استقلال حقيقي أم شعاراتية [تحرير] زائفة؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

[خطاب الآخر الدبلوماسي والإعلامي مع العراق الجديد]

 

4 - 4

 

                                رؤية هذه المداخلة: "إنَّ المهمة العاجلة  للعراقيين اليوم هي في توجههم إلى معطيات استقلال حقيقي يقوم بالأساس ويركِّز بشكل مباشر على إعادة بناء الدولة ومؤسساتها تلبية للحاجات الضرورية الملحّة وبما لايشارك هذه المهمة في اللحظة القائمة أية تداخلات معيقة أخرى تتعارض مع خطورة عملية البناء الوليدة. وسيكون كلّ ما عدا مجريات هذه العملية التاريخية  هو مما يقع في مزايدات لا تدرك وقائع الأمور الكارثية في بلادنا مستندة إلى شعاراتية [تحرير] زائفة هي أولاَ َ  تمثل الغطاء الرسمي الذرائعي لجرائم  تُرتَكَب بحق شعبنا وثانياَ َ تُعَدّ مساهمة خطيرة في حرف توجهاتنا بعيداَ َ عن إعادة البناء  الحقيقية الصادقة التي تمَّ  وقفها من النظام السابق ويتمّ تخريبها عبر أنشطة بقاياه الإجرامية. ولا يتعارض هذا مع سعينا بالكيفيات التي يراها شعبنا وفي الوقت المناسب لإنهاء وجود قوات الاحتلال الأجنبية ..."

 

                            إنَّ مَنْ يريد التعامل مع شعب ينبغي له أنْ يفعل ذلك عبر قنوات طبيعية متعارَف عليها في بديهيات السياسة الدولية ومعاجمها.. فهل لهؤلاء من العرب أو من غيرهم ما يقدمونه توصيفا للطرف الذي سيلتقونه في العراق إذا هم تغافلوا عن مجلس الحكم وحكومته؟ وهل يمكن لطرف تحت الأرض لا يد له يقدمها لمحتاج اليوم أنْ يشكِّل البديل للمجلس وحكومته؟ وأين ذاك الطرف وما أفعاله على أرض الواقع في لحظة تاريخية شعبنا فيها في أمَسِّ الحاجة لأبسط أشكال الدعم والإسناد؟

                             وفي الحقيقة (الواضحة) لا وجود لاجماع وطني يخدم شعبنا خارج مؤسسات دولته التي تولد اليوم من رحم الخراب والدمار.. وعديد من القوى التي توجد خارج هذه المؤسسات هي بين منسِّق معها أو على علاقة غير مباشرة, أو هي في الضفة الأخرى من مصالح شعبنا, بين مَنْ اختلط الأمر عليهم وأولئك الذين يقودون عمليات التقتيل وإشاعة الفوضى وزيادة المآسي فوق ما هي عليه اليوم مما يقترب من حافة الفناء أو الخطرالداهم.. هؤلاء هم قلّة من ذوي السوابق المأجورين, ممَّنْ التقوا مع ساسة الأمس المهزومين وهم أنفسهم صعدوا سلَّم السلطة عبر أعمال إجرامية قادتها عصابات ورجال من سوَقَة الناس عُرِفوا بأصولهم الإجرامية كصدام وبطانته من الذين سبق للقضاء العراقي الحكم عليهم بجرائم وجنح أخلاقية معروفة في بلادنا. 

                             وفي ظل صورة كهذه يوجد في عراقنا الجديد دولة مؤسسات ناهضة وليدة, وقوى إجرامية شريرة مُطارَدة لاتحيا إلا في الظلام وفي ظل أجواء عدم الاستقرار وهي لا تسطيع العيش إلا على موائد الجريمة وروائح الموت كما هو عهد الطاغية الدموي الساقط. وللتعامل مع عراقنا الجديد مسارين: فأما مع العراق لحظة الشِّدة وقسوة الحاضر ومصاعبه أو ضده ومع المخربين وناشري أفعال الرذيلة وبقائه ضعيفاَ َ ممزقاَ َ ومن ثمَّ في قبضاتهم وقبضات الأجنبي الذي دخل بذرائع قُدِّمت له على طبق من ذهب.

