حملات وطنية عالمية

 "من أجل إعادة بناء المخرّب من دور العلم والثقافة"

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  06 \14

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

احترقت المكتبة الوطنية؛ احترقت مكتبات في هذه المحافظة وتلك المدينة؛ نُهِبت مكتبات وسُرِقت ثرواتنا الوطنية من كل مكتباتنا الغنية بثروة العلم والمعرفة والثقافة وما عاد بين جدران مؤسسات العلم والمعرفة ما يُقال عنه ورقة تـُقرَأ أو جهازا يـَفتح موقعا لإضافة مادة علمية أو ثقافية تنويرية! لا شئ سوى خرائب وبقايا أبنية وأرفف خالية إلا من بقايا رماد!!

ولكن همة العراقي أبعد من تلك النازلة وأقوى منها وأعلى صوتا. ها هم الطلبة والأساتذة والباحثون يجمعون من أرفف مكتباتهم المنزلية ويضعون على تلك الأرفف الجمعية لمكتبات الحي والمدينة. ولكن المسألأة ستظل أبعد من التنادي من أجل جمع التبرعات داخليا.. وهي عملية راقية ومفيدة وثرَّة غنية النتائج وكبيرتها..

إنَّ الحل الأمثل يكمن في مقدار موقف الحكومة الجديدة من قضية الثقافة العراقية وقضية المعارف والعلوم وهي قضية جوهرية أساسية كبرى لشعبنا وبلادنا في مقبل مرحلتها, بما يعني الحاجة إلى تخصيصات جدية تتناسب وتلك الأهمية وحجمها المميَّز. إذ سيكون من الصائب منح الأولوية للثقافة وللعلم بما يمكننا من العودة إلى مسارنا الصحيح بعد غياب عن عالم المعرفة طويلا في ظلال أبواق الطاغية المقبور وخلفه من عصابات الظلام المدحور...

ولأنَّ عراقنا منهوب من أساسه تظل قاعدة الحملات الوطنية وتوسيع دائرتها لجذب الدعم الأممي العالمي قاعدة قوية للارتقاء بالنتائج إلى مستوى الحاجات الماسة التي نبتغيها ليومنا وغد أبنائنا. والمقصود بالحملات الوطنية جمع كل القوى العراقية المتخصصة المعنية بالأمر والفاعلة في النهوض به بملء المسؤولية المناطة بها جميعا.. ولابد للحملات الوطنية المنتظرة من برامج عمل موضوعية مناسبة للحركة والفعل الناشط..

هنا نحن بصدد الأخذ بخبراتنا الوطنية الموجودة في بقاع الأرض وشتات المنافي والمهاجر ولم ينتظر هؤلاء الدعوة فهم أهل الدار أيضا ويملكون حسهم النبيل وتفاعلهم مع الأهل والقضية فقدموا ما لديهم من رسائل العمل وبرامج الفعل والحركة إلى حيث الحلول التي تعاود بنا مسيرتنا. ولكن المطلوب لتفعيل الأدوار كافة هو تجميع تلك الرؤى والتخطيطات المهمة يكمن في التفاعل بين كل قوانا الوطنية من جهة وبتعبير الوزارة الجديدة عن مثل هذا التوجه الصادق وتوجهها لتنفيذه واتخاذه برامج عملها الجديدة بعد أنْ كانت برامج عمل الوزارة خاضعة لمزاج سلطة الفرد الطاغية المريض..

إنَّ العمل الجمعي وتوكيد روح الوطنية فيه يعني توسيع دائرة الفعل والمشاركة ومساهمة كل الطيف الثقافي في رسم خطط العمل والتنفيذ. وهذا هو التوجه الصحيح الصائب في التعاطي مع واقعنا الثقافي الجديد.. لأنَّ الثقافة ليست بوقا دعائيا وليست مزاجا مرضيا فرديا ولا يمكنها أنْ تقوم على الفردي الانعزالي ولأنها كذلك فلا يمكن إلا أنْ تكون البداية [في الإطار الثقافي] جمعيا وتعاضديا وبالتفاعل بين جميع الأطراف بكل حرية وبروح ديموقراطي تعددي يحترم الاختلاف والتنوع لكي نعبِّئ ما خلا وفرغ بالصحي الصحيح من أعمال الثقافة ومنجزاتها...

وحتى تكون الحملات الوطنية التخصصية ناجحة في ظرفنا المعقد الصعب لابد من تفعيل الدور الأممي عبر جالياتنا العراقية المنتشرة في أصقاع مختلفة وبالتحديد منها قوى الفعل الثقافي من مفكرين وباحثين وأكاديميين ومبدعي الآداب والفنون وكل طاقاتنا المعنية بالأمر..

وعلينا بكل تأكيد أنْ نستقبل هؤلاء ونستمع إليهم وإلى مشاريعهم التنويرية وما يمكنهم فعله بغاية صبِّ كل الجهود في بوتقة واحدة لا تقف عند أبواب الوطن وتحسر في دروب ضيقة محصورة بإمكانات مادية تقتل الإبداع وتنهي الحركة وقوة الفعل وتضع الطموحات الجادة الفاعلة على أرفف النسيان كما فعلت وزارات من قبل تلك التي لم تضعنا جميعا على أرفف الإهمال بل حجرت علينا في السجون وفي المنافي وفي غياهب الموت والاغتيال..

لا يمكن إلا أنْ نحمل حملتنا الوطنية ونفتح أبوابنا واسعة مشرعة للتعاطي مع الإنساني العالمي وللتفاعل معه وللأخذ منه بما يجعل من ثقافتنا ومنجزها الجديد مفتاح السلام والحرية وراية الديموقراطية في بلادنا.. ليكون خطاب ثقافتنا خطاب التوحيد لا التشتيت والتشريد خطاب احترام التنوع لا استنزال التقديس للتفرد والأحادية وإلغاء الآخر ..

