دعوة لاحتفالية بصرة

السلام والديموقراطية والتعدد القومي والديني والسياسي

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \ 17

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

حفلت البصرة طوال حوالي العام بكثير من الأحداث الجسام ومنها تلك التدخلات السافرة لقوى الموت الأسود القادم من خارج الحدود. وبتلك العصابات الإجرامية ومأجوري السياسة والدولار والدينار والتومان والفلسان من سوَقة جاؤوا من زمن الظلام وعهود الجواري والحريم وعهود التخلف والعبيد, بتلك القوى من هوامش الشوارع الخلفية جرت مقاتل جديدة في مجتمع المدينة حتى صارت تلك الجرائم جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية لما شملتهم من أبناء البصرة من جهة محاولات محو طائفة دينية كالسنّة ومجموعة دينية كالمسيحيين ومجموعة قومية كالأرمن والكلدان ومجموعات سياسية كما حصل في الاعتداء على قوى التنوير والديموقراطية ومكاتبهم وليست القائمة بمغلقة حتى لحظة كتابة هذا المقال بل هي تشمل أهلها من الأغلبية وإنْ بطرق مختلفة..

وأمام هذه الجرائم ناضل أهل البصرة الطيبون من أجل مدينتهم آمنة مستقرة بعيدة عن التوترات والجريمة.. وعملوا على تجنيب أهلها محن الجريمة ومآسيها ومصاعب العيش وأوصاب يومهم العادي وكوارث الزمن الجديد؛ لكنّهم في ظروف توقف مصانعهم وموانئهم وكوارث خراب بساتينهم واحتراق أخضرهم ويابسهم وفي زمن سواتر التراب الحربية ما عادوا بقادرين على حماية بيوت بلا جدران وبساتين بلا سواتر ولا حيطان إنَّ مدينتهم مشرَّعة الأبواب مفتـّحة المصاريع مغلـَّـقة الطرقات مسدودة المسالك من زمن الطاغية المدحور وما خلّفه وراءه!!

ولقد ترك المدينة وهجرها عديد من أهلها الأوائل بخاصة من أصحابها التاريخيين القدامى من المسيحيين وحتى من المسلمين وإنْ من طوائف ومذاهب [أخرى] غير المذهب التي تدعي قوى الخراب احتماءها به ودفاعها عنه كذبا وزورا.. ولم يعد يقطن البصرة الجميلة عديد من خيرة أبنائها من العلماء والأساتذة والصحفيين والمثقفين والفنانين وأصحاب المهن والحرف التقليدية الجميلة..

اليوم ونحن نتجه إلى زمن ولادة دولتنا الجديدة ودعوتنا لنهوض الخيار الحضاري المتمدن والتنويري  وطرد قوى الظلام والتدمير والتخريب.. اليوم ونحن نتجه لزمن دولة التعددية والديموقراطية والسلام .. اليوم لابد من وقفة واضحة جلية صلبة قوية متينة ضد تلك العناصر الدخيلة على بصرتنا الجميلة ولابد من حلّ قبل أنْ ندخل زمن سلطة دولة القانون ..

وذلك لا يتم إلا بوقف خرق القانون وإخضاع الجميع له بالاحترام الذي يجده من جلّ أهل البصرة الأصائل وبقوة القانون وسلطته وبفرضه بقوة المؤسسات الحامية على أولئك المجرمين سواء من داخلها أم بتلك الكثرة الأجنبية الدخيلة بكل أوبئتها وأمراضها وقذاراتها وجرائمها..

ولابد اليوم من حملة على مستوى المدينة يخرج فيها أهل البصرة ليعلنوا مواقفهم من الجريمة المنظمة الموجهة ضدهم مباشرة وليكن يوم المدينة الرد الكبير في احتفالية  يكون هدفها التوكيد على حقيقة تعددية عناصر العيش في تلك المدينة التي ننتمي نحن العراقيين جميعا من خلالها إلى خليج الحياة ومنفذ البحر الواسع على عوالم الآخر...

