين اضطهاد الطغيان ومعاوله الهدّامة وعائلته التي ضحت بوجودها من أجل قضية نبيلة فألحقت الابن بالحوزة تلميذا ليتابع الخطى المبدئية لها..

 ولكننا في إطار طبيعة تركيبة مجتمعنا وفي ظرف الاحتلال واستعجالا لتسليم السلطة الوطنية بوساطة مفاهيم تقليدية عن الصراع بين القوى ولصعوبة فهم تعقيدات الوضع الحالي بل انتفائه عند شخص كمقتدى, وجدنا أنفسنا بمجابهة مظهر سلبي خطير. بخاصة ونحن نجابه حالة من تضخيم مرضي لشخص مقتدى والأنفار الذين تبعوه وبالتحديد في ضوء وجود مصالح لقوى تغزو الميدان العراقي وتحاول الضرب على أي وتر يناسبها في تعميق التشظي والتفتت وانهاك الوطن والشعب وقواهما الحامية الحقيقية..

وعليه فليس صحيحا في مثل هذه الحالة ترك الأمور سبهللة المسير بل لابد من ضبط القانون والشارع ووضع الشخص المناسب في موضعه فيعود التلميذ إلى مقاعد مدرسته ويعود الأستاذ لممارسة دوره وتعود القوى السياسية العراقية لتقود المجتمع على وفق تمثيلها النسبي لفئات المجتمع المتنوعة المختلفة ولكن اختلاف الجدل الديموقراطي السلمي الذي ينفع ويطور ولا يهدم...

ومن مسؤولية جميع القوى صاحبة الشأن احتضان فورة الشبيبة وانفعالاتهم وتهذيبها ووضعها في إطارها الصحيح؛ ومن هؤلاء على الحوزة والمرجعية أنْ تضع حدا لتجاوزات العقل المراهق على خبراتها وعلى رجاحة العقل عندها وعلى تمكنه واقتداره وأنْ تمنع فوضى سطوة نفر من المندفعين من طلبة وآخرين على مواقع التعبير عن الحوزة من جهة وعن المرجعية التي تملك وسائلها في التعبير من جهة أخرى...

أما سياسيا وقانونيا فالسلطة المدنية كفيلة بوضع حد للتجاوز على مصالح الناس وأمنهم وسلامتهم وحيواتهم ولكن الهدوء والتفاعل مع الواقع بتؤدة وحكمة ينبغي أنْ لا يبتعد عن سلوك أية سلطة وطنية تجاه الأوضاع القائمة...

وبقراءة ملخصة يمكن القول بأنَّ مقتدى مثالا للاندفاع الفوضوي الضار هو مجرد حالة أو مظهر سلبي من مظاهر الانفلات الذي وُجـِد لدواعي فقدان مؤسسات القانون من جهة وانحسار سيطرة مؤسسات المجتمع المدني بخاصة منها الأحزاب والجمعيات التي حوربت طويلا وصودرت واُستـُلِب حقها في الوجود حتى كادت تُنسى من جهة التأثير الجماهيري الواسع..

ولأنَّ المجتمع أقرب لحالة من التهالك والاستنزاف ولدخوله مرحلة انتقالية قلقة شديدة الحساسية وكبيرة الخطورة من جهة فقدانها أدوات أو بوصلة التوجيه البديلة لعنف الدكتاتورية لكل ذلك كان لمقتدى فعله ولو لم يكن هو موجودا لكان أي اسم ىخر سيوجد ويحتل مكانه في مرحلة تعاني من عدم الاستقرار إلى حد كارثي...

إنَّ تشخيص هذه الحالة يدعونا للتدقيق في كيفية اتخاذ قراراتنا على المستوى الوطني, وأنْ نكون في حالة من الاستعداد للحسم والحزم وفي عدم التهاون مع مظاهر الانفلات والفوضى في مسيرة راسخة ثابتة من أجل صنع الاستقرار وتوفيره قاعدة أو أرضية لغد البناء وإعادة الإعمار فلم يعد لدينا من متسع لإضاعته مع العابثين ومراهقي السياسة وشعبنا يريد الشروع في تطبيع الحياة والعيش السلمي المستقر...

 

خاص بالكاتب العراقي    www.iraqiwriter.com