ما ينتظرنا من مسؤوليات ومهام لبناء عراقنا الجديد

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  07 \07

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

القسم الثاني: بم نبدأ؟ وما العمل في الشأن الأمني؟

ستظل الصفحة التي نعيشها اليوم تراوح في إطار انتقالي تركته ظروف انهيار الطغيان والتخريب والدمار ما لم نضع بديلنا المستقر ونثبِّت خيارنا الوطني المستقل.. وستظل تهاجمنا طبول الشرعية المزعومة وأبواقها مستغِلة منافذ الاختراقات المشـْرَعة أمامهم. وما يهمنا نحن العراقيين هو ما نحن فيه وما نبتغيه لحاضرنا ومستقبل أبنائنا. ومن ثمَّ تترتب علينا اليوم مسؤوليات هي إجابة عن أسئلة كثيرة أولها تحديد المهام الرئيسة وثانيها اختيار بأي من تلك المهام والمسؤوليات نبدأ.. وإذا كان من الواضح ما ينتظرنا في إطارَين هما الأمني والاقتصادي, فإنَّ السؤال المهم التالي هو بـِمَ نبدأ؟

إنَّ حلقة الأمني الاقتصادي لا يمكن حلها بقرارات تنتمي إلى النيات الحسنة وإلى استعجال تحقيق النتائج بعد أنْ طاولت متاعب الزمن الردئ التي كان وراءها نظام المجرم الطاغية وما جرَّه على بلادنا وشعبنا. إذ سنعاود الدخول سريعا في حلقات جديدة من قرارات استخدام مفردات القوة [والحزم] الذي يُخشى أنْ يتحول إلى طغيان غير مسوَّغ بل غير مبرر بالمرة.. فليست القوة المسلحة والعنف هي الطريق المتفرِّد للحل الأمني!

إذ المطلوب هنا ليس التخلي عن وجود أجهزة مختصة بالمسألأة ولا التراخي عن حسم الأمور واتخاذ المناسب من المعالجات الأمنية الضرورية ولكن من الضروري لضبط وقع الخطى والمسار لتلك الأجهزة وللحكومة نفسها, وجود رقيب يعرف الخطوط الحمراء في الموضوع من جهة ويمنع الإفراط والتحول إلى طغيان آخر من جهة أخرى..

ولكن المعالجة الجوهرية هي تلك التي لا تكتفي بالحلول المؤقتة والترقيعات الآنية المستعجلة ولكنها تلك التي تنظر إلى المستقبل البعيد في القضية الأمنية. فمن يضمن وما الذي يضمن أمن العراق وسلامته على المستوى الستراتيجي ويس التكتيكي؟

إنَّ النظر إلى تفاصيل مشكلتنا الأمنية ينبغي أن يوضح المدى الحقيقي للمشكلة... فمشكلتنا حقا ليست كامنة في وجود الإرهابيين الذين يحتلون شوارعنا وأسطح منازلنا ولكنها أيضا [فوق ذلك وأكثر منه] موجودة في الاختراقات الجدية الخطيرة الموجودة في كل مفاصل وجودنا الجديد ومن مختلف القوى الإقليمية والدولية وبتنوعاتها ومصالحها الكاثرة!!؟

لذا كان علينا تدقيق أمورنا واختيار العلاجات التي تتفق وإمكاناتنا الحقيقية وبما يقطع الطريق على تلك القوى المختبئة اليوم من ممارسة دورها التخريبي.. فحيثما استطعنا وضع الخطط المتناسبة مع اعترافنا بوجود تلك الاختراقات وتشخيصنا لها تحديدا أقصد الاختراقات الموجودة الآن في داخل أجهزتنا [سواء منها الحكومية أم غير الحكومية] بالذات, كنّا بوضع أفضل في الخطوة العلاجية اللاحقة التي من المؤكد ستتناول معالجة بعض الاختراقات المؤجلة مؤقتا اليوم لظروف معروفة..

ومن المؤكد لدينا من القضايا والشؤون الأمنية تعقيدات لا تـُحَل بغير حكمة وتأنِ ِ بعيدين.. فليست القضية أؤكد هنا قضية مطاردة لصوص وسوقة بل عصابات جريمة منظمة وإرهابيين مدعومين من جهات إقليمية دولية ووجود سكاني كبير دفعت به دول جوار معروفة ومعروف ما تبتغيه من وراء ذلك.. إذن نحن اليوم بشأن تداخلات ينبغي استقراؤها ووضع أولويات دقيقة الحسابات بشأن فرز التكتيكي منها والستراتيجي..

وعلى سبيل المثال تسرح وتمرح القدرات المالية والإغراءات المادية في ميدان البطالة والجهل والتخلف.. فإذا شرعنا في تشغيل الأيدي العاملة فإننا لابد سننجح في تقليص تلك المساحة المتروكة ميدانا لتلك الأنشطة وهي عملية من الضروري تحمّل تكاليفها المادية مقابل ضمان مستقبل نشتريه بتلك التكاليف.. فذلك الذي نربحه هو إنسان الغد الذي يمكنه دفع تلك التكاليف ولكننا بخلافه لن نجد سوى غرقى لا يستطيعون لأنفسهم شيئا غير الفرار السلبي المتواصل وبلا أمل...

