حول مكونات الطيف العراقي القومية والدينية ومواقعها وأدوارها السياسية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \ 24

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

ظلت مسألة العلاقة بين مكونات الطيف العراقي الشعبي من قوميات وأديان وطوائف مع السلطة المركزية والحكومات المتعاقبة في حالة سلبية على وجه العموم. فلقد كانت تلك المكونات الجوهرية لمجتمعنا العراقي مهملة بل مصادرة الحقوق مستلبة الشخصية والوجود.. حتى أنَّ السلطة الفاشية الأخيرة كانت تحاول إكراه ملايين العراقيين على تغيير هوياتهم القومية من الكردية والكلدانية الآشورية والتركمانية إلى العربية ...

ولقد جرى ذلك على مستوى العمل الرسمي في الإحصاءات المتعددة التي جرت وعلى مستوى العمل الحزبي الذي أكرهوا فيه تلك الجموع على دخول حزب قومي عربي شوفيني استعلائي في نظرته إلى مجموع القوميات المتعايشة في العراق..

وهكذا كانت حالة التعامل الفوقي القسري حتى مع الأرض والتوزيع الديموغرافي للسكان؛ فـَـجَرَتْ عمليات التهجير القسري بين مناطق العراق ومثالنا الشاخص ما جرى في المدن الكردستانية من تعريب ويحصل اليوم عمليات تطهير عرقي في محاولة لأسلمة بعض المدن وتهجير المسيحيين كما يحصل في البصرة الفيحاء وتجري عمليات أخرى بالمعنى نفسه طائفيا وقوميا!!؟

اليوم وقد سقط الطاغية الذي عمل على تغيير وجه العراق التعددي المتنوع وعلى محو الوجود القومي والديني الذي ظل طوال قرون من الزمن في حالة من التعايش السلمي.  اليوم وقد انتهى بعبع الأحادية والاستعلاء لابد من معالجة كل آثار الجرائم النوعية الكبرى التي طاولت شعبنا. من جهة كونها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة قومية ودينية؛ وعلينا أنْ نبدأ صفحة جديدة من البناء الإنساني يستدعي كل ذياك التاريخ الرائع للتكوين العراقي..

أما كيف نبدأ هذه الحقيقة فينبغي أنْ يتمَّ من خلال مطالبة جميع الأحزاب الوطنية العراقية أنْ تُفرِد للقضية القومية وللتعدد المذهبي والديني فقرات للعمل في الإطار. وأية أحزاب سياسية وطنية لا تفعل ذلك ينبغي النظر إليها من خلال مواقفها السلبية أو التي تُهمِل تلك القضية الأساسية في وجودنا الوطني.

كما ينبغي أنْ يدخل أبناء القوى القومية والدينية في الأحزاب السياسية العراقية عامة ويشكلوا وجودا مناسبا داخلها للدفاع عن قضاياهم وحقوقهم العادلة.. وعليهم أنْ ينشطوا في معالجة آثار الماضي بروح سلمي ديموقراطي وبروح عطاء وطني عُرِف عنهم طويلا ما يثير التضامن مع تلك الشؤون الوطنية الصحيحة ومع الأهداف وبالكيفيات والآليات المناسبة التي يقترحونها..

وفضلا عن ذلك فإنَّ على القوى القومية المعنية أنْ تدفع لتطوير أحزابها القومية وتحويلها إلى أحزاب وطنية ديموقراطية تمتلك آليات العمل الصائبة وتتفاعل مع الوقائع العامة التي تخص جميع أجزاء الوطن وكل مفردات الشعب وأنْ ينهضوا بتفعيل تلك الأحزاب من أجل أخذ مكانتها المناسبة في العمل الوطني العام من جهة وعلى مستوى عرض القضايا القومية المعنية من جهة أخرى..

ولعلَّ من أشكال العمل المخصوص بتلك الجماعات القومية هي العمل بتنظيمات وتشكيلات الثقافة والجمعيات والمنتديات المعنية بتلك الشؤون أي ضرورة الاهتمام بكل تنظيمات المجتمع المدني ومؤسساته وتطوير أنشطتها وفعالياتها نوعيا مع العمل من أجل مؤسسات متخصصة على مستوى الحكومات الوطنية المقبلة تُعنى بالشؤون القومية ..

ومن اللازم بهذا الخصوص استحداث وزارة القوميات بخاصة وعراقنا الجديد يتجه نحو عراق فديرالي تعددي يؤمن بالتنوع ويحترم مكونات الشعب العراقي ومن أجل وضع حلول ناجعة لابد من وجود مثل هكذا وزارة تهتم بمعالجة كل الآثار السلبية الماضوية التي انصرم عهد الاستغلال وأشكال القصور والمصادرة ولكننا بحاجة لانهاء مظاهر أو نتائج تلك السياسات على مستوى رسمي فاعل...