إنَّنا نحيا في بلدتنا الخليجية التي عاش فيها السني والشيعي وعاش فيها اليهودي والمسيحي والصابئي مثلما عاش المسلم منذ سنوات تأسيسها حاضرة لحياة التنوع ومن ثم لمثابرة أهلها على التأسيس لعلوم العربية والطبيعة ولمختلف المعارف.. عاش فيها الجميع بسلام ووئام عاش الكلدان والسريان والأرمن والفرس مثلما عاش فيها العرب من تلك القبائل والعشائر العربية التي وُجـِدت فيها من زمن التأسيس لبيوت أهل السواحل الخليجية البصرية الأولى وقبل أنْ تكون المدينة حاضرة من حواضر الدولة العربية الإسلامية في صدر فتوحها...

البصرة بلاد التنوع والتعدد القومي والديني والأثني وليس لطرف أنْ يحرم طرفا من العيش فيها .. ومن أجل أنْ تظل هكذا لابد من إعلاء شعار الديموقراطية والسلام, ومن أجل أنْ تظل بلادا للجميع بلا استثناء من أهلها ومن ضيوفهم من مختلف أقطار الأرض لابد من إعلاء شعار التعايش السلمي لمدينة التعددية الدينية والقومية...

ومن أجل ذلك ليجرِ التحضير لمؤتمر كبير  يحيي زمن علمائها الأوائل وأسمائهم ويعلي من شأن قيمهم الإنسانية ومن سمات التوحد بين مختلف الأطياف ومختلف الانتماءات والموارد.. ومن أجل ذلك فليجرِ التحضير لمهرجان كبير يضم أبناء المدينة يخرجون بكل أطيافهم مع شعار المدينة تتسع للجميع ويمكنهم العيش فيها أحرارا وبسلام...

من أجل عودة الروح إلى مدينة الحياة والخصب والنماء لابد من احتفالية كبرى بكل ألوان الفنون والإبداع والثقافة والفكر والفسلفة والعلوم والمعارف كافة ويكون في ذياك الاحتفال الكبير كل طفل وكل شيخ وكل امرأة وكل رجل دين وكل عالم وكل تلميذ وكل عامل وكل مزارع وكل فلاح وكل صياد وكل مهندس وكل طبيب وكل بائع وكل وكاسب ولا يقف سلطان المنع والتحريم والتكفير القادم إلينا بأبواق المطبلين للجريمة والمجرمين, من سوَقـَة العصر وأدعياء يتبرأ منهم الدين الحنيف بوجه التعايش السلمي لأهل المدينة من مختلف الأطياف..

من أجل ذياك التعايش بالتحديد لتبدأ البصرة احتفالها بالتحضير له وبالبرمجة ولتكن مسيرات أسبوعية أو شهرية متصاعدة تدعو للاحتفال الذهبي بعودة كل أبناء المدينة وعيشهم في كنفها في ظل الأمن والأمان والسلم والديموقراطية والتعددية وفي ظل إعمار كامل تام للبصرة الجميلة..

ولتكن احتفالية أهل البصرة بادرة خير تفتتحها لتكون قدوة لبقية مدن العراق الجميلة.. ولتكون خطوة من خطوات البناء والسلام والديموقراطية وخطوة في التعايش مع الجيران من كل الجهات بروح التآخي والوفاق والمحبة والاحترام.. فالبصرة تتسع لملايين من محبي الخير والبناء والسلام وتتسع لملايين من محبي أهلها وممن يقصدونهم بالضيافة خيرا ورفاها وأمانا.. فهل بعد التسامح والمحبة والسلام شعار أروع وأفضل لأهلها ولضيوفها فلنبدأ الاحتفال بقرع طرقات مسرح  المدينة المقدسة الثلاث لنعلن إيذانا بعهدنا الجديد مسيرة احتفالية البناء..