ماالدور المؤمَّل من الأنتلجنسيا العراقية

لدعم مسيرة الديموقراطية؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

              2004\  04 \ 20

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

 

تتزايد مع الوقت الأهمية الملقاة على عاتق الأنتلجنسيا العراقية بخاصة ـ في الظرف الراهن ـ بوصفهم أصحاب العقل الذي سيُعنى بمعالجة المشكلات المعقدة على صعيد مستقبل الشخصية الوطنية والهوية المخصوصة للأمة العراقية وعلى صعيد وقف مهزلة الاستلاب والمصادرة التي مورست ردحا طويلا من الزمن بذريعة الانتماء القومي للأمة العربية من دون فعل حقيقي يخدم المصالح القومية الصادقة أو الحقيقية ومثلها الدور المنتظر في معالجة مشكلات مسيرة الديموقراطية وقضاياها العقدية الجوهرية..

ويمكن بل يجب للأنتلجنسيا العراقية أنْ تنهض بمهامها وواجباتها تجاه المجتمع ومؤسساته في مختلف الميادين وإلا فهي تقف موقف النكوص والتراجع عن الارتقاء لمستوى المسؤولية الملقاة عليها.. سواء كان ذلك في صياغة الخطاب الحضاري لمجتمعنا أم تجاه تفاصيل مسيرة المجتمع الوليد على أسس جديدة من مبادئ الحرية والديموقراطية...

إنَّ من مهمات الثقافة وخطابها اليوم معالجة مباشرة فورية وسريعة لأوليات الإشكالات التي تجابهنا اليوم .. ولعلَّنا نستطيع ولوج تلك المعالجات عبر منافذ من نمط تكثيف العلاقة مع الجمهور [من قبل الأنتلجنسيا] وتفعيلها بما يدير الخطاب بتواصل من غير انقطاع من جهة التتابع الزمني, بحسب كثافة الفعاليات؛ وعبر لغة موضوعية مناسبة تصل ذهن جمهور الثقافة بل أوسع جمهور ممكن وتؤثر فيه وتثبت في الذهن بتوظيف الآليات المناسبة لتحقيق تلك النتيجة..

وعلينا كذلك التأسيس لمصطلحات الثقافة التي تمد يدها نحو الذهن الإنساني البسيط غير المعقد غير المركب الممتنع على التواصل. وتلك مهمة حيوية ينبغي أنْ يدركها المثقف والمتخصص الأكاديمي ولابد له هنا من تذكر ما للغة التفكير البياني لا البرهاني من سلطة على العقل البشري وعلى وعينا الجمعي في العراق, ما يؤهل لتوظيف الإبداع الأدبي والخطاب الثقافي المجاور في مهمة تعزيز ما نؤسس له من حياة متنورة جديدة وهذه إشارة مخصوصة بخطاب الإبداع الأدبي منه بوجه التحديد من دون إلغاء أو تقليل من شأن خطاب النقد وبقية الخطابات الثقافية المتنوعة الغنية...

وبخلاف ذلك فإنَّ السبق سيكون لخطاب الجهالة والظلامية التي تسطو على الذهن البشري بسرعة كبيرة فتلتهم بنيانه وتلفه بظلام وبطقوسية لا يمكن شفاؤه منها عبر عقود من البناء.. فالتخريب شدَّما يكون سريعا سهلا في آليات أدائه.. فيما البناء تعظم أمور معالجة أركانه وتفاصيله وحاجاته.  بخاصة بناء الروح. فحيثما سادها الظلام والعتمة ضاعت الروح بعيدا في مجاهل مغاور ترجع بالإنسان إلى أعماق تاريخ انقضى زمنا ولكنه عشعش فكرا وآلية وحياة...

ويمكن أنْ أضرب مثلا في لجوء شبيبتنا وحيرتهم بين طريقين: الفراغ الروحي والضياع في عتمة أخلاقيات الموضة وصرعات مرضية من المجتمعات الغربية وأخذ القشور والسطحي التافه من الأمور من أزياء وأغاني وما إليهما.. وبين الضياع في المغالاة والتطرف وولوج عوالم العنف المبرر بذرائع دينية أو طائفية أو ما شابه والدين ومذاهبه وغيرهما من الفكر الإنساني النيِّر براء تماما..

إنَّ مهمة خطيرة تتحملها مشروعات الخطاب الثقافي ومفرداته وبرامجه في بلادنا اليوم؛ فهلا توجه اتحاد الأدباء وروابطه واتحاد الصحفيين والفنانين والمسرحيين والأكاديميين وكل أطراف الخطاب المقصود, هلا توجهوا لمعالجة جدية فاعلة اليوم قبل الغد؟!

