الطبقة العاملة العراقية

ومسؤوليتها في بناء الاستقرار والتقدم ومجتمع العدالة والمساواة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \ 01

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

تفاعلات ساخنة في مسيرة العراق اليوم وأصابع مختلفة الأهداف والوسائل تمتد لتأخذ حصتها من بلاد افتقدت كثيرا من سيادتها الحقيقية, وهي تسير باتجاه استعادة التوازن على أرضية عمل صبور ونـَفـَس طويل في مقارعة تعقيدات وتداخلات وتدخلات خطيرة التأثير على مسارنا الراهن والمستقبلي.. ويستجد في وضعنا عامة اختلال التفاعلات الوطنية وتوازنات قواها بسبب من عمق التدخلات الأجنبية ودورها الشاخص في الأحداث بسبب خطير آخر يتمثل في ارتباطات بعض القوى المحلية [أو الوطنية] بجهات إقليمية أو دولية ودفع تلك الارتباطات باتجاه اختلالات مؤثرة....

ولكن حركة الفعاليات السياسية التي تحكمها الظروف العابرة أو الطارئة لا يمكنها أنْ تستمر طويلا ما يعني مسؤولية جدية للقوى الوطنية لإعادة التفاعلات بينها بطريقة إيجابية تعتمد القرار الوطني الداخلي بروح مسؤول لإعادة إعمار البلد المخرب أرضا ونفوسا.

وهذا ما يظهر من ذياكم الإصرار الناجع على إعادة الأمور إلى مسارها العراقي وعبر العناصر الفاعلة في الحياة العراقية.. ولأنَّ  مجتمعنا العراقي مجتمع حديث متطور البنية وتشكل فيه الطبقة العاملة نسبة مهمة في الوجود الاجتماعي والثقل السياسي, فإنَّ الشغيلة ينبغي أنْ يكون لهم وزنهم النوعي في مسار تلك الأحداث الجارية...

وطرق تعبير الطبقة العاملة عن ذاتها تكمن في التنظيمات المتنوعة من أحزاب سياسية عمالية أو تحمل الهمّ أو الشأن العمالي في برامجها ومن جمعيات ونقابات واتحادات نوعية من الخطورة بمكان بحيث ينبغي لنا الالتفات إلى دورها وتفعيله بمنحه حقه في الوجود.. وينبغي التذكير هنا بالمسؤولية الوطنية لكل الأطراف السياسية للعناية بالتنظيم العمالي لأنَّ المرحلة تستدعي تحالفات أوسع القطاعات الوطنية بمواجهة المصير الشمترك...

إنَّ قيمة صوت الطبقة العاملة العراقية تكمن في أنَّه سيكون الحاجز الجدي والحقيقي لوقف تلك الدعوات التشويهية التضليلية التي تنطلق اليوم من قوى التخلف والتراجع والظلام وهي قوى طارئة على مجتمعنا تستغل ظرفا غير طبيعي لإثارة ما يخدم نوازعها الشريرة المعادية لاستقرار المجتمع, بل أداة قوى الظلام للوجود هو حالة عدم الاستقرار ...

من هنا كان لابد من البحث عن وسائل الوصول إلى الاستقرار وليس ذلك إلا من خلال قوة وطنية تشكل أساسا للوجود الاجتماعي وفي بلادنا تلك هي حقيقة الطبقة العاملة كونها مكونا أساسا كبيرا ومؤثرا وليس من الغريب أنْ نذكـِّر ببطولاتها وتضحياتها ونضالاتها الطبقية والسياسية من مثل ملاحم كاورباغي وكي ثري وإضرابات الموانئ والنفط والكهرباء عامة ولنتذكر درجة وعيها ومسؤولياتها وما مارسته على سبيل المثال لا الحصر في دعم تنظيمات عراقية وطنية مهمة من مثل حماية مؤتمر الطلبة [مؤتمر السباع] وتوفير أجواء إنجاحه ولنتصور مثل هذا الموقف الواعي المتقدم وما يعنيه في أربيعنات القرن الماضي ولنتصور ما هي عليه اليوم من تجاريب العمل السياسي وخبراته..

من هنا كانت عملية البدء الناضجة لبناء بلادنا المدمرة تتوقف على شغيلتنا في توجههم لافتتاح مصانعهم ومعاملهم ومواقع مشاريع البناء بجدية عالية ولينطلق العاطلون عن العمل لرفض واقع العطالة والتبطل وتوقف العمل ليثبتوا بتوجههم هذا تحويل حرصهم إلى عمل دائب من أجل الحياة الحرة الكريمة لأنفسهم ولشعبهم...