                               وشعبنا سيحكم في غده على أصدقاء شدته وأيام محنته أو مَنْ راوغ وداهَنَ بين نصير الطاغية المهزوم وأفعاله في السرّ ودعم جرائمه مادياَ َ ومعنوياَ َ وبين تلفيق كلمات منافقة لا تسمن ولا تغني... بل هي بشئ من تمعّن تكشف ما تخفيه تحت أجنحتها  ممّا يصبّ الزيت في النار, أو يقدح في الهشيم الشرار. وإذا كنّا لا نريد التقاطع مع أحد وإذا كنّا ندعو لدعم شعبنا وحاجاته الضرورية العاجلة, فإنَّنا أيضا لا نغفل عمَّن يقف في طريق تقدمنا واستقرارنا الحقيقي وبناء مستقبلنا واستقلالنا الناجز.

                              فهل بعد المصارحة مَنْ يزعم الجهل بحقيقة؟  بالأمس قالوا: لم نعرف بجرائم الإبادة وفضحت المقابر الجماعية هول الجريمة بما لا مجال للصمت ووجوب التراجع عن الخطأ في تقويم ما كان وما هو كائن. واليوم نشاهد ترددا بين طروحات من نمط إنَّنا نتعامل مع (كلّ) القوى على الساحة العراقية في تعمية وتضليل مفضوح, الغاية من ورائه المساواة بين ممثلي العراق والاجماع السياسي القائم على بنائه وبين قوى بعضها من الماضي المظلم الذي لا مجال لمهادنة مع أية بقية منه؛ وبعضهم من حاضر مصاب بأمراض تركة ذاك الزمن الرذيل, وشتّان بين الطرفين!

                              إنَّ الدعوة الحقة التي يمكن قبولها اليوم هي دفع أية قوة تدعي تمثيل العراق للانخراط في مسيرة إعماره وبناء مؤسسات دولته والاستجابة لحاجات المواطن العراقي أولاَ َ؛ وليس بلقائها وتشجيع وجودها الانقسامي بما يعمِّق من إضعاف المؤسسات الوليدة ويعرقل مسيرتها بحجج واهية؛ فمرة بزعم تحقيق التوازن (الديموقراطي؟!) بين جميع أطراف القضية العراقية, وأخرى بزعم البحث في شرعية! الجهة الممثِّلة للعراق.. وغيرها لأية أسباب مفتعلَة لا تستقيم مع منطق دبلوماسي ولا مع منطق قانوني محلي أو دولي ولا مع منطق حق أو عدالة.

                            إنَّ الاستمرار في مثل هكذا طروحات على المستوى السياسي أم الإعلامي ستضر حتما ليس بالتصورات والمعالجات المبثوثة في ثنايا تلك المصادر السياسية والإعلامية ولكنَّها ستضر بشكل مباشر في العلاقات المقبلة بين العراقيين ودولتهم من جهة وبين مَنْ تمثلهم تلك الأصوات إنْ لم نقلْ تلك الأبواق. ومن جهة المتلقي (بخاصة العربي) نؤكد على أهمية أنْ يتابع طروحات ابن الشارع السياسي العراقي الحقيقي ليتبادل معه بمصداقية حقيقية الرأي وليباشر علاقة صحية جديدة تخدم مصالح الأطراف كافة وتبيِّن حقائق الأمور وجواهرها السليمة فكما هو متعارف أهل مكة أدرى بشِعابِها..

  الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان    

                     2003\ 10 \  11

E-MAIL:  TAYSEER1954@naseej.com

Website :   www.geocities.com/Modern_Somerian_Slates

 

 

 

 

1