دبلوماسية تصريحات المسؤول العراقي ودوافع دعوات الخنوع والتبعية من بعض الأصوات

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  08 \ 07

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

عادة ما تكون تصريحات المسؤول الحكومي تلخيصا لرأي حكومته في قضية أو استجابة مباشرة لما يجري من وقائع وأحداث محيطة به. وتتفاوت درجة الذكاء ومستوى الأداء بين المسؤولين, مثلما نشاهد اختلاف الرؤى وبروز الشخصي من المواقف على ألسنة بعضهم بما يضر أحيانا ليس بحكومة المسؤول المعني بل بمصالح الشعب والوطن الذي ينتمي إليه ذاك الشخص المقصود..

من هنا كان حساب أي تصريح يجب أنْ يوزن ويجري تدقيقه مرات عدة قبل إطلاقه على أثير الصحافة وقنوات الإعلام والإعلان.. لما يمكن أنْ يجرّه ذلك من مصائب أو على أقل تقدير متاعب للبلد جملة من الجمل أو حتى كلمة بعينها.. فكشـَّاف الأوراق الصفر يطارد ويتسقط لكل شاردة وواردة لتأويل الأمور بما يصب في طاحونة المستغلين والمتصيدين في المياه العكرة, وكثرما نجد من هؤلاء اليوم في عراقنا الجديد..

فلقد انبرت قوى إقليمية ودولية محيطة مباشرة بنا أو بعيدة مكانا عنا ولكنَّ أصابعها تمتد إلى عمق وجودنا في أبعد نقطة عراقية في أغوار أنفس العراقيين مستغلة عواطفهم الإنسانية ومشاعرهم النبيلة وطقوسهم لأغراض مرضية لا علاقة لعراقي ومصالحه بها..

وإذا كان صحيحا أنْ ندقق في أمر دبلوماسية التعامل مع اختلاف وجهات النظر مع الجيران ومع دول العالم, وإذا كان صحيحا ضرورة بل وجوب النظر إلى مصالح الآخرين المتبادلة معنا فإنّه ليس من الصحيح في مسألة إطلاق التصريحات على ألسنة مسؤولينا منعهم من إبداء وجهات نظرهم التي تلخص رأي الشارع السياسي في قضية كقضية التدخلات السافرة لقوى من الجوار أم من غيرها..

إنَّ اللغط الثائر حول تصريحات وزير دفاع الحكومة المؤقتة بخصوص تدخلات بعض الجيران وتجاوزها الحدود والخطوط الحمر أمر ليس وراءه في كثير من الأحيان إلا دعوات الإذعان والتبعية لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك.. وكم هو واضح مَن يدافع عن مصالح دول أخرى داخل بلادنا وهو يحمل الجنسية العراقية وليست القضية جديدة على الوضع السياسي العراقي..

فلقد باع مثل هؤلاء أنفسهم منذ زمن بعيد وليست هذه بمشكلة بل يمكن لهؤلاء أن يعيشوا بحرية من غير منّة من أحد حيث عراقنا الجديد خيمة للجميع ولكن ما يُشترط في الجميع وهؤلاء منهم ممارستهم رؤاهم بروح ديموقراطي باحترام رؤى الآخرين وبالتحديد منها تصورات الأغلبية العراقية في الاستقلالية ورفض التبعية لأية أسباب كانت حتى لو انطلقت من أسس دينية مذهبية كما تتستر الرؤى المقصودة بالإشارة هنا..

فالوطن والوطنية هما المقدمان في مصالح العراقيين.. أما تشويهات ترى بضرورة تقديم الطائفية أو العشائرية أو ما إليها من تقسيمات التخلف والرجوعية والظلامية فأمر لا يُخفي وراءه إلا جرّنا لبيع أنفسنا ليس رخيصا بل بلا مقابل ولا ثمن للآخر كما يفعل أصحاب المقالات المدبجة التي ترى في الطائفة الشيعية جزءا من الجارة إيران في وقت نرى أنفسنا في وحدة مع شعوب إيران وليس إيران الاعتداء على حقوق الآخرين!!

إنَّ مسألة شيعة العراق وتبعيتهم ومن ثمَّ تبعية العراق ينبغي إعلانها بوضوح دوما وتوكيد مستمر لا يمكن إلا أنْ تكون محصورة بالانتماء إلى العراق وطنا مقدسا نحيا فيه سويا من دون تمييز ومن دون احتراب أو انقسامات كما عاش أباؤنا وأجدادنا بوئام ووحدة عبر تاريخنا الوطني والحضاري..

