ذرائعية إباحة العمل السياسي العام للمجرمين والخارجين عن القانون

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  04 \ 20

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

يتابع العراقيون اليوم ما يجري من صراعات في ميدانهم السياسي الجديد. ومن ذلك قيام بعض العصابات المنظمة والتشكيلات المسلحة القادمة من وراء الحدود بذريعة تأسسها على قاعدة معارضة النظام الديكتاتوري أو بذريعة كونها الجيش القادم لعراق الغد الخاضع لسلطتهم وهم الوصياء على وجود العراق الجديد والعراقيين بكل أطيافهم.. هذا مع وضوح الجريمة وعناصرها في أفعالهم المفضوحة اليوم وخروجهم على القانون في مسؤوليتهم الجنائية عن عدد من الاغتيالات وأعمال القتل والاختطاف التي توجد اليوم ملفاتها لدى القضاء العراقي..

وبغض النظر عن طبيعة الجريمة وردود الفعل القانونية التي تستحقها وهي أمور مهمة وخطيرة الشأن, فإنَّنا هنا بصدد أمر آخر .. ألا وهو تأهيل عدد من تلك القوى وتحويلها إلى قوى سياسية ناشطة في الميدان العراقي في ظروف العراق فيها يحتاج لغربلة جدية مسؤولة تُبعِد عن أنائه مشكلات الاختراق التي صارت مفضوحة علنية أمام أنظار الجميع.. حيث صار الذي يرطن بالأعجمي من اللغات ولا يعرف ولا حرف واحد من أية لغة عراقية يحمل جنسية العراق بحسب قانون السمسرة الذي يحكم بعض القوى التي تمتلك منافذها الخاصة لمثل هذه الأفعال...

وبمناقشة مبادئ تلك القوى وتصوراتها الفكرية بخاصة منها مبدأ التقية الذي تستظل به نجدها تعلن شيئا وتخفي آخر لمآرب معروفة أو صارت مفضوحة معروفة من وقائع ما يجري في الحياة اليومية لشعبنا اليوم.. وهي تعلن اليوم بأنّ هدفها الأكيد السلطة التي إنْ أخذتها فلا منازع لها فيها بمعنى لا تداولية في السلطة العائدة حسب فلسفة تلك القوى لأصحابها بعد قرون من الزمن وهم يفكرون بمعايير ومقاييس قبل 1500سنة!!! كما أنَّها تشكل لهذا الغرض قواتها المسلحة وعصابات الجريمة والترويع وخلق القلاقل وهي تفعل وتمارس ذلك جهارا نهارا اليوم من دون رادع جدي...

كما أنَّها لا تكتفي بالقول بحقها في السلطة بل تفرض اليوم وهي خارج السلطة تصوراتها ومعتقداتها الطائفية المريضة على جميع العراقيين من علمانيين وأصحاب ديانات سماوية وغيرهم من الطوائف والمذاهب والشيع والفرق وتعمل على تنفيذ سياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوة السلاح...

وبالمحصلة فهذه القوى حيثما وجدت نفسها في مأزق المحاصرة الشعبية وقوة الدولة تمسكنت وادعت توجهها للعمل السياسي البحت ولكنها لا تخفي عقيدتها ولا تعلن تخليها عنها وهي تضع في برامجها السياسية المعلنة والمخفية مبادئ تتعارض مع العمل السياسي السلمي الديموقراطي التعددي التداولي فهي في فكرها عبر تأسيسها لوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتكفيرها مجتمع بكامله وطوائف ومذاهب بكاملها تنكر التعددية وهي بفرضها سلطتها وتمسكها بحقها الطبيعي والتاريخي بالسلطة ترفض التداولية وهي بمطاردتها القوى الدينية والسياسية المختلفة مع تصوراتها ترفض الديموقراطية ..

إذن على أي أساس يقبل المجتمع السماح لها بالعمل المنظم في ظل دولة القانون والتعددية والتداولية؟ وهل من الحق والعدالة أنْ نسمح لمثل هذه القوى التكفيرية التي تعادي المجتمع وتعمل ما تعمل من تخريب وتدمير وتقتيل بالعمل مستفيدة من الديموقراطية لضرب الديموقراطية؟ وبالعمل في ظل السلام الشعبي لضرب السلام؟

إنَّ شعبنا لايجد اية ذريعة موضوعية للسماح لأية قوة بالعمل إلا إذا خضعت للقانون وآمنت قولا وفعلا وممارسة بالتعددية واحترام الآخر والتداولية وانتهت عن أفعال الجريمة... ولابد من التذكير  هنا بأنَّ كل التظم في العالم المتحضر تمنع المجرمين ومنهم السياسيين من العمل السياسي لمدد بعينها ولابد هنا من منع أولئك الذين ارتكبوا الجرائم سواء في ظل النظام السابق أم في الظروف والملابسات القائمة من العمل السياسي المباشر قبل انقضاء مدد معلومة وحسب القانون بحقهم قبل أنْ يسمح القانون لهم بالعودة للحياة العامة بحرية تامة..

وعليه فإنَّ نموذجا مثل عصابات القتل من أتباع مقتدى وأمثالهم لا يمكن لمجتمع القانون أن يسمح لهم بالعمل بحرية قبل أن يخضعوا للقانون ومبادئه وينتهوا حقيقة عما هم فيه من تصورات وأعمال إجرامية. وتلك هي الحقيقة القانونية الوحيدة التي ينبغي أنْ نسير عليها جميعا من دون استثناءات لأية اسباب كانت وللدولة أنْ تتخذ الإجراءات الكفيلة بحماية تطبيق القانون وضبط مصالح الناس ومستقبلهم...

وبالجملة لا يؤاخذ القانون على جرائم بالتقادم ولكنه ينبغي ضبط الأمور بموضوعية تحفظ الممارسة الديموقراطية بخاصة ونحن في أول الطريق والانتقال الفوضوي حسب الراهني الذي نراه سيؤدي إلى عكس ما يبتغيه الشعب ويطمح إليه والتجربة القائمة خير دليل. ولكننا يجب أنْ نوجد للقانون والدولة وعملها ومسارها أدوات للحماية والدفاع عنها قوية وشديدة وإلا فويل من عصابات وأشقياء الشوارع ...

فإذا أردنا حقا غدا مستقرا وحياة كريمة فلنردع مجرمي اليوم بيد حديدية وفي وقت يجب احترام حيوات الناس والدفاع عنها لابد من تذكر ألا مناص من مسيرة القوة الحامية لوضع حد لمشردي الشوارع وقطاع الطرق والمجرمين.. أما إذا تركناهم هكذا هدد مدد فلنقرأ على عراقنا السلام ووداعا اسم حضاري مجيد ظل مجيدا ويظل كذلك حتى إذا سلمناه لتلك العصابات انتهى وولى فلا تسلموه لهم...