ما ينتظرنا من مسؤوليات ومهام لبناء عراقنا الجديد

القسم الرابع: المهام والمسؤوليات الاقتصادية الاجتماعية
 الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  07 \ 11

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

أرضية بناء المجتمع ليست بناه الفوقية وغير ذلك المتأتية من خارج حدود الوطن, ولكنَّ تلك الأرضية هي وجوده الاقتصا-اجتماعي أو بنيته التحتية وطبيعتها وخصائص ما يتخلل تلك البنية من مفردات حديثة أو جذور تاريخية وامتدادات تمتلك متانتها أو تخلخلها وضعفها. ونحن هنا في وقت نريد التأسيس لعراق جديد, يُفترَض أنْ نناقش ما ينبغي في المجالـَين الاقتصادي والاجتماعي...

إنَّ دولة [ومجتمعها] لايمتلكان أرضية اقتصادية متينة مناسبة لا يمكنهما التقدم إلى ما ينشدان من استقرار ومستهدفات ضمان المستقبل. فحيثما البطالة توجد المشكلات المعقدة وحيثما الكساد وتوقف عجلة الانتاج وتلكؤ حركة  عجلة الاقتصاد توجد العقبات بوجه المجتمع والمصاعب والآلام.. وهذا ما نراه من تركة نظام التخريب والعبث بمصير مجتمعنا العراقي ودولتنا الناهضة بطاقات عراقية لا محدودة ولكنها المسروقة من ذاك النظام الهمجي العدواني بكل ما جاء به لبلادنا من خسائر مهولة!!

فتهجير ملايين ونفي عشرات الألوف وغياهب السجون وحروب الطاغية التي سرقت صحة الآلاف وعوَّقتهم واغتالت حيوات عشرات آلاف أخرى وتغييب أعداد عجيبة أخرى وإحصاءات بلا نهاية من اغتيال العلماء وتغييبهم وقطع صلة الفئات ذات التعليم العالي عن مجتمعنا بإقصائهم عن مواقع أعمالهم بخاصة العلمية كل ذلك غيض من فيض زمن الخراب للذي يمكنه النظر عن كثب إلأى المشهد العراقي اليوم بعد أنْ نـُفِض غبار الزمن الأسود...

اليوم ماذا يمكننا أنْ نفعل لمجتمع تمَّت إعادته إلى عالم ما قبل الحضارة الحديثة؟ إلى عالم القبيلة ومجتمع الطوائف الذي وُلِد في زمن من أزمنة حركة المجتمع الإنساني إلى أمام بينما عاد قسرا مجتمعنا إلى تلك الأشكال التي لم يتجاوزها زمن المجتمع الإساني المعاصر حسب بل تجاوزناها نحن منذ عقود من الزمن ولكن كيف ولماذا نحن اليوم بمجابهة مشكلات من نمط تشكيلات المجتمع القبلي واقتصاد مجتمع الطوائف؟

إنَّ قراءة الواقع هي الاتي تشير إلأى كون ذلك افتعال تمَّ تصنيعه إكراها وإجبارا وقسرا من قبل الطاغية وسياساته المرضية بدليل انتصار قوى شعبنا الحية على كل محاولات تشطير مجتمعنا بين طوائف متناحرة أو قبائل ومشايخ على طريقة  الطاغية الذي أراد من تكليفاته الرخيصة لشخوص كاريكاتورية بالمشيخة أنْ يجعل تلك الشخوص وسيلة لتلميع صورته ووجاهته وحماية سلطته.. في حين لا نرى اليوم إلا تقدما من وجوه مجتمعنا العراقي نحو خيار المجتمع المدني حتى في إطار الشخصية العشائرية أو ذات الخصوصية المذهبية ...

فنحن بصدد قوى تصنع الحياة بإعادة الهيكلة والتكيّف من جديد مع مسيرتنا التي انحرفت  انحرافا كارثيا خطيرا وها هي تعاود اليوم تصحيح المسار من أجل مجتمع صحي خالِ ِ من أمراض التقهقر والرجوع إلى وراء والانكفاء بعيدا عن عصرنا وخصائصه ومعالم الحداثة فيه. نحن بصدد مجتمع علماني يحترم جميع مكوناته ومعتقدات فئاته المتنوعة ويعيد الحرية المستلبة منهم...