إنَّ توسيع توجهات الشغيلة نحو تنظيم نفسها أمر ينبغي أنْ تنطلق منه عمليات التأسيس لمرحلة جديدة من حياة العراق الحر المستقل فاستقلالية العراق لا تتم من فوهات البنادق وأنهار الدم بل من توطيد السلم والديموقراطية. السلم بوصفه إطارا للبناء والديموقراطية التي تؤسس لحرية الخيارات وانتعاش التفاعلات بين الآراء الحرة المتنورة التي ديدنها الحقيقي وجوهرها البناء والتقدم ومصير ملايين العراقيين وسعادتهم..

إنَّ النضالات القوية الراسخة تبتدئ بتنظيم الناس ولفهم في اتحادات العمل أولا وتوسيع أرضية التنظيمات وفي تطويرها نوعيا وهو الأمر الذي تنهض به اتحادات اليوم من اتحاد العاطلين وهو من أهم الاتحادات التي تتعايش اليوم مع ظروف بلادنا الطارئة المعقدة الصعبة .. وغيره من الاتحادات النوعية وما تتحمل من مهام في تحريك القاعدة العريضة..

وليتذكر عمالنا اليوم أنَّ من مسؤولياتهم الجوهرية التوجه لتلك النقابات والاتحادات وليدفعوا بثقلهم الأساس من أجل حياة إنسانية مستهدفة صحيحة وصحية. ومن دون التواصل والعمل الفاعل مع تلك التنظيمات المهمة لن يكون لعراقنا عالمه المستقر قبل أنْ يمضي ردح من الآلام. فوحدهم أكثرية شعبنا من الشغيلة وحدهم الأغلبية من عمالنا هم الحل لوضعنا المأزوم الراهن, وليس أية أكثرية مفتعلة مصنعة لا يهمها سوى الطقوس المصطنعة في مجتمعات غريبة علينا ودخيلة علينا من وراء حدودنا ..

 أكثرية وأغلبية عراقية صميم وليس أكثرية أو أغلبية حزبية تدعي مرجعيتها للناس وهي لا تتصل بهم ولا تتصل بحيواتهم ولا يهمها من الناس إلا ما يجعلهم سواتر يحتمون خلفها بجرائمهم البشعة التي تأخذ من الإنسان جسده وحياته ليكون موئلا لمتفجراتهم التي تفتك باستقرارنا وبحيوات نسائنا وأطفالنا وعالمنا الحر السعيد...

إذن فدور الطبقة العاملة يكمن في عميق المسؤولية تجاه الابتعاد عن تلك التنظيمات ومحاصرة فعلها الإجرامي بحق شعبنا وبحق مصيرنا. أما الولوج إلى قلوبنا من الدين فليس بحق ولم يكن يوما زعران السياسة هم قادة المجتمع ومرجعياته الدينية والسياسية والاجتماعية ... أما الولوج إلينا من تقسيمنا إلى طوائف وشيع وفرق فهو أمر يعادي منطق العقل السوي لأننا شيعة واحدة وفرقة واحدة وشعب واحد وتكويننا يقوم على طبقات المجتمع ومصالحها الوطنية الموحدة اليوم وهي تتفاعل فيما بينها إيجابيا من أجل البناء والإعمار والتقدم..

فمن أجل إزالة سواتر الظلام ومتفجرات الموت التي تطارد أبناءنا وحيوات شعبنا لابد من تنظيم واسع مؤثر ومن تفعيل دور الشغيلة وتصعيد مهماتهم بوضوح وألا نستكين لقدر التخلف وظلمة التراجع وتصنيع مشاغل الدمار والتخريب؛ وعمالنا أوعى وأكثر نباهة لما ينتظرهم من دور حقيقي..

إنَّ عودة الشغيلة وتنظيماتهم لاحتلال دورهم في الحياة السياسية الوطنية هو المدخل الحقيقي للحل لأزمة تعصف بنا وتمهد لغد بين الظلام والتخلف والدمار بلا قائمة لحضارة وادي الرافدين ومعارك ستظل تطحن بنا وبأجيال لاحقة وبين عالم مستقر, عالم السلام والتحرر والعمل والبناء هذا العالم الذي لا يأتي إلا بقوانا العاملة المصرّة على الذهاب إلى حيث تشغيل كل مواقع العمل بلا استثناء...

 افتحوا ابواب الجنة.. افتحوا أبواب خلق خيرات نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إليها.. لا تركنوا في بيوتكم..  اخرجوا اليوم لأنه يوم البداية من أجل غد أفضل فغدا ليس يومنا إنَّه يوم المأساة التي تحل بنا وتمنح الأعداء سلطة ينبغي أن نحصل عليها نحن أبناء الشعب العامل بعد أن ولى الطاغية وسلطته وزمنه إلى غير رجعة...