لابد من مباشرة مشتركة المسارات بين الأمني المستعجل والأمني البعيد والأخير مرتبط تمام الارتباط بقضية حل المشكلات الاقتصادية وأولها وأخطرها البطالة ومنذ أشهر كنّا قد أكدنا على معاجلة التشغيل في شؤون متداخلة بين أمور خدمية عاجلة وأمور تشغيل الأيدي العاملة ولعله من المستحسن عدم النظر إلى ما يفوت من فرص ومباشرة أية فرصة ممكنة سريعا .. هنا الإشارة إلى تشغيل عشرات الألوف في تنظيف مدننا التي ما عادت تحتمل ومتابعة مشكلات الصرف الصحي وما تتطلبه من مشاريع تشغِّل آلاف أخرى وهي ممكنة بعقود سنوية أو فصلية حاليا تدفع الأمور خطوة خطوة إلى الأمام...

وهناك على أية حال كثير من المشروعات التي تنتظر ولكن لأي قائل بخصوص الطاقات والقدرات فإنَّنا ينبغي أنْ نشرك الأصدقاء والجهات التي نرى من الممكن التعامل معها ولو على المدى المتوسط المقبل في عمليات البناء المنتظرة..

وأسئلتنا المقترحة اليوم أمنيا بيد مَن نضع أجهزتنا الأمنية وكيف يمكنها العمل في إطار إشكاليات التنسيق والدمج والتفاعل في الآليات المتنوعة ومع من الدول الإقليمية يمكن التعامل وكيف وإلى أي مدى من العمل المشترك وما هي محددات التعامل والضمانات من الاختراقات؟ على القوى السياسية الوطنية وضع تلك المسائل في حساباتها والإجابة عنها عاجلا...

ما القوانين المقترحة على الصعيد الأمني وهل العمل بنظام الطوارئ ضرورة وحتم لابد منه؟ قد نكون أجبنا في موضع سابق عن ضرورة اتخاذ أي من التدابير اللازمة في الإطار ولكننا نظل في حالة من التأكيد على ضرورة وجود الرقيب الشعبي البرلماني على تلك المسألأة لكي لا تتحول بنا إلى حالة من الإفراط المؤدي إلى مالا تحمد عقباه.. بمعنى ضرورة مشاركة واسعة في قراءة القوانين المعنية وإقرارها وحتى كيفية أو آلية تنفيذها ومدياتها...

وبعد هذه النقاط العامة ينبغي إضافة مسائل من نمط خصوصية الظرف العراقي الراهن في تقسيم الأمن الداخلي والخارجي إذ لدينا تداخلات مركبة كثيرة في الأمر بخاصة في اختراق حدودنا في أمور وغايات ما عادت خافية من جهة آثارها التخريبية ومن ثم سيكون لتداخل المهمات وتنسيقها بين قوات مسلحة تحمي الحدود وقوات أمن داخلي بقول آخر سيكون للقوات المسلحة العراقية مهام تتعلق بشؤون الأمن الوطني في الظرف الراهن على الرغم من توجهنا لمنع تدخل القوات الوليدة في الشؤون الداخلية ولكنها اليوم ضرورة أو حاجة لازمة لمجابهة مشكلات فرضتها طبيعة المرحلة مؤقتا وبمحددات وإشراف الحكومة المدنية نفسها وليس العسكر بيد مطلقة لوجودهم المؤسساتي بل لمحددات الظرف وتفاصيل آلية العمل من أجل مهمات مشخصة..

ويبقى هاجس المتابعة والرقابة وتحديد الآليات حيثما دفعنا بالقوات المسلحة إلى أية مهمة أمنية تتطلبها الوقائع اليومية القائمة.. وهي مهمة إشرافية مباشرة من الحكومة المدنية.. وهو ما يعني ضرورة نشر متعلقات الأنشطة الأمنية بالمقدار الذي تسمح به آليات العمل من شفافية لمنع جعل تلك الأجهزة من التجاوز على حقوق العراقي بعد اليوم..

كما ينبغي في الإطار منع أية اعتقالات كيفية بعيدة عن القضاء ولمدد تجعل من المعتقل مختفيا أو مفقودا لمجرد تهمة يتعرض لها أو قرار تتخذه جهة أمنية إذ الحديث عن ضوابط عمل تلك الأجهزة يجب أن يكون في إطار من حماية حقوق العراقي الإنسانية كاملة.. وألا نفسح مرة أخرى فرصة للتجاوز على الحقوق لأية ذريعة كانت...

وبالجملة فإنَّ الملف الأمني يظل أولوية ولكن ليس من جهة آليات عنل أجهزة مطلقة اليد بلا رقيب ولا حسيب أو على الطريقة التي كانت تجري في إخفاء العراقي في غياهب لا يخرج منها ومع ذلك فنحن نتحمل سويا أعباء مسيرة لضبط أمن عراقنا الجديد متكاتفين وعلى وفق توافقات جدية مسؤولة والأمن ليس مهمة شرطي في الشارع بل هو مسؤولية تقوم على وعي حضاري أكيد ينتمي لاحترام القوانين وفرضها حيثما كان ذلك لازما وصحيحا..

وسيكون من مسؤولية المدرسة والجريدة والإذاعة والأحزاب والمنظمات توعية وإنارة وإنهاء زمن التخلف والأمية طبعا هنا ليست الأبجدية ويُفترض بمنظمات المجتمع المدني التقدم بمشروع وطني بالخصوص... فمحاربة الجريمة واللصوصية وضبط المرور في الشارع وغيرها من الأمثلة التفصيلية ليست مهمة شرطة وحده ولن تكون كذلك يوما فهلا بدأنا بذلك سويا؟؟؟