إنَّ قضية التعامل مع تفعيل المسألة القومية ومع الأقليات الدينية والطائفية ومع مسائل تخص النشاط التعددي التداولي وحقوق الجميع في العيش على قدم المساواة ومن دون تمييز, تتطلب المعالجة الجذرية وكما أسلفنا على المستوى الرسمي لابد من وزارة تُعنى بشؤون القوميات والأقليات وعلى المستوى الشعبي لابد من إباحة تشكيل كل مؤسسات المجتمع المدني الضرورية للنشاط النوعي المنتظر في المرحلة المقبلة...

وعلينا هنا تذكر حقيقة وجود الجمعية الوطنية وما ينبغي أنْ تلتفت له من تخصيص وجود نوعي حتى يتم تقرير تشكيل مجلس القوميات واحدا من مجلسين يتشكل منهما المجلس الوطني. فمجلس القوميات أمر لازم لمنح العدالة بالخصوص وعدم التعاطي معها من زاوية هامشية أو ترك القضية للتمييع والاهمال بالتسويف وبغيره..

وهذا ما يعنينا من كون الوجود القومي للكلدان والآشوريين والسريان والتركمان والصابئة والأيزيديين ولليهود وطبعا للقومية الثانية في البلاد الكرد بكل ما يستحق الجميع من وجود يتناسب وأصواتهم ليسوا بوصفهم أقليات بل بوصفهم وجودا كاملا يحق لهم العيش بالتساوي مع الآخرين وإلا فمن حقهم الوجود المنفصل الذي لا يعرِّضهم لمهانة الثانوية والتهميش الظالمة المعتدية على حقوقهم الآدمية البشرية... 

إنَّ الحل لا يمكن أنْ ينتهي عند اقتراحات تتعطف على الوجود القومي أو الديني للعراقيين بمشاركة بعد حرمان بل ينتهي عند أخذ الحق الطبيعي الكامل ومن دون منّة من طرف كبير على آخر صغير فلا كبير ولا صغير بالعدد فالوجود النوعي حق إنساني يحتفظ بكل قيمته وبحجمها غير المنقوص أو المهمَّش لأيِّ سبب كان...

ولابد من إنهاء حكاية الأغلبية التي تمتلك البلاد وتتحكم في مصائر العباد وأنْ نبدأ عهد الحريات الحقيقية التي لا تعطـّـُف فيها من طرف على آخر ولا ملكية للعراق لطرف واستلاب تلك الملكية من آخر فالجميع يتقاسمون البلاد وثرواتها أرضها وسماها بالعدل والإنصاف والعدل يقوم على ضمانات كافية لكل الحقوق الإنسانية الفردية والجمعية ومنها طبعا هنا ما نحن بصدد معالجته القضية القومية وحقوق أصحاب الديانات والمذاهب والطوائف..

كما ينبغي أنْ نعود للتاريخ العراقي القديم والوسيط ونبحث بكل ما يعيد إلى أبناء العراق الأوائل وجودهم وكياناتهم التي ما زالت امتداداتها حية وأنْ نتعامل مع هذا الوجود من منطلق الإنصاف التاريخي الصائب. وبغير هذه التوجهات الجدية لا يمكن للعراق أنْ يستقر وأنْ يعود إلى عهود التعايش السلمي القويم بين ابنائه عراقيين يجمعهم روح التعاضد والتعاون والتعايش والاعتراف الوطيد الأكيد بالآخر من دون تكلف ومنة وفوقية...

وللأغلبية العددية أنْ ترى ما تراه بشأن تشكيل الحكومة والإدارة وبشؤون وجودها ولكنها لا تمتلك حق الحديث باسم الآخر حيث يستطيع هذا الآخر أنْ يعبر عن نفسه وأنْ يأخذ حقه بنفسه وبأبنائه الذين يحيون بوصفهم بشرا أناسا كاملي الوجود البشري الآدمي لا ينقصهم إلا أخذ الحق تاما كاملا من غير منقصة ولا منّة...

ولا انتظار من كل تلك القوى المعبرة عن الوجود المتنوع التعددي بل عمل وتفاعل وإيجابية وتداولية لا تقبل إلا بذياك الحق الإنساني القومي والديني فإلى العمل من جميع ابناء القوميات على أسس المساواة والإخاء والعدل ولا غير هذا التوجه القائم على التسامح والتفاهم والتعاضد...

 

خاص بالحوار المتمدن      www.rezgar.com