حكومة وطنية مستقلة منبثقة عن مؤتمر وطني عام

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \17

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

تقترب لحظة تسلم السلطة من قوات التحالف نهاية الشهر المقبل. وتتصاعد وتائر الحوار بين أطراف العمل الوطني من أجل أفضل صيغة تعالج وضع تسلـّم السلطة من قوات الاحتلال وإعلان حكومة وطنية مستقلة وعراق الاستقلال والحرية والسلام. وفي الظرف المعقد للميدان العراقي دخلت الأمم المتحدة انطلاقا من مسؤولياتها الأممية بخاصة تجاه دولة هي عضو مؤسس فيها يخضع اليوم لملابسات وظرف تاريخي لم يسبق أنْ حصل بالطريقة الموجودة راهنيا في بلاد هي حاضرة المدنية منذ عشرة آلاف عام..

ولقد اقتربت لغة الخطاب الوطني من الاجماع على مسألة عقد مؤتمر وطني عام يتم عبره اختيار الأطراف والشخصيات التي ستنهض بمهمة تسلّم السلطة في الثلاثين من حزيران يونيو القادم .. وهذه الفكرة تظل هي القاسم المشترك الذي يمكنه أنْ يكون ضمانة الغد والحاجز الذي يمنع وقوع أية خلافات أو أزمات لاحقة في المدى المنظور.

أي أنَّ المؤتمر الوطني سيوفر الأرضية المناسبة للعمل المشترك الذي لا يستبعد قوة أو حزبا أو جهة من المساهمة الجدية الفاعلة في تقرير المستقبل السياسي للعراق الجديد. وإذا كان المشروع الديموقراطي هو مخطط أغلب الأطراف السياسية لغد العراق القادم فإنَّه من الأحرى بالجميع ألا يكتفي باقتراح المؤتمر الوطني أو الموافقة عليه وإنَّما على تلك الأطراف أنْ تضع الآليات الكفيلة بعقده وتحقيقه في أقرب فرصة ممكنة..

وهنا يلزم أولا لتيار من التيارات أو التحالفات القائمة أنْ يدعو للمؤتمر في سقف زمني لا يتجاوز منتصف الشهر المقبل وأنْ تكون الجلسات على مدى أيام ثلاثة أو أكثر بغاية توفير الفرصة لأوسع تداخلات ومناقشة مستفيضة لأوراق العمل المعروضة على المؤتمر.. ويمكن للتيار الديموقراطي لصلاته الواسعة ولدوره المميز أنْ يبادر لمثل هذه الدعوة وأنْ يتكفل بوضع ورقة العمل وتقديمها في غضون أسبوع يسبق موعد الانعقاد..

إذن فهذا المقال يعالج مسألتين الأولى تركز على مسألة انبثاق الحكومة الوطنية عن المؤتمر المعني والأخرى تركز على مسألة الدعوة للمؤتمر وآليات تنفيذه وانعقاده.. فأما مسألة انبثاق الحكومة عن مؤتمر موسع للقوى الوطنية فهو تجنيب لأية احتمالات مستقبلية أزموية بين تلك الأطراف فضلا عن كون مهمة هذه الحكومة هي مهمة تحضيرية للانتخابات التأسيسية التي في ضوئها سيمضي العراق الجديد..

وعليه فإنَّ الحكومة المختارة من أوسع الفئات والأحزاب والحركات هي أفضل من حكومة يتم اختيارها بالمداولات خلف الكواليس بما يفضي لمنع الشروع بالشفافية ومكاشفة الشعب بما يجري, ومهما حاولت عمليات الكولسة من توسيع ملتقياتها ودائرة اهتمامها بالصوت الآخر فإنَّها لن تلقى القبول نفسه الذي سيلقاه قرار مؤتمر وطني عام..

ويمكن تنفيذيا أنْ تنهض التيارات السياسية الواسعة بعقد مؤتمراتها الموسعة وتقرير ما تراه ووضع الخيارات المتفق عليها ثم تقوم الجهات التمثيلية لتلك المؤتمرات القائمة على أساس توافق كل تيار سياسي على تصورات محددة, بمهمة مناقشة الشكل الأخير للحكومة الانتقالية..

