أنشطة الحياة والنور.. أنشطة الموت والظلام

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \ 24

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

العراق اليوم بين قوتين تتجاذبانه بين قوة تتشكل من بقايا النظام المندحِر المهزوم وبعض أصحاب المصالح التي تقوم على المتاجرة بدم العراقي وحياته وقسم كبير من هذه القوة قادم من خارج البلاد من عربان وغربان يجدون العراق ميدانا لحروبهم المافيوية؛ وبين قوة تتشكل من كل القوى الوطنية الشريفة التي تنتمي إلى الشعب وتطلعاته وآماله النبيلة..

حسنا, القوى الظلامية تعتاش على أنشطة ليس ما ينجم عنها إلا الموت إلا قتل الأنفس وترحيلها عبر جحيم الجريمة والتعذيب والاغتصاب والامتهان للحياة الإنسانية وبالمناسبة فليس المقصود بهذا التشخيص قوى الإسلام السياسي المتهمة بالتطرف والعدائية دائما وأبدا وهذا غير دقيق وغير صحيح في أحيان وعلينا التفريق بين قوى الظلام المقصودة وهي مجرد عصابات منظمة ومافيات تتمظهر بصيغ التشكيلات السياسية وتتخفى وراء أقنعة التستر بالدين وبغيره ولكننا نفضحها وبالتأكيد بمشاركة جدية من المرجعيات الدينية والسياسية الصحيحة القويمة في فكرها وأنشطتها..

وقوى الظلام ليس لها من أنشطة أبعد من تلك التي ذكرنا حيث اغتصاب الحقوق الآدمية وحيث العبث بمصالح الإنسان والقوميات وابناء الشعب واللعب على حبل التفرقة واختلاق الشقاق والتنافر وتصنيع الخلافات والاحتكاكات وافتعال الصراعات بين أبناء الشعب.. وأنشطة أولئك تنصب أيضا على الاغتصاب بمعناه المادي الصرف, اغتصاب الحق من أهله, واغتصاب الإنسان في روحه وفي مشاعره وفي قيمه ومن البشر المرأة وحتى الرجل  في بدنهما بما يعنيه الاغتصاب المادي الملموس من إيذاء وجريمة...

وقوى الظلام ليس لها من أنشطة إلا الهدم والتخريب والتدمير. فلا بناء مستثنى من خراب جرائمهم حتى لو كان مدرسة أو مستشفى أو حتى بيوت الله من جوامع وكنائس ومعابد.. وجميع تلك المباني تعرضت للهجمات والتخريبات حتى دمرت تلك الجرائم من الأبنية والمؤسسات العامة من ممتلكات الشعب أكثر مما دمرته الحروب المتعاقبة التي خيضت في بلاد البناء والعَمَار..

وقوى الظلام لاتقف بجريمتها عند الإنسان وبيته ومؤسسة دراسته بل تمتد إلى مزرعته, حقله وكذلك معمله ومصنعه؛ وهي تحرق الأخضر مثلما تعيث في اليابس. ومن هنا لم نجد بستانا لم تطأه أقدام أولئك العابثين المجرمين إلا وقد مُحيَت منه آثار الزرع واُتلِفت شجيراته ومُحِقت مزروعاته وهكذا لكل المكائن ومكونات المصانع التي لا يدري العاقل منّا أين ذهبوا بها بعد كانت هنا بالأمس فقط..

وعليه فلا نور كهرباء في الشوارع وفي الأحياء والساحات ولا نور كهرباء في اي مكان تطأه أقدام الهمج المتوحشين ابناء الغاب والكهوف المعتمة ومجاهل التاريخ وعمائه.. ولا نور علم في عقولهم فلا نور علم يروق لهم ولذا فهم يتلفون مقاعد الدرس في المدرسة التي لا يجدون ما يفجرونها به.. وهم يتلفون الكراريس والكتب وأحرقوا المكتبات ونهبوا وسرقوا وعبثوا فيها حتى لم يعد من مئات ملايين الكتب والدوريات العلمية شيئا اليوم على أرفف تلك الأماكن المعرفية المقدسة... وعندما لا يجد أولئك العتاة الغربان ما يتيح لهم التدمير فليس لهم إلا العمل على منع الطلبة والطالبات من ارتياد دور العلم ومعاهده وجامعاته وهو ما يفعلونه اليوم ويحاولون الاستمرار والإدامة له...