إنَّ عملية إعادة إعمار المخرَّب الثقافي لا يكمن في إعادة الأبنية والعمارات والأرفف ولكنَّه يكمن في ما هو أبعد من ذلك بكثير ولدينا اليوم فرصة كبيرة من أجله أي من أجل إعادة الإعمار إعمار الروح المتعب المرهق المستنزف المخرب وذلك لا يكون بغير علاج عميق لآثار الجروح ومنها جروح الإقصاء والإبعاد التي عانى منها مثقفنا ورؤاه المشرقة النبيلة العظيمة..

وطبعا لا يأتي هذا بقرار بقدر ما يأتي بفعل عملي في التعاطي مع مشاريعه النهضوية مشاريع الإعمار التي يجترحها من الروح من وجوده وعلى الحملة الوطنية لكي تكون كذلك ألا تقصي الفرد منّا عندما تجده في الخارج في المنفى في المهجر بعيدا مكانيا ولكنه ليس بعيدا بروحه وعقله وتكوينه وفلسفته وبما يرسمه من مشروعات, لذا وجب ضم المثقف العراقي الموجود في كل مكان من عالمنا وليس بالضرورة الموجود في بقعة كانت منسية من أرض الوطن الطاهرة..

فالذاكرة عليها وينبغي أنْ يكون الأمر أبعد في اتساعها لكل الثقافة العراقية من جهة وكل المثقفين العراقيين من جهة ولكل الناشطين ومنهم كل فرد ينتج أو يستهلك الثقافة من جهة نعم من هذه الجهة نكون حيث نوجد جميعا بلا استثناء ومن جهة أخرى يجب أنْ يتسع الصدر والصبر لجملة من المعاناة الناجمة عن آثار الماضي التخريبي المريض وعمّا يواجه محاولات العلاج من مشاق ومصاعب مما يكون الصبر والإصرار والجـَلـَد طريقا للعلاج...

أيها الصحب من وزارة نعوِّل أنْ تكون وطنية صادقة ومن مؤسسات مجتمع مدني بالخصوص منها الثقافية جميعا في الداخل وفي الخارج أيها الصحب لابد من خطة إحياء خطة إعادة إعمار والجميع مدعو للفعل والمساهمة في الخطة المنتظرة...  وكل له دوره في العملية الكبرى..

هنا ينبغي التأكيد على حقيقة عولمة الدعوة وإدخالها في مجال مؤسسات المجتمع الدولي ودعمه الجدي الفاعل وجذب القدرات المادية الهائلة الضرورية اللازمة للبدء والحركة والفعل وطبعا يتضمن هذا أنْ نكتب قوائم طويلة من طلباتنا وحاجاتنا للمكتبة والمتحف والمختبر والمدرسة والجامعة ومراكز البحوثوالدراسات ولمؤسساتنا الثقافية ولقاعدتها المادية من مطابع ودور نشر ومعارض كتاب ومسارح ودور موسيقا وفنون إلى آخر القائمة وعلينا أنْ نضع خطط طلب الدعم من المؤسسات المعنية دوليا..

لابد من مواصلة وعزيمة فاعلة لا تكلّ ولا تملّ في عالم نحتاج فيه إلى تواصل واتصال.. إلى تقديم أنفسنا بطرقة مناسبة ومشاريعنا بوسائل ملائمة تكفي لجذب الدعم وتوجيهه الوجهة الصائبة... لا يمكننا وليس أمامنا إلا هذا الفعل المنتظر منّا جميعا من مؤسسات رسمية حكومية وزارية أو من مؤسسات مجتمع مدني بتنوعاتها وتخصصاتها وخططها ومسارات عملها واتصالاتها وطنيا وأمميا...

إعادة الإعمار قد تكون أعقد وأصعب من الإعمار نفسه لأنها تتضمن فعل إزالة أنقاض الماضي وعقده ومساوئه وأمراضه وبناء الصرح الجديد البديل الصحيح, ولكن من الصحيح أيضا أن يكون لنا في إعادة الإعمار مسار التقدم والتطور ومن ثمَّ امتلاك النجاح والسعادة وما يصبو إليه كل مثقف عراقي بل كل عراقي ..

وحتى نرى الوزارة ومؤسسات الثقافة تتقدم على أسس موضوعية سيبقى مسار الثقافة والمثقفين يتجه بقوة إلى أمام حيث الطموح الذي نتطلع إليه. فغدا سيكون مركز انتاج الفلم العراقي أكبر مراكز الشرق ومركز المسرح العراقي أعظمها ومركز الموسقى بدار أوبرا تستوعب آلاف المشنفين أسماعهم إليها ومركز الوثائق والمكتبة الوطنية بحق شمس العلم والمعرفة التي يأتيها الزوار حيث أندر المخطوطات والمصادر ومتحفنا تعود إليه نفائسه المهرّبة قديما والمسروقة حديثا ولكل مفردة ثقافية سيكون لها لجنتها ومؤسستها وحرية عملها ورقيِّه وتميزه ..

سنبني شاهق الدور والمعاهد والمدارس والجامعات .. سنبني ما يتناسب وحجم حبنا للثقافة وولعنا وشغفنا بها واحترامنا للعلم وللعلماء ولانتاج الفكر العراقي... ولكن لابد من إصرار المثقفين وعزيمتهم ومشاريعهم ودفاعهم الوطيد الأكيد عنها.. تلك هي القضية الأساس لمقبل يومنا العراقي المضئ إنَّها قضية البدء برسم الحملة الوطنية في كل مجال وفتحها على عوالم الدعم واسعة........