إذن أولى مفردات مسؤولياتنا الاجتماعية تكمن في رفض ذاك الانكفاء والماضوية التي ما تفعل غير إدخالنا في ظلام العصور السالفة ومساوئ أزمنة منقرضة وهي لا تنظر حتى إلى أيِّ بصيص من نور تلك الأزمنة بقدر ما تريد تعطيل العقل وتنويرية الفكر ووضعنا في قمقم مغلق وظلام دامس لا نرى فيه طريقنا أو مصيرنا ومستقبلنا...

إنَّ عمليات الحجر والتعطيل والتحريم والمصادرة هي ليست تركة من مخلفات الطاغية حسب بل هي أداة بقاياه التي تواصل أفعال الدمار المأساوية ومن ثمَّ وجب أنْ تكون عمليات تطهير مجتمعنا من الفكر البعث فاشي ومن نتائجه الوخيمة أمرا جوهريا وأساسا من أسس حركتنا الاجتماعية الجديدة..

ونحن هنا لسنا بصدد الشرائع العراقية التي آمن بها مجتمعنا واتخذها طريقا لحياته عبر تاريخه من ديانا ومذاهب وأفكار وطقوس وما تتضمنه من محددات ولكننا بصدد الوقوف بوجه أدعياء يتخفون وراء أقنعة مزيفة من الانتماء لديانة أو مذهب أو طائفة ولطقوسها وهم لا يضمرون غير مفردات ضلالية ظلامية ما أُنزِل بها من سلطان.

ولا يمكننا هنا إلا أن نفضح مجتمعين ما يختفي وراء كومة الأدعياء المضلِّـلِين ونخوض معركة التحرر الفكري والاجتماعي وهنا سيكون من أعلى مبادئنا احترام العراقي إنسانا كامل الحقوق يتساوى مع أخيه العراقي بكل حقوقه وواجباته ما يلا يمكن تحقيقه من غير حرية تامة لكل مكونات مجتمعنا ومنع تقدم فئة أو جهة على أخرى لأي سبب كان سواء في التمييز بين أكثرية وأقلية واستلاب حق أقلية دينية أو مذهبية أو قومية أو أثنية عرقية أو لأيِّ ذريعة أخرى..

وسيكون من حق أي فئة أو فرد أو جماعة أن يتمتع بالحقوق الإنسانية ولا تنتهي حرية طرف إلا حيث تبدأ حرية الآخر.. وسيكون من الحريات مشروعية التنظيمات التي تخضع لقوانين تحترم الإنسان وتقدس وجوده ولابد من الإشارة لمنظمات المجتمع المدني من كل تنويعات مهامها حسب مقاييس عصرنا والمجتمعات الحديثة.. لكي تكون إشارتنا واضحة لابد من التأكيد على ضرورة دعم هذه التشكيلات أو المنظمات من البلديات المحلية ومن الجهات الإقليمية ومن السلطة المركزية أو الحكومة الفديرالية دعما يرتقي بإمكانات تأثيرها وتفعيل حركتها وأنشطتها..

ومن الطبيعي أنْ تحتل قضية المرأة وتحررها الاجتماعي مكانتها في الاجتماعي وفي حركة الأحزاب وتوجهات المنظمات الفئوية النسائية وغيرها. ولا ينبغي للمرأة هنا أنْ تنتظر من أنصارها تقديم حريتها وانعتاقها هدية حيث لا تتقدم هي خطوة في معارفها وأنشطتها وهو ما تنهض به حقيقة كثير من نسوتنا العراقيات عبر روابطهنَّ ومنظماتهن ولكن المسألة بحاجة لمشاركة أوسع تثبت بها المرأة العراقية أحقيتها في المتابعة والتقدم لاحتلال موقعها الاجتماعي وفي الحقيقة لا حرية لمجتمع تكون فيه النساء معطلات مستلبات الحرية...

فإذا نحن اختزلنا في استقراء المهام والمسؤوليات الاجتماعية  اختصارا وليس اهمالا وتجاوزا فإنَّ مشكلات كبيرة تنتظر التعليق على الصعيد الاقتصادي بكل مخاطرها الاجتماعية والسياسية وأولها مشكلة البطالة التي طاولت ملايين من طاقاتنا البشرية ما جعلها تضعنا في مجابهة مع أبشع حالات استغلال قوى ظلامية للحالة في وتوجيهها بما يخدم ممارسات ضلالية رخيصة..