 

 

هذا كله وقع بالضد من أرضية السلام وعَمَار الحياة وإعادة البناء وانبعاث الحيوية والحركة التي تتمثل في أنشطة الشعب وقواه الحية.. إنَّ  ما ينجم عن أنشطة ممثلي الشعب ومصالحه ليس إلا إحياء الروح التي قُتِلت وبعث الحياة في الأنفس التي جُمِّدت طويلا وإعادتها إلى جنان وادي الرافدين وإشاعة الطمأنينة وإعادة المستلب المغتصب وتعزيز احترام الكرامة الإنسانية ومنع الامتهان والمهانة.. وفي هذا يستوي جميع العاملين من أجل تكريم الإنسان وقيمته السامية في الوجود وليس من فرق بين الإسلامي والعلماني الديموقراطي والليبرالي والقومي التقدمي والوطني وكل قوة تحترم في آليات عملها الإنسان بوصفه أثمن من في الوجود الآدمي...

وقوى الشعب الحية هي قوى النور والتنوير التي  تتسع أنشطتها لكلِّ ما يكون باعثا للحركة والحياة معيدا للحقوق البشرية مانعا للعبث بمصالح الإنسان والقوميات وأبناء الشعب جميعا والقوميات وقوى التنوير والتحرر من شأنها تعزيز وحدة القوى الوطنية ومكونات الشعب والعمل على كل ما من شأنه لقاء تلك القوى وتفاعلها إيجابيا وحلِّ ما بينها من اختلافات ومنع الاحتكاكات وفعل كل ما ينهض بدور وقف الصراعات وإزالتها نهائيا من عالم السلام والتآخي الشعبي.. وأنشطة هؤلاء تنصب أيضا على الاهتمام بصحة الإنسان وبتكريم بدنه وتقديس روحه وإعادة الحقوق إليه بما يرفض أيَّ شكل من أشكال الاغتصاب والمسِّ بجسد الإنسان وبكيانه ووجوده الكريم..

 وقوى النور لا تحيا إلا في ظلال أنشطة البناء والإعمار والتشييد.. فلا مساحة من البلاد مستثناة من أعمال البناء فهذه مدرسة وتلك مستشفى وغيرها تقع في عمليات إشادة بيوت الله من جوامع وكنائس ومعابد.. وجميع  المباني التي تعرضت للهجمات والتخريبات تخضع لإعادة الإعمار والتشييد.. وستكون عمليات البناء بحجم تعويض كل ما جرى تخريبه أولا وبحجم تعويض ما فات الشعب مما دمرته الحروب المتعاقبة التي خيضت في بلاد البناء والعَمَار وحتى تتحقق عملية تلبية كل الحاجات اللازمة الضرورية..

وقوى النور لاتقف بأعمال البناء عند الإنسان وبيته ومؤسسة دراسته بل تمتد إلى مزرعته, حقله وكذلك معمله ومصنعه؛ وهي تغرس الفسائل والأصص والشجيرات لخلق العالم الأخضر ولإعادة أرض السواد إلى لقبها فعلا وحقا. ومن هنا لن نجد بستانا إلا وقد عاد الزرع  إليه.. وهكذا لكل المكائن ومكونات المصانع التيلن يُكتفى بإعادتها بل سيؤتى بأفضل وأحدث وسيتمّ تدويرها بأيدي العمال صنـّاع الحياة وخالقيها..

وعليه فسيعود النور وتعود الكهرباء إلى الشوارع والأحياء والساحات وسيكون نور الكهرباء في كل مكان من أرض العراق العامرة بنور أهلها البُناة.. وسيحيا نور العلم في عقول العامة وسواد الشعب.. حيث  نور العلم والمعرفة أساس عيش الإنسان العراقي الجديد.. وسيغادر إلى غير رجعة زمن اتلاف الكراريس والكتب وحرق المكتبات وسيُعاد ما نـُهب منها وطاولته يد العبث وستعود مئات ملايين الكتب والدوريات العلمية غدا لتحتل الأرفف في تلك الأماكن المعرفية المقدسة ويعود القلم والكراس في أيدي الجميع... وسيحمي القانون والنظام الطلبة والطالبات ليرتادوا دور العلم ومعاهده وجامعاته وهو ما يفعلونه اليوم في نضالاتهم اليوميةوهو ما سيتعزز يوما بعد آخر...

إنَّ من أنشطة الحياة تشكيل مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته من اتحادات ونقابات وأحزاب وجمعيات وبناء الدولة الجديدة التي تتمثل فيها كل مكونات الشعب وتعبر عن تطلعاتهم وتخدم وجودهم الإنساني الحر الآمن الملئ بالفرح والسعادة والحيوية الآدمية القويمة.. فلينظر ابناء الرافدين بين القوتين وبين المجموعتين وبين التقاطعين ليقف العراقي مع قوى النور بالمطلق ولتنتهي من حياته قوى الظلام والعتمة والتخلف والتخريب والدمار.. تلك هي حصيلة مقارنة بين من يقود إلى العدم وإلى جحيم الخراب ومآسيه ومن يقود إلى الحياة وإلى جنان العَمَار والسعادة والرفاه... والاختيار بيِّن واضح في مسار الكلام...

 

خاص بالبرلمان العراقي  www.irqparliament.com