وهنا يمكن أنْ نرى مؤتمرا للتيار الديموقراطي بأجنحته كافة من يسار وليبرالي ووطني وسط؛ بل يمكن لهذا المؤتمر أنْ يتسع فيضم قوى وطنية من الحركة الكردية ومن الحركات الديموقراطية  للأقليات القومية والأثنيات المختلفة بينما يبقى التيار الديني يحتفظ بإمكان أنْ يعقد مؤتمره أو الانضمام إلى الاجماع الوطني بشكل مباشر..

إنَّ هذا التصور يوحي بإمكان تقدم التيار الديموقراطي بمشروعه وعلى كل القوى أنْ تنهض بمسؤولية التنفيذ من دون تردد أو تلكؤ أو تقصير.. إذ لابد من تقديم تصور واضح وعدم الوقوف على أرصفة النقد من بعيد أو من خارج الدائرة وكأن الناقد هو ممثل الشعب المظلوم المسكين وهو المخطئ بحق الشعب بسبب من تقصيره عن تقديم مساهمته الواضحة ..

إنَّ الصحيح في الأمر هو إعلان كل قوة وطنية مشروعها أو ورقتها للمؤتمر الوطني الطارئ الذي لا بند في مناقشاته إلا مسألة اختيار الشخصيات الممثلة في السلطة الانتقالية في ضوء القانون المعلن. ومن بعد يمكن متابعة الأمر بمؤتمر لاحق لمناقشة بقية البنود التي تتطلب الحوار والمناقشة.

ولا ذريعة في التلكؤ فكل قوة لا تـُقدِم على ممارسة حق التصويت بورقة فاعلة أو بتبني ورقة موجودة هي قوة لا يحق لها الحديث عن التمثيل والتعبير عن فئات الشعب. فنحن اليوم لسنا بحاجة للسفسطة والجدل البيزنطي العقيم ولسنا بحاجة للنقد وحسب بل نحن بحاجة لمشروع الفعل والعمل وما ينبغي أنْ يكون..

كما لا يجوز لقوة وطنية أنْ تبرِّئ ساحتها بأنَّها قدمت مشروعا ولم يأخذ به أحد أو لم يلتئم عليه مؤتمر بل على كل قوة وطنية أنْ تدافع عن مشروعها ليكون قيد المناقشة والتنفيذ عبر ذياك المؤتمر الوطني المنشود.. وهذا لا يعني التوجه نحو إصرار تعصبي لمشروع من دون الآخر والامتناع عن التفاعل بين المشاريع بل يعني العمل من أجل تفعيل الوضع نحو انعقاد المؤتمر الوطني العام في ضوء ورقة عمل جدية موجودة بالفعل وليست في مخيلة الساسة وتصوراتهم..

إنَّ تأخر المؤتمر لن يكون كارثة أو نهاية المطاف فالواقع يمكنه أنْ يستوعب كل الظروف والمتغيرات ويمكنه أنْ يمضي في طريق بناء عراق جديد وأنْ تتم معالجة الثغرات والتلكؤات ولو بعد حين ولكن الأفضل هو المسارعة إلى وضع ضمانات النجاح وصمامات الأمان من غير تقصير أو تأخير يترك بعض الأمور لزمن لاحق على زمن ضرورتها كما هو حال مطلب المؤتمر الوطني العام..

وكم سيكون من الصحيح لكل حزب سياسي اليوم أنْ يشكل فرق عمل الطوارئ تعمل لمتابعة المعروض من المشروعات وقراءتها ودراستها بتأنِِ والعمل على الرد عليها بعد معالجتها والتفاعل مع تلك الطروحات بإيجابية وليس بروح النقد السلبي الذي يرشح التقاطع بديلا عن التلاقي والتفاعل الإيجابي البنّاء..

وقد كفانا ما ذهب من سنة في فضاء الصراعات الهامشية وأعمال الانتقادات السلبية غير التفاعلية ولنبدأ اليوم قبل الغد.. مستجيبين ليس لورقة فاعلة بل لرغبة بل حاجة ماسة للشعب وهو ينتظر من قواه السياسية ألا تخيب ظنه وأمله وتحبطه في مرحلة دقيقة من مسيرة تقرير مصيره ومستقبله كاملا..