فإذا تجاوزنا التأكيد على وحدتنا الوطنية أولا بكل مكوناتنا العراقية القومية والدينية والمذهبية وإذا تجاوزنا مسائل وجود أتباع قوى خارجية وحقهم في التعبير عن رؤاهم من دون نوازع القتل والتدمير والجريمة عامة فإننا نؤكد على حق العراقيين في متابعة تصريحات مسؤوليهم ومعالجتها معالجة موضوعية تنظر إلى مصالح الوطن والشعب وتعدل ما يمكن أنْ يكون خطأ أو غلطا بمعنى عدم إيماننا بصحة كل ما يقوله المسؤول..

هنا يمكن التأكيد على معالجات موضوعية رصينة تناولت تصريحات وزير الدفاع المتشددة مؤكدة على ضرورة التناول الدبلوماسي الذكي للأمور فهل كانت مسألة التشدد من وزير الدفاع خارجة عن صحة التناول؟

في الحقيقة لابد من القول بأن كل لسان له إمكاناته في الاتعبير اللغوي ولكن جوهر التشدد كان من الضروري أن ينطلق على لسان وزير الدفاع وأن تسانده الفعاليات السياسية لا أن تحاصره بالتأكيد على الحقائق التي سجلتها الوقائع من جهة وسجلها خطاب الوزير من جهة أخرى..

على أن ذلك لا يمنع من التأكيد على وحدة مصالح البلدين وشعبيهما وعلى نية بناء علاقات وطيدة تصل حد التحالف مع الفعاليات السياسية الممثلة للشعب.. أما أن تنبري أقلام بتنوعات مصالحها ودوافعها للنيل من شخص المسؤول والتطبيل لرؤى التبعية والخضوع والاستسلام والذل أو أن تقع بعض الأقلام في دائرة خدمة مثل هذه الرؤى عندما لا تحتاط في تقويمها لتصريحات السيد الوزير وتبقي معالجتها محصورة في جزئية اندفاع لغة التشدد ولا تتناول ولو بإشارة من بعيد إلى فضح التدخلات فأمر يحتاج لمراجعة بالتأكيد..

ويجب لكل من يتصدى لقضية وطنية بهذا الحجم بخاصة من أقلام الساسة القادة من الشخصيات الوطنية أن يتطرقوا إلى جوانب الموضوع بما لا يسمح بتجيير  رؤاهم الصادقة التناول لحسابات معادية لمصالح عراقنا وعراقيينا..

فنعم لزمن السلام والحوار والتهدئة ونعم لزمن الانصراف لبناء بلادنا وإعادة إعمارها ونعم لزمن تجنب الاستفزازات من أي طرف ونعم زمن وقف العنتريات والتشدق البطولي على حساب حيوات ملايين أخرى من شعبنا ولكن كيف يمكن أن نواصل نعم الحكم السابق المنهار جملة وتفصيلا بفكره الذليل حيث بيع كل شئ مقابل الكرسي والمصالح الرخيصة للفرد أو لمجموعة من أنفار تقدم مصالحها على مصالح مجموع الشعب..

كيف يمكن القبول بإذعان يواصل بيع ثروات العراق وأراضيه ومياهه بل وناسه لهذا الطرف أو ذاك؟!!! لا يمكن القبول بإذعان جديد .. ولا يمكن القبول بتبعية تسلبنا آخر ذرة من وجودنا الإنساني .. إننا لا نتحدث عن تصعيد وانجرار وراء بطولات جديدة لم تجلب لنا سوى الدمار والموت والخراب الذي نراه, ولكننا نتحدث عن ضرورة اتخاذ موقف يتناسب مع كل حالة من حالات التناول..

وعلى الحكومة تنسيق تصريحات مسؤوليها وموظفيها وألا تسمح لبعض الموظفين الذين اخترقوها في هذه اللحظة القلقة من تاريخنا الحديث أنْ يتحدثوا بكيفية مزاجية ترضية لدول وجهات ظلامية التوجه على حساب مصالح شعبنا العراقي في زمن تحتل تلك الدول مغتصبة أراض من وطننا العزيز وتنظر بعين نهمة إلى كل بلادنا تابعة ذليلة لهم..

لقد ولى زمن الإمبراطوريات التي تستطيع إخضاع شعوب بشكل مباشر أو غير مباشر وشعبنا يسير باتجاه تعزيز استقلاله ووحدته وحريته وبناء الوطن على أقوى أساس.. وينهض بالمهمة كل شيعة العراق الأحرار مع كل سنة العراق وكل مكونات شعبنا بكامل أطيافه..

إنَّ امتناع تبعية الشيعة لجهة أجنبية أو لدولة على حساب مصالحهم ومصالح أخوتهم في الوطن لا يعبر عنها سنّة العراق أو مسيحييه أو غيرهم بل يعبر عنها فضلا عن هؤلاء جميعا شيعة العراق أنفسهم حيث يرفعون لواء مرجعيتهم الدينية المذهبية بكف ولواء حريتهم ومصداق إيمانهم ووطنيتهم بكف أخرى على حد سواء بمعنى ألا يكون لمرجعيتهم تأثير على وطنيتهم وتعارض بل توكيد وتوحد وتفاعل إيجابي مكين.. وردنا في هذا المقام هو مزيد من احترام بعضنا بعضا ومزيدا من توحدنا وهو ما تثبته الأيام طوال سنتنا الأخيرة التي صادفت هجمات ناشطة ضد كل أبناء شعبنا على الرغم من مزايدات ادعاء تمثيل هذا الاسم أو ذاك لمصالح أغلبية أبناء شعبنا ..