ومن الطبيعي أنْ تلتزم أية حكومة وطنية مؤقتة أو دائمة بحلّ هذه المشكلة توفيرا لطاقات بعيدة يمكننا من خلالها تحريك البركة الراكدة ومن ثمَّ التقدم بمسألة تحريك عجلة الاقتصاد وإ‘ادة الحيوية سواء من خلال معالجة الخلل في انتاجية المشاريع أم مسألة توقفها أو تدمير الركائز وإعادة الانتعاش إليها بغية توفير أرضية تكامل الدورة الاقتصادية التي فقدناها في ظل ظروف الحصارين الخارجي والداخلي والسياسات الرعناء منها أو الاستهداف التخريبي الذي قصدته سياسة الطاغية...

إنَّ جملة من القرارات الضرورية على صعيد الاقتصاد لابد من اتخاذها فورا فمسائل تشغيل الأيدي العاطلة عن العمل في مفاصل خدمية سيكون لها انعكاسها على مستوى التشغيل من جهة وعلى مستوى تأهيل الدورة الاقتصادية وتقديم الخدمات اللازمة والاستجابة للحاجات الملحة من نمط نظافة المدن والصرف الصحي وما إليها...

ولابد لنا من توزيع أعمال بناء الركائز الكبرى على الجهات الداعمة التي نرى مصلحتنا في توظيف جهودها معنا بالإفادة من دعم جهات دولية وشركات لا يُخشى في قابل الأيام من مضاعفات تعاملنا معها.. وعلينا بالتأكيد الاهتمام بمشكلات الكهرباء [الطاقة عامة] والماء والسدود والجسور والطرق  [المواصلات والاتصالات عامة]....

إنَّ الاهتمام بشؤون الأسعار ونوعية المواد وطبيعة حركة السوق الأجور تحتل أهمية مثلها مسائل من نمط التشكيلات التنظيمية الاقتصادية من إدارات ومن روابط واتحادات منتجين ونقابات عمال على أنْ يقترن كل ذلك بفاعلية تلك التشكيلات وحركيتها وليس الوجود الشكلي .. لأن حالة الاقتصاد الجديد اقتصاد السوق وقوانين عمله وآلياته أمر لن يستقيم بغير تلك الالتفاتة الضرورية..

على أننا لا يمكن بحال من الأحوال أن نتجه لاتخاذ عملية الانفتاح ولبرلة [من ليبرالية] الحياة وسيلة لبيع العراق وسرقته وتحويل ثرواته إلأى جيوب المشتري أو حتى السارق الإقليمي والدولي.. ومن ثمَّ فلابد من حيطة في قراءة السياسة الحكومية وعدم الاندفاع في اتخاذ النموذج الغربي الرأسمالي طريقا مطلق اليد في اقتصادنا على الطريقة الروسية أو الشرق أوروبية لأن تلك النماذج هي ذاتها التي تنصحنا عملية قراءتها بضرورة التأني والاحتياط لكل خطواتنا وترك بعض المفردات للدولة وإشرافها بطريقة تستجيب لأوضاعنا الراهنية المخصوصة.. إنَّ عمليات التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي أمر يحتاط لمشكلات كاثرة في حياتنا الاقتصادية الجديدة..

ومن أولويات عملنا معالجة الاختلالات التي زلزلت عملتنا الوطنية وسياساتنا المصرفية وما يُنتظـَر منها وعلينا معالجة الخلل التضخمي للعملة وهو ناشئ في بعض مفرداته من سياسة نظام الطاغية الذي راح يطبع الورق وزمرته في ظرف توقف الانتاج المحلي وتحديد كميات النفط المصدَّر في حينها [اوراق بلا رصيد] اليوم اختلفت الحال فما بال الدينار براوح بافتعال بيِّن في حالة التضخم؟ لابد من قراءة جدية مسؤولة بالخصوص.. وطبعا لابد من سياسات مصرفية جديدة وقوانين لها تتلاءم ولاوضع والخيار الجديد ومثل ذلك ما يتعلق بالبنوك الأجنبية وعملها ....؟

إنَّ عقد المؤتمرات الاقتصادية الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية والخبرات والاستعانة باقتصاديينا المنتشرين في المهاجر هي من القضايا التي ينبغي البحث فيها والتوقف عندها طويلا.. ولابد من الإشارة إلى كون الخبير العراقي المقيم في الخارج يملك اليوم أفضلية بعيدة وتقدما على أي طرف آخر من الخبراء المحتمل جذبهم لقراءة أنشطتنا ومعالجة اقتصادنا علاجا جديا ناجعا...

وجملة القول لابد من لقاء وطني شامل لقوانا وفعالياتنا من أجل مشورة مشتركة وتوافق على عمل موحد لإعادة البناء ولن ينفع حتى وجود أغلبية في العمل لابد من الاجماع من أجل التحرك الجدي المسؤول...