 

                             وفي ظل الأوضاع الاستثنائية, تقف أمام ثقافتنا مهمات كبيرة.. وعليه فإنَّ مثقفينا يتحملون مسؤولية تاريخية بمواجهة مثل هكذا قضايا معقدة شائكة. ذلك أنَّ الأمر لن يقف عند مسألة إصدار بيانات شجب واستنكار للجرائم المرتكبة. إنَّ مهماتنا تكمن في البدء بتركيز الجهود التي تنادت هنا وهناك. وتطوير الأنشطة الفردية إلى فعاليات جمعية والتحول النوعي بها وذلك عبر توحيد جدي وحقيقي يصبّ في حملة دولية متكاملة محدَّدة المسار والخطوات ويتقاسم مثقفونا وتجمّعاتهم النوعية الأدوار المتعاضدة المتكافلة .. وفي هذا الإطار يمكن أنْ نقرأ مهام أخرى بوصفها من أولويات عملنا الحالي:ــ

 

·       ونحن نستذكر جريمة حرق المكتبات ودور التوثيق الوطنية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني ونهبها الأمر الذي ينبغي أنْ يقوم مثقفونا للرد عليه بمخاطبة مبرمجة وبحملة منظمة وذلك عبر عقد الصلات مع المكتبات العالمية المعروفة وكذلك أية مساهمة كانت بالتبرع لمكتبات العراق الأساسية ومكتبات الجامعات والكليات وبالاتصال بالدوريات العلمية في الجامعات التي نحن على صلة بها لكي تنظّم دعما عينيا وماليا سنويا على أقل تقدير على مدى السنتين القادمتين.. وينبغي تعبئة الرأي العام العراقي بإقامة الصلات الوثقى بينه وبين المؤسسات المنهوبة بغية توفير أرضية جدية مناسبة وقاعدة للدفاع الوطني عن تراثنا بتوضيح أهمية هذا الفعل الخطير وعلاقته بحايتنا المعاصرو وبمستقبلنا..

 

·         دعم النتاجات المسرحية والسينمائية والتشكيلية والأدبية وكل الأعمال الإبداعية حسب برنامج عمل يُتفَق عليه ويتم تنفيذه بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية بمثل هكذا مهمات.. على سبيل المثال أنْ تقيم بعض المؤسسات الدولية والأجنبية مهرجاناتها أو عروضها في بغداد ومدن العراق الأخرى وفي الإطار تقدّم الدعم الممكن لنشاط عراقي مماثل, ويمكن للجمعيات والمنتديات الثقافية العراقية في الخارج تأدية مثل هذا الدور..

 

·       القيام بمهرجانات الثقافة العراقية في مختلف المدن والقصبات وتوسيع أرضية المشاركة الجكاهيرية والتفاعل بين الإنسلان البسيط والآخر المنتنمي للنخبة الوطنية المثقفة ومثل ذلك إقامتها على مستوى بلدان المهجر ومدنه مع دعوة فرق أو جماعات الثقافة من الداخل لتقديم العروض أو للمشاركة في المهرجانات الدولية وذلك عبر عقد الصلات المناسبة لتنفيذ هذا النشاط الذي يحظى بأهمية للتفاعل والتلاقح بين الثقافات..

 

·       ومن البدهي أنْ نرى أهمية الثقافة في صياغة مشروعنا العراقي الوطني الحضاري وخطورة تأثيره على كل الخطابات الوطنية بخاصة منها السياسية التي بدت اليوم أكثر ارتباكا أمام مشهد التغييرات الجذرية المزلزلة للكيان بمكوناته كافة بمعنى العمل الفاعل من أجل صياغة الهوية الوطنية لأمة عراقية تتشكل بعد مخاض طويل وولادة  متعسرة مخصوصة في مشكلاتها وعنف ما أصابت به مجتمعنا بسبب تلك الظروف الصعبة والمعقدة التي أحاطت بتلك التغييرات..

 

·       كما إنَّ إزالة آثار الماضوية المرضية الخطيرة التي ما زالت فيروساتها تفعل فعلها من جهة الظهور والتخفي وراء أقنعة مزيفة من النفاق والرياء ما يساعدها على افتراش مساحة من الميدان الجديد لحياتنا الوطنية وهو أمر مثير للقلق ولقطع مسيرة الاستقرار التي نحتاجها وعلينا اليوم مهمات مضاعفة المسؤولية من جهة دور الخطاب الثقافي لمحو تلك الآثار البائسة ومنع تأثيراتها السلبية المعرقلة بل المدمرة...