وتظل مسألة التصريحات بحاجة لمراجعات ومعالجات هادئة تخدم مصالحنا العليا كافة من دون استثناء وإذا كنا نتبادل مع الآخر المصالح فإن هذا لا يعني بالمرة خضوعنا له كما لايعني قبولنا باغتصابه حقوقنا ولماذا أيها السادة الذين هاجمتم وزير الدفاع لا يستحي الغاصب المعتدي لا يكف عن تدخله السافر المعلن؟ في وقت تهاجمون بالشتائم لا بالدبلوماسية وبالتشدد والتطرف والانفعال والاندفاع وليس بالعقل والموضوعية.. سبحان الله في أمر محامي دفاع الجارة إيران فهم لا يرفعون أصواتهم دفاعا عن شعوب إيران المظلومة أو إعلان مطالبهم وحقوقهم ولكنها أصوات ترتفع دفاعا عن ملالي الضلال واليمين المتشدد عندما يعلن طرف حقه ويداعي للانتصاف لحقه من دون مهاجمة ولا اعتداء ولا شتائم؟؟؟

الأمر واضح بيِّن ولا عجب وليكن حتى لهؤلاء حقهم في التعبير وبالكيفية التي يرون ولكننا نحتفظ بحق الدفاع عن العراق بشيعته أولا وبكل طوائفه ومكوناته ومصالحهم العليا وبالطرق المناسبة الموضوعية التي لا تضير بلادنا وشعبنا بل تعمق توجهنا نحو السلام والديموقراطية وتحقيق الحريات الإنسانية كافة وأؤكد أولها لشيعتنا الذين ظُلِموا عهودا وممن ظلمهم محاولة جعلهم تابعين لقوى لا تنظر إلى مصلحة لهم بقدر ما ينظرون للمناورة بهم واستغلالهم سلاحا لمصالح ليس منها قيد أنملة يحقق لعراقي شيعي شيئا فكيف لكل عراقيينا...

إنني العراقي المعتز بعراقيته وأنا أفخر بإيداع اسمي لدى كل طائفة عراقية مؤمنا بمصالحها ومطامحها وتطلعاتها من دون منقصة ومن غير [ولكن] لأي من تلك المكونات لأن فخري بعراقيتي يعني فخري بكل عراقي من دون استثناء إلا أولئك الذين يزعقون باسم مصالح لا تعود على عراقي بفائدة, وتلك هي عبارة العراقيين أغلبهم..

وهنا لابد من القول بأن المسألة لم تكن مسألة تصريحات متشددة لوزير دفاع ليس له في الدبلوماسية كما يزعمون ولكنها في كون بعض تلك الأقلام قد تناولت الأمر بطريقة خدمت بدراية أو بغيرها قوى ليس لها مصلحة في الدفاع عن العراق وعن شيعة العراق.. لأن مصالح شيعة العراق ليست في إيران ولا في الجنان أينما كانت بل في أرض العراق التي أريق دمهم عليها وحان زمن استعادة حرياتهم وحقوقهم هنا على أرض العراق بعيدا عن كل جهات الأرض فجنتهم الوحيدة الواحدة اسمها العراق كل العراق مع بقية أخوتهم بلا فرق..

في مقالي هذا لم أمر على التصريحات بل على دوافعها ودوافع الرد عليها آملا ألا يكون ذلك مانعا دون قراءة كل خطوة وكل جملة وكلمة لكل عراقي من دون تردد ولا خشية أو اعتقاد في انتقاص لأننا ننطلق من إرادة عراقية واحدة لا تخجل من ظهور خطأ بل تفرح لاكتشافه وتصويبه..

أما التهم والتهم المقابلة فهي مما ينبغي أنْ ننصرف عنه نهائيا وأن نؤكد على الرؤى الموضوعية التي تخدم مصالح العراقيين كافة .. فإلى كل المداخلات التي تعاقبت بالخصوص تحية وتذكر ما ينبغي أن يكون للعراقي بعيدا عن زمن الاختلاف المرضي وعميقا في زمن التنوع والتعدد الذي يوحدنا ويجعلنا أكثر جمالا وتقاربا..

ولنساند كل فعل إيجابي يعزز ذلك ونعالج بهدوء بكل ما ينطلق من تصريحات باختلافها بما يؤدي لمزيد من تكاتف ومزيد من نجاحات..

 

خاص بالرافدين