الطبقة العاملة والسلام والديموقراطية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  04 \ 28

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

 

[1]

 

قرون من الزمن والطبقة العاملة مسجلة خطر أحمر في سجلات شرطة الدولة الرأسمالية.. وهي مسجلة سوابق في القانون السائد كونها مثيرة للاضطرابات والإضرابات والتمردات على أشكال الاستغلال البشعة التي تعاني منها!؟ إنَّ الطبقة العاملة محكوم عليها بالكد والعمل الدؤوب من فجر يومها وحتى مساءات المترفين الرافلين بخيرات ما تنتجه بتعبها وعرق الجبين.. ذلكم ما نحياه اليوم وما عاشه الآباء بالأمس ولكنه ما لن يعيشه الأحفاد بعد غد لأنَّنا سنشهد في صبيحة الغد القريب نهاية كل تلك السفسطة الفارغة التي تنظر لخلود الاستغلال  وتجده النموذج الأمثل! وسنبدأ عالمنا الجديد مع أول معزوفات السلام والحرية والديموقراطية ....

وليست هذه بمزحة فلقد ظلت أبواق الدولة الحامية للشركات وأصحابها تطبل للعالم السعيد الذي ستصنعه... ومَنْ لم يحالفه الحظ في فرصة عمل عند تلك الشركات فإنَّه سيرسل إلى عالم الموت عالم السماء عالم الأبدية ويريحونه هناك من شرور لايسمحون لأحد بالقول بأنَّ أياديهم ملطخة بدم تلك الجريمة! وليس لأصحاب الشركات غير هذين الحلـَّين فأما العمل عندهم والبقاء في خدمة الأسياد بعبودية أكيدة للآلة أو المغادرة خارج الكيان الاجتماعي والوجود الإنساني...

ولطالما عملت النـُظـُم الاستغلالية على ترحيل أزماتها ومقتربات نهاياتها عبر الحروب التي خاضتها وعبر الانتقال بتلك الآلام إلى مواضع بعيدة عن حدودها بمعنى هناك حيث المنافس الآخر.. ولم تكن الحروب التي جرت بخاصة الكونيتين الأولى والثانية إلا تعبيرا عن أعمق أزمات تلك الدول وأوضاعها الاقتصادية المتفجرة التي أشارت دائما لاستفحال يقرّبها من النهاية...

ونتذكر بالتأكيد أزمات البورصة والشركات مطلع القرن الماضي وأزمات نهاية العشرينات حيث جاءت الحروب المعنية كمسكـّنات مورفينية لتلك الأزمات وهذه الحروب ليست إلا إفرازات واضحة للطبيعة العدوانية لماكنة الرأسمالية أو دولتها العتيدة الحارس الأمين لسطوتها وسلطتها. ولنلاحظ الموقف التاريخي من الدولة الروسية بُعَيد الثورة العمالية البلشفية مباشرة, والتحالف الدولي الذي خاض الحرب ضد سلطة العمال الجديدة...

فمنذ تلك اللحظة باتت الحرب ضد دولة للعمال مستمرة وإنْ تمظهرت بأشكال مختلفة.. دموية مأساوية مرة وبخطابات عدوانية  مرات أخرى من مثل الحرب الاقتصادية وأشكال الحصارات وحرب التجسس والاندساس والتخريب الداخلي. والحملات الإعلامية المستمرة وهي أخطر أشكال تلك الحروب لما حملته من عمليات مسخ وتشويه للعقل الإنساني حتى استطاعت عبره أنْ تنفذ إلى حيث خلخلة التوازنات في الصراع بين أطراف المعادلة لصالح الاستغلال وقواه...

وفي ظروف مستجدات الصراع حيث تلك الماكنة الوحشية تأتي على كل ما يقف أمامها, لا يجد العمال ما يضعهم موضع التعبير المناسب عن تطلعاتهم وفسلفتهم لحل المشكلات الإنسانية العويصة بسبب من سطوة رأس المال على منافذ التعبير الإعلامي بخاصة أما الشارع السياسي فهي بمجابهة طيف بلا حدود من التنظيمات التي تدفع بها حالات الفوضى من جهة وكل تلك الحالات التي تدعمها الشركات بغية تفتيت وحدة الصف الشعبي العمالي خاصة...

وما ينبغي التركيز عليه في قراءة مختزلة كهذه تحت عنوانها هو علاقة الشغيلة بالسلام والديموقراطية .. وعلينا هنا تذكر أنْ لا مجال للعمل ودوران الآلة ومعامل الحياة في ظل الحروب ولا مجال لممارسة الحريات وتنسـّم أنفاس الديموقراطية في ظل الصراعات المحتدمة والمشتعلة نيرانها حروبا دموية ..

فالحرب تريد وقودها بشرا, والحرب لا تحتمل المناقشات وتبادل الرؤى, إنَّها سجال النار والموت والدمار.. فما مصلحة الشغيلة في مثل هذا الوصف؟ وما علاقتهم به؟ إنَّ العلاقة الحقيقية مع الحروب هي علاقة تناقض بين الحرب والعمل فالحرب تدمير وهدم وتخريب وإبادة للوجود الإنساني والعمل بناء وتقدم وازدهار للحياة الإنسانية؛ إنَّ العمل هو القيمة الجوهرية لحياة الإنسان...

من هنا كان العمال هم الأقرب للسلام ومبادئه وللديموقراطية وفلسفتها الحقيقية. لأن العمال في ظل السلام يجدون فرصهم الجدية الصحيحة في العمل الإنساني الصحيح, ولأنَّهم في ظل الديموقراطية يجدون وسائل تعبيرهم الجوهرية عن رؤاهم وهم الأكثرية في المجتمع الإنساني المعاصر. كما أنَّهم يجدون في ظلال السلام والديموقراطية سلطتهم التي يتطلعون إليها...

أما حكاية علاقة السلام والديموقراطية بدولة النـُظـُم الرأسمالية فهي نكتة سمجة مفبركة من دجل إعلامي ما بعد الحداثة وهو ينطلي على سذاجة الحثالات أو يلتزمه من لهم مصالحهم في العبث بمصير البشرية والمجتمع الإنساني كما نراه اليوم فيما الأكثرية المحبطة من ممارسة دورها وأخذ حقوقها بالتصويت الديموقراطي فهي أكثرية صامتة ابتعدت عن التصويت منذ خمسينات القرن الماضي عندما شهدت تلك السنوات مطاردة همجية لليسار في عقر دار زعيمة الصريخ والضجيج والعجيج في أمريكا ودولتها الرأسمالية...

وينبغي هنا ملاحظة كم هي حالة الاحباط من جهة هزيمة المشروع الاشتراكي الممثل بنظام دولته التي كان أول مراسيمها هو مرسوم السلام جنبا إلى جنب مع مراسيم تحرير الأرض والإنسان من العبودية والتبعية والخضوع الأعمى [للغير]. وما لهذا الاحباط من ردود فعل غاضبة لدى بعضهم ما يدفع للتطرف والتشدد المقيت. بمعنى كون التطرف حالة من حالات نظام الدولة الرأسمالية وليس العكس, أي ليس كونه مرافقا ورديفا للفكر العمالي ..

فالعمال هم الطبقة الأكثر تنظيما ومسيرة في ظل ضوابط القوانين الاجتماعية الاقتصادية المتقدمة. وهم الأكثر انسجاما ووحدة من جهة وجودهم في التشكيلة ما قبل الأخيرة للمجتمع الإنساني أي في تشكيلة الاستغلال الأخيرة حيث ليس بعد تلك التشكيلة إلا عالم الحلم البشري الذي امتد انتظاره طويلا وقـُدِّمت من أجله تضحيات جسيمة فرضتها آلة الهمجية الاستغلالية بتنوعاتها...

وليس بعد ذلك الحديث عن مسميات العالم الجديد كما ليس مهما العنوان الذي ستظهر به دولة العمال دولة الشعب دولة حماية الحياة الإنسانية من الشغب والتعب.. إذ سيكون الجوهر هو حياة السلم والديموقراطية حياة لا يكون للعنف فيها دور ولا لسلطة الحرب وجنرالات الخراب والموت...

وستدور آلات الانتاج في خدمة رفاه الإنسان : فالغذاء والدواء وكل تكميليات حياته الرغدة وتفصيلاتها.. وحينها سنتساءل ما شأن الإنسان بأطنان من أسلحة الدمار والفتك؟ وما شأنه بكل وسائل إبادته لأخيه الإنسان؟ ومن غير هذه الطريق التي نختار طريق السلم والحرية فإنَّ الحرب واقعة لا محالة إذ الانفجار السكاني وأزماته بين حلـَّين: سلمي يعالج مطالب هذه الأعداد المهولة من البشر أو حربي يطيح برؤوس البشر رخيصة من أجل صحن المتبطر الرأسمالي وشركاته..

 وعلى البشر والشغيلة منهم بالتحديد أنْ يحتفلوا اليوم بعيدهم في ظل اختيار إيجابي فاعل والتخلي عن الصمت والاحباط إذا كانوا يريدون مصالح الأجيال اللاحقة وألا يفرطوا بما ضحت من أجله ملايين الحيوات البشرية قسرا وكرها؛ وفي وقت نتطلع إلى جدية وفعل من أجل وحدة حركة الشغيلة وتنظير صائب لوسائل الفعل السلمي من أجل غد إنساني سعيد نجد أنَّ ذلك لا يتحقق بالقعود في حياة البطالة الصامتة التي لا تحتج على حقها في العمل من أجل هذا المجتمع ومن يريد الطريق الآخر عليه أن يذهب هو إلى حيث الموت والحرب ولكن في كوكب ليس كوكبنا..

 فهل يحصل ويكون احتفال الشغيلة اليوم تحت شعارات السلم والديموقراطية وأنْ ينقلب السحر على الساحر عندما يعود علم الحريات والسلم والاشتراكية إلى أيدي العمال أصحاب المصلحة الحقيقية في شعار الديموقراطية؟؟؟

 

[2]

 

وبالانتقال إلى رؤية نموذج لنضالات الشغيلة لنقرأ في يوميات شغيلة العراق التي أوقفت معاملهم حروب الطاغية الداخلية والخارجية فما بالنا ننظر بسلبية إلى ما يجري؟ إنَّ العمال العراقيين هم أصحاب أول دعوة للسلام واليدموقراطية.. فالسلام الاجتماعي هو طريقهم إلى العمل والحياة وانتاج خيرات تليق بأبنائهم وطبقتنا العاملة ناضلت من أجل ذلك وهي تفعل اليوم ببطولة ما تريد ولكنه ما زال موقفا أقل من حجمها الحقيقي وعلى الشغيلة أنْ يخرجوا ليعبروا عن تطلعاتهم وإرادتهم ومصالحهم ومصالح شعبهم في مظاهرة جدية كبرى ترفض الوضع الذي ظل بأيدي صبيان السياسة الجدد من نظمتهم العصابات وقوى الشر...

إنَّ الديموقراطية هي وسيلة شغيلة العراق لاحتلال الموقع المناسب بحجمهم وهي أداتهم للتعبير عن بناء البلاد على وفق برامجهم الجدية الطموح وهي الأداة التي تحرس مسيرة السلم الذي في ظلاله يحيا الناس كما تطلعوا وضحى آباؤهم من أجله..

وليس بصحيح تلك السلبية بل وصل الأمر إلى حد ترك المسار الحقيقي للعمل والالتحاق بمسارات أخرى لم تعد تنطلي على ساذج.. فليس صحيحا ترك الأمور بيد شاب يغلي تطرفا وغلوا في دين وليس صحيحا أن يصوَّر نضال الشغيلة من أجل السلام كونه ابتعادا وانفصالا بينهم وبين اعتقاداتهم الدينية فلم تكن دعوة ديانة من الديانات بدافع لهم للقعود والنكوص عن العمل بل ظل العمل مصدر التشريع والحياة "فعامل يعمل خير من ألف عابد" كما يقول الحديث الشريف..

فهل بعد ذلك من مصداقية للمأجورين القتلة الذين يقودون الحياة لمزيد من بحار الدم التي أوقع الطغاة بلادنا فيها؟ وهل غير الأكثرية من شعبنا وهم العمال [الشغيلة] شغيلة اليد والفكر الذين ينتجون الحياة حلا لمشكل الدم وجريانه أنهارا وبحارا؟ لا سبيل اليوم إلا بخروج يتناسب مع حجم عمالنا يعلنون ألا مجال لعودة الحياة إلى الوراء حيث الحروب والدمار والخراب والموت وبحار الدمار...

ولتخرج الشغيلة صبيحة يومها وعيدها رافعة شعارات السلام والديموقراطية ومن سيتخلف من الأحزاب الوطنية عن هذا التوجه سيضع نفسه في خانة استمرار التعقيدات الخطيرة التي تحيق بنا جميعا.. واليوم سيكون من مهمات جميع القوى الالتفاف حول تلك الأكثرية وتحريكها لتلعب دورها الصحيح والطبيعي ودفعها إلى ممارسة فعلها المتناسب مع حجمها وكسر حواجز الصمت السلبي القاتل..

كما أن مثل هذا الشعار السلم والديموقراطية هو شعار وطني عام يوحد قوى الشعب وفي طليعتهم العمال وليس فيه ما يجعل من مظاهرة إعلان صوت الشعب العامل ما يثير الاختلاف لذا كان لابد من الخروج جميعا بخاصة والمناسبة تأتي عشية قرار تسلم السلطة الوطنية وعودة السيادة ولابد من دور أساس للعمال في تقرير المصير وهم الأكثرية هم الأغلبية الشعبية ..

فإلى حيث يتقرر مصير المسيرة وقبر مشعلي الحروب ووأد جرائمهم وإنهائها إلى الأبد.. لتكن مظاهرة الرفض للعنف ومآسيه ولتدعم السلطة الوطنية وقوى الأحزاب السياسية كل بجهده مثل هذا الفعل ولننته من تقسيم العراق بين أكثريات دينية أو طائفية أو مرجعيات دعية تتصارع حتى المةوت على نهب لا أكثريته بل أكثرية ما ينتجه العمال من خيرات وتلكم هي كبد الحقيقة..فليكن مرجعنا الموحد وجودنا الحقيقي وتصنيفنا الحقيقي الوطني وليكن عمالنا الذين صنعوا الحياة ويصنعونها اليوم هم طليعة حقة في التوجه إلى غد السلم والديموقراطية...

فإذا ما تلكأنا في الغد عن هذا ازددنا ابتعادا عن مطامحنا وعن استقرار بلادنا وبقينا في خانة السلب والتراجع والتخاذل والخسارة ولكن أية خسارة وكم هو حجمها إنها الخسارة التي لا قائمة بعدها لأجيال بعيدة.. فهل يرضى الآباء صانعوا الحياة مثل هذا؟؟!

فلنخرج حتى ولو على عكازاتنا وكراسي التقاعد والشلل البدني.. ولنخرج جميعا تضامنا مع شغيلتنا ولنشترك شيبا وشبيبة رجالا ونساء ولنمتلك شارعنا من جديد في ملايينية الفرح وليكن يوم العمال يوم عيد الشعب وإعلان فرحته بعيدا عن مغامرات الطيش والمرجعيات اللصوصية المنبعثة في جنح الظلمة .. لنحمل مشاعل النور والضياء الساطع فقط لحظتها ستهرب تلك القوى وتعود لحجمها